قيل.. "لا يفل الحديد إلا الحديد"، هذه المقولة قد لا تنطبق على الكثيرين لكنها توافق تماماً ما يحبه البعض خاصة إن تولدت علاقة صداقة بين الإنسان وهذا المعدن.

في زيارة eSyria إلى المنطقة الصناعية في مدينة "حماة" التقى الحدّاد "مروان مرشد أبو بيض" الذي يعمل برفقة أخيه "عدنان" على تصنيع سيارات صغيرة الحجم خاصة بالمنتجعات السياحية، وكذلك عربات لبيع الفول.

يمتلكان ذهناً وقاداً، ولا يصعب عليهما شيء، ولكن لا أحد يقدر التعب الذي يقومان به

الحرفي"مروان" متعلم وقد درس في كلية الفنون الجميلة لعام واحد ولكن الحالة المادية لم تسمح له بالمتابعة فآثر العمل في هذه المهنة خاصة وأنه خريج المدرسة الصناعية في حماة.

الحرفي "مروان أبو بيض"

عن بدايات تعلمه لهذه المهنة يقول "مروان": «جئتها متأخراً بعض الشيء خاصة أن طموحي كان أن أصبح فناناً تشكيلياً وهذا ما سعيت له لكن واقع الحال لم يسعفني في تحقيق هذه الأمنية، فعدت أدراجي إلى واقع يجب أن أتعايش معه فالتحقت بورشة الحدادة لأحد أبناء عمومتي، وكان أخي "عدنان" قد سبقني إليها».

في البداية كان تصنيع الأبواب والشبابيك هو ما احترفه مع أخيه، ولكن يبقى هاجس الإنسان هو التطوير في المهنة نفسها التي يقتات منها، وهنا يتابع فيقول: «لكي تحقق شيئاً مهماً يجب أن تبتكر مما بين يديك أشياء لم ينتبه إليها الآخرين، لذا فكرت وأخي العمل على تصنيع آليات لاستخدام النقل فكان ان اتجهنا لصناعة "الطرطورة" ذات العجلات الثلاث، وهكذا يبدأ التطوير من خلال هذه المهنة المطواعة فرغم صعوبة التعامل مع الحديد إلا أنه يساعدك في بعض التشكيلات الجميلة».

سيارة لبيع الفول

ننتقل بعد ذلك للحديث عن السيارة التي يصنعونها فيقول: «هي سيارة صغيرة الحجم وقليلة الارتفاع تستخدم في المنتجعات السياحية ومثلها ما يستخدم في الملاعب الرياضية، وزنها قرابة/700 كيلو غرام/، وتصل سرعتها إلى /80 كيلو متر في الساعة/ تعمل بمحرك من نوع "سوزوكي SUZUKI" بثلاث رؤوس، وتصل كلفتها إلى/125 ألف ليرة سورية/».

ويضيف: «لا يمكن استخدامها خارج اختصاصها ولا يمكن أن تستخدم في شوارع المدينة فهي بحاجة إلى ترخيص بذلك».

الدهان "عمر سلطان" ينجز السيارة الثانية

وعن تصنيع آليات أخرى قال: «نستطيع تصنيع أي نوع يطلب منا، وقد قمت بتصنيع دراجات خاصة بالعجزة، واليوم انتهيت من تصنيع عربة لبيع الفول ذات محرك "VESPA فيسبا"، من ميزاتها سرعة التنقل وتوفير الراحة للبائع الذي لن يحتاج لقوة الدفع بما يجهده، وتصل كلفتها المادية بين/ 60-70 ألف ليرة سورية/».

ولكن يبقى السؤال كيف يستند "مروان" وأخيه على تصنيع مثل هذه الآليات، فيقول: «نعتمد على الصور التي تقدم إلينا عن بعض النماذج المتوفرة وندخل عليها ما يفرضه واقع التصنيع من نوعيه الحديد المستخدم».

الحرفي "عمر سلطان" معلم دهان سيارات تحدث عن سيارة "التيك توك" الصغيرة التي تصنّع في "حماة" فقال: «من الناحية الجمالية تبدو مقبولة لأنها صغيرة الحجم، وأماكن استعمالها يفرض ذلك، إضافة إلى الدقة في التصنيع والقوة في التحمل، وهذا ليس غريباً على "مروان" وأخيه "عدنان"، بالنسبة لي أقوم بوضع الألوان لهذه السيارة، ولست مخيراً في ذلك فصاحبها قدم لنا الألوان التي يرغبها ونحن نقوم بتنفيذ ما يطلب منا».

وذكر الحرفي "عمر" أن قيمة بخ السيارة بالدهان يصل إلى / 20 ألف ليرة سورية/.

"عدنان أبو بيض" الوجه الآخر لشقيقه "مروان" تحدث عن صعوبات هذه المهنة فقال: «أكثر ما نتعرض له هو الإصابة بشظايا الحديد صغيرة الحجم التي تتطاير نتيجة القص، كذلك الوميض الذي يصدر عن عملية لحام الحديد مع بعضه ما يؤثر على العين وهنا نستخدم شرائح "البطاطا" لتمتص الألم من العين، ومن أخطار هذه المهنة التعامل مع المقص الكهربائي، وهنا يجب على الحرفي ان ينتبه جيداً وإلا عرّض نفسه لحادث قد يتسبب بعاهة لا سمح الله».

ومن الزبائن الذين صادفناهم في ورشة "أبو بيض" السيد "ناصح فهد" القادم من قرية "المفكر الشرقي" من ريف سلمية، فيقول: «التعامل الجيد، الصدق في الموعد، والدقة في العمل، وأسعارهم متناسبة والواقع المادي للمزارعين، هذا ما يجعل الزبون يختار ورشة بعينها دون غيرها، وأنا وجدت هذه الأمور متوفرة عند "مروان" وأخيه "عدنان" لذا كنت وما زلت زبوناً لهم منذ عشر سنوات».

الحرفي "خالد الجاجة" أحد حرفيي المنطقة الصناعية أشاد بما يقوم به الأخوين "أبو بيض" وقال: «يمتلكان ذهناً وقاداً، ولا يصعب عليهما شيء، ولكن لا أحد يقدر التعب الذي يقومان به».