تتالت الكشوفات الأثرية الهامة في تل "الكسرة" الأثري مع نشاط البعثة الأثرية الوطنية في المنطقة بإدارة الباحث والآثاري "يعرب العبد الله" ولعل أهم تلك الكشوفات وأشهرها "المدفن البيزنطي" في التل المذكور.

في محاولة للتعرف على هذا المدفن التقى eSyria بالآثاري "يعرب العبد الله" الذي حدثنا حول موقع المدفن بالنسبة للتل بالقول: «يقع المدفن في الجهة الشمالية الغربية من تل الكسرة الأثري إلى الشمال من المقبرة الإسلامية التي تشغل الجزء الغربي من التل، والتي كان يستخدمها أهالي القرية، وهو يقع على مرتفع من الأرض، وبالرجوع إلى المراجع القديمة التي ذكر فيها التل وهي قليلة، أكدت الرحالة البريطانية G.Bell التي زارت التل عام 1909 حيث ذكرت في كتابها (Amurath to Amurath) عن قيام عدد من الجنود بحفر خندق على الطرف الشمالي للموقع، حيث وجدت "صالة صغيرة دائرية جدرانها من اللبن المشوي وأرضيتها بيضاء".

يقع التل بالقرب من بلدة "الكسرة" ويبعد قليلاً عن مجرى نهر الفرات، وهو تل كبير من حيث المساحة مختلف الطبوغرافيا لوجود أودية ومؤلف من عدة تلال

وانطلاقاً من هذه المعلومة قامت البعثة الوطنية الأثرية بإدارتي في موسمها الأول بالقيام بمسح أثري حددت من خلاله المنطقة، التي ممكن أن يكون المكان التي ذكرته الرحالة، وفي الموسم الثاني عام 2007 قامت البعثة الأثرية الوطنية بالحفر في المكان الذي حدد سابقاً، وتم الكشف عن بناء غاية في الجمال والبنية المعمارية».

الأستاذ يعرب العبد الله

وبالنسبة للأقسام التي يتألف منها المدفن فقد بين "العبد الله" أنها تنقسم إلى قسمين: «يتألف المدفن من قسمين: -القسم العلوي وهو مؤلف من قاعة كبيرة مغطاة بطبقة كبيرة من الملاط الجصي "البحص النهري+ الجص+ مطحون الكلس" أي هي الطينة التي توضع بين مداميك القرميد والرخام من أجل تماسكها، المخلوط بالحصى النهري وهذا دليل على أن القاعة كانت مبلطة ببلاطات قرميدية، ومدخل القاعة من الزاوية الجنوبية الغربية واستدل عليه من وجود قواعد أعمدة رخامية تحدده، بعد المدخل وجدت كتل رخامية مصفوفة بشكل شبه دائري أبعادها 70×30×8سم. وتم الكشف في الطرف الجنوبي الشرقي عن مجموعة من البلاطات الكبيرة مكعبة الشكل مرتبطة مع بعضها على شكل حرف L حيث وجد أن لها امتدادا بشكل جلي ضمن الطرف الغربي للمربع وهذه الكتل تحوي في أسفلها غرفة الدفن.

القسم السفلي ويقع تحت الأرض يحوي غرفة الدفن تعلوها أربعة كتل رخامية كبيرة، تكشف لنا أيضا قاعة نصف دائرة غاية في الجمال مغطاة بطينة جصية محافظة على طبيعتها ذات لون أبيض، وجدت أيضاً جدران تحدد القاعة النصف دائرية من جهة الجنوب مبنية من البلاطات القرميدية، وقد وجدت في أرضية القاعة على كسر من الملاط ملونة بألوان جميلة، من هذا استدل على أن سقف القاعة كان مغطى بلوحة فنية جميلة ذات ألوان زاهية وقد نقلت كميات كبيرة من قطع الملاط الملونة إلى متحف "دير الزور" لدراستها من قبل البعثة لوضع تصور معماري للقاعة».

صور من المدفن البيزنطي

وحول الاستنتاجات التي تم التوصل إليها من دراسة هذا الاكتشاف أضاف "العبد الله": «من دراسة هذا الاكتشاف نجد بأن المهندسين البيزنطيين قد ورثوا مجموعة من الأشكال المعمارية الرومانية، لكنهم افتقروا للوسائل التقنية. فنرى بأن الملاط احتوى على الكلس والرمل واحتوى كذلك على كسر من الآجر وأحياناً الحصى، وكان الملاط يستعمل بشكل سخي، وإن كانت طبقة الملاط أقل سمكاً من الآجر في عمارة العصر الإمبراطوري الروماني، فالعكس هو الصحيح في العمارة البيزنطية والنسبة بين سماكة الآجر والملاط كانت 1/1 في القرن الرابع الميلادي ووصلت إلى 2/3 في القرن السادس الميلادي ويمكن تفسير تلك الممارسة بمحاولة الاقتصاد في استخدام الآجر».

وعن الفترة الزمنية التي ينتمي إليها هذا المدفن أفادنا السيد "أمير حيو" المدير السابق لمديرية الآثار والمتاحف في "دير الزور" قائلاً: «من خلال الاستنتاجات السابقة وبدارسة البنية المعمارية للمدفن تبين بأنه يعود إلى منتصف القرن السادس الميلادي زمن الإمبراطور البيزنطي "هيرقليوس" الذي قال كلمته المشهورة في شمال سورية "وداعاً سورية وداعاً ليس بعده لقاء" عندما انهزمت جيوشه أمام جحافل الفتح العربي للمنطقة».

الأستاذ أمير حيو

ومن الجدير بالذكر أن تل "الكسرة" المذكور يقع وفق ما حدد الأستاذ الباحث "مازن شاهين" بالقول: «يقع التل بالقرب من بلدة "الكسرة" ويبعد قليلاً عن مجرى نهر الفرات، وهو تل كبير من حيث المساحة مختلف الطبوغرافيا لوجود أودية ومؤلف من عدة تلال».