إلى الشمال من مدينة "إدلب" بحوالي 40 كم وفي الطرف الشمالي من جبل "باريشا" وعلى مقربة من طريق "حلب- حارم" تقع آثار "داحس" أكبر قرى جبل "باريشا" الأثرية حيث تنتشر أوابدها على مساحة كبيرة بين حقول الزيتون ليشكلا معاً مشهداً طبيعياً غاية في الجمال ولتكون شاهدة على قدم هذه المنطقة وعراقتها الموغلة في القدم وعلى الحضارة التي عاشتها منذ آلاف السنين.

وتشير الاكتشافات الأثرية إلى أن الحياة دبت في "داحس" في العهد الروماني نهاية القرن الأول الميلادي لتصل مرحلة مزدهرة خلال القرن الرابع حيث شهدت تطوراً كبيراً خلال تلك الفترة وتحولت فيها إلى مركز تجاري وديني وخاصة في القرن السادس وفيه بلغت أوج حضارتها وتطورها العمراني كما تدل على ذلك الآثار التي لا تزال ماثلة للعيان وبحالة جيدة والتي تتناثر في كل أرجاء الموقع، كما يوجد فيها معاصر زيتون يزيد عددها على ثلاثين معصرة اكتشف منها 19 معصرة لغاية العام 2010 وذلك من قبل البعثة الفرنسية التي تنقب بالموقع وهي معاصر تعود للعصر البيزنطي بعضها مخصص للزيتون والآخر للعنب.

إن أهمية آثار "داحس" وما تحتويه من أوابد متنوعة إضافة إلى المشهد الطبيعي المحيط به جعله أحد المواقع الأثرية المهمة في المحافظة والتي بدأت تستقطب اهتمام الزوار والسياح وخاصة بعد الاكتشافات التي تمت فيها وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لهذه المنطقة الملأى بالآثار

ويقول الباحث "عبد الحميد مشلح": «يوجد في المنطقة الجنوبية من "داحس" مدافن فخمة تعود للقرن الثالث والرابع، إضافة إلى عدد كبير من الكنائس التي تعود إلى القرن الخامس والسادس وفيها أيضاً برج بحالة سليمة وفندق ومنسكة حيث تحوي معظم هذه الآثار على رسوم وتزيينات وزخارف لا تزال محافظة على شكلها العام وتتركز الزخارف على سواكف الأبواب وعلى الأقواس وتيجان الأعمدة، وإن ‏هذا التنوع والغنى في الزخارف دليل عن تنامي وازدهار المنطقة والنهضة التجارية التي شهدتها وخاصة في ‏القرن الخامس الميلادي وكذلك وجود مظاهر التطور بالتنظيم العمراني ووجود السوق التجاري بأروقته الواسعة وبقايا الأبنية الجميلة الموجودة فيها، ومن الآثار الموجودة بالموقع هناك دير "داحس" الذي يبعد 700 متر جنوب غرب القرية وبجواره كنيسة أبعادها 20×14.5 مترا تمتاز بأعمدتها وبقايا أرضيتها الفسيفسائية التي لم يتبق منها إلا قطعاً صغيرة ويوجد فيه صناديق ذخائر وناووس دفن به الناسك مع برج للناسك أبعاده 7×7 م مؤلف من أربعة طوابق ومدفنين ومعصرة ودار ضيافة».

من المعاصر الأثرية المكتشفة

ويضيف "مشلح": «الأوابد التي يحتويها موقع "داحس" كثيرة ومتنوعة وغنية حيث أحصي فيها 52 فيلا قديمة معظمها كبيرة وفخمة وتتركز في منتصف الموقع وإلى جوار الكنيسة الغربية تدل بشكل واضح على نمط الحياة والرفاهية التي عاشها أهلها حيث كانت مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً نتيجة وجود المحاصيل الزراعية ونظراً لموقعها الجغرافي وقربها من الطريق الواصل إلى "إنطاكية" الذي ساعد على قيام تجارة مع المدن والمناطق المجاورة وخاصة "إنطاكية" و"حلب" و"قنسرين" وتؤكد الساحة الكبيرة في المنتصف مكانتها التجارية حيث كانت تستخدم هذه الساحة كسوق يعرض فيها التجار بضاعتهم تحت الأروقة المحيطة بها والساحة مقسمة بجدران فاصلة قسمتها إلى ثلاثة أجزاء وفي طرفها الشرقي بناء أطلق عليه اسم "أندرون"».

وعن مكانة وأهمية الكنوز الأثرية التي يحتضنها موقع "داحس" قال "نيقولا كباد" مدير آثار "إدلب": «إن أهمية آثار "داحس" وما تحتويه من أوابد متنوعة إضافة إلى المشهد الطبيعي المحيط به جعله أحد المواقع الأثرية المهمة في المحافظة والتي بدأت تستقطب اهتمام الزوار والسياح وخاصة بعد الاكتشافات التي تمت فيها وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لهذه المنطقة الملأى بالآثار».

احدى الكنائس المتعددة في داحس

أما "ميمون فجر" مدير السياحة في "إدلب" فتحدث عن أهمية الموقع السياحية بالقول: «تعدّ داحس من المواقع الأثرية الهامة في محافظة "إدلب" نظراً لما تحويه من آثار وأوابد غنية بزخارفها من بيوت سكنية وفنادق وكنائس ومعاصر وأديرة وأبراج ومدافن تشكل نموذجاً متكاملاً للحياة في تلك الفترة وتعطي تصوراً واضحاً عن التنظيم العمراني الذي ساد فيها وأنه يمكن الاستفادة من مكانتها وما تحويه من معالم لتكون نقطة جذب سياحية إلى هذه المنطقة الغنية بالأوابد الأثرية وتنظيم الرحلات السياحية إليها وإقامة استثمارات سياحية تسهم في إنعاش المنطقة وتنميتها».

زخرفة وفن بناء متميز