في كل عام، ينتظر سكّان البادية والريف ضيفاً يبعد عنهم أكثر من ثلاثمئة سنة ضوئية، ليبشرهم وينذرهم باقتراب الموسم الشتوي وانتهاء موسم الصيف الملتهب، وبداية الاعتدال، إذ لم يكونوا في القديم يستخدمون التقويم الشمسي لتحديد فصول السنة، كذلك هو دليلهم في المسير وتحديد الاتجاهات، هذا الضيف هو "نجم سهيل".
وللتعرف على هذا الضيف ومدى أهميته عند أهالي منطقة الفرات، التقى eSyria الحاج "علي العكلة" 90 عاماً من أهالي قرية "الطوب"، والتي تبعد 30 كم شرقي "دير الزور"، والذي أفادنا بالقول: «"نجم سهيل" من النجوم شديدة التوجه، والتي تظهر واضحة في الجهة الجنوبية، ويظهر في بلادنا بعد منتصف أيلول، أي في بداية فصل الخريف، وهو يدل على اتجاه الجنوب، حيث إن رعاة الأغنام في بادية "دير الزور" يستهدون بهذا النجم، أثناء مسيرهم في البادية للبحث عن المراعي الخصبة لأغنامهم، وظهوره يحدد الجهات الأربع، وكذلك الفلاحين عند طلوعه يجهزون أراضيهم، من حراثة وغيرها لزراعة موسم الحبوب الشتوية من القمح والشعير، وهذا النجم وبشكل دائم يدل على جهة الجنوب، وهو يظهر قريباً من الأفق، ويعتمد عليه في تحديد القبلة عند إقامة الصلاة ليلاً، وهناك مقولة معروفة مفادها: "إذا شفت سهيل.. لا تامن الغرق والسيل"، وهي بمثابة النصيحة، أي على أهل البادية أن يبنوا بيوت الشعر في المرتفعات، تجنباً من السيول الجارفة الناتجة عن الأمطار الغزيرة في هذه الفترة، وكذلك عدم مبيت الأغنام في المنخفضات والوديان، وكذلك هناك نصيحة أخرى وهي "من عشّا.. حط الدلو بالرشة"، وتعني أنه في فترة ظهور "نجم سهيل" يبدأ الخريف وتجف الحشائش، لذلك تحتاج الأغنام إلى كمية كبيرة من المياه عند الغروب أثناء قدومها من المرعى، ولما لهذا النجم من أهمية بالغة عند أهالي الدير، فقد قالوا فيه بعض القصائد ومنها على سبيل المثال: "يا نجمة سهيل.. نوحي بالسما نوحي... وسلميلي على الغالي بعد روحي".
كان أبناء البادية في منطقة الفرات قد أدركوا منذ القديم أن الشهور القمرية لا تتوافق مع فصول السنة، الصيف والخريف والشتاء والربيع، فابتكروا طريقة يعرفون بها الفصول والمواسم، وجعلوا بداية هذه السنة ابتداءً من طلوع "نجم سهيل" وأصبحت كتقويم خاص بهم، وهو الدليل أثناء المسير في البادية ليلاً، ومحدداً لاتجاه القبلة واتجاه الجنوب
وكذلك لما له من أهمية في تحديد الاتجاهات والدلالة قيل فيه بعض أبيات القصيد التي تغنى على الربابة وهي:
"ظعنهم بالحمادة تاه وجداي/ وخلولي دليلي "سهيل" واجداي
عليهم نار قلبي دوم وجداي/ جمر بلوط ولا هم خطيا"، والحمادة تعني البادية، وخلولي أي تركوا لي.
وكذلك من الاغاني القديمة التي غنت بهذا النجم:
"بس ثلاثة بالدنيا ما صابهن عذروبي/ الثريا ونجم سهيل والثالثة محبوبي"، والعذروب تعني العيب، وهذا دليل على دقة موعد ظهور هذا النجم، وهناك قصة من نسج الخيال يتم تناقلها عند أبناء المنطقة وهي تخص "نجم سهيل" ومفادها، أن الجدي المتهم يقف معلناً براءته بينما تدور حوله السبع بنات يحمل أربعة منهن نعش أبيهن المقتول وثلاثة خلف النعش، آخرهن العرجاء لتأخرها في السير، أما "نجم سهيل" القاتل فيختفي ويظهر في مكان الجريمة، حيث يقال المتهم "الجدي" والقاتل "سهيل"».
ولمعرفة المزيد عن هذا النجم الهام في حياة أجدادنا، وعن دورته الفلكية، التقينا الأستاذ "شوكت كبيسي" من هواة الفلك والذي حدثنا بالقول: «بطلوع "نجم سهيل" تنكسر الحرارة تدريجياً، ويبدأ الجو بالاعتدال ليلاً، وينقسم سهيل إلى أربعة منازل، تبدأ بالمطرقة، ومدتها ثلاثة عشر يوماً، يكون فيها الجو لطيفاً في الليل، منزلة الجبهة ومدتها أيضاً ثلاثة عشر يوماً، وهي فترة الخريف حيث يبرد الليل ويتحسن الطقس نهاراً، أما المنزلة الثالثة فهي "الزبرة" وتستمر ثلاثة عشر يوماً، حيث تزداد برودة الليل وينصح بعدم النوم تحت قبة السماء، المنزلة الرابعة "الصرفة" وهي آخر نجم سهيل.
ويظهر نجم سهيل في مناطقنا في شهر أيلول، بينما يبدأ ظهوره في الجزيرة العربية في ليلة الرابع والعشرين من آب، ويبعد عن الأرض مسافة 310 سنة ضوئية وجاءت المواسم وفقاً للحساب الشمسي بداية من طلوع "سهيل" لتكون أربعة عشر موسماً خلال ما يعرف باسم "السنة السهلية" وهي سهيل، والوسم، والمربعانية، والشبط، والعقارب، والحميم، والذرعان، والكنة، والثريا، والتويبع، والجوزاء الأولى، والجوزاء الثانية، والمرزم، والكليبين.
و"سهيل" من النجوم المهمة التي تستخدم في الملاحة قديماً، حيث يعتبره بعض الملاحين كنجم القطب الجنوبي، وما زالت مركبات الفضاء التي تتجه إلى الفضاء الخارجي داخل المجموعة الشمسية تستخدمه بغرض الملاحة واستدلال الطريق وتجهز عليه كاميرات لمراقبته».
الأستاذ "خالد العبد" من قرية "البوليل" قال: «كان أبناء البادية في منطقة الفرات قد أدركوا منذ القديم أن الشهور القمرية لا تتوافق مع فصول السنة، الصيف والخريف والشتاء والربيع، فابتكروا طريقة يعرفون بها الفصول والمواسم، وجعلوا بداية هذه السنة ابتداءً من طلوع "نجم سهيل" وأصبحت كتقويم خاص بهم، وهو الدليل أثناء المسير في البادية ليلاً، ومحدداً لاتجاه القبلة واتجاه الجنوب».
الاستاذ "عبد الرحمن العلي" من قرية "المريعية" قال: «هناك أقوال عديدة عند أجدادنا منها، الصيف أوله طلوع "الثريا"، وآخره طلوع "نجم سهيل"، ويتغير طلوع "سهيل" بين الصباح والمساء، أما في سماء بلادنا فهو يظهر تقريباً في منتصف شهر أيلول، ويمكن استعمال سهيل كمؤشر لاتجاه الجنوب، فهو دائماً ناحية الجنوب في بلادنا، وهو البشير بقدوم الامطار ومواسم الخير، ويمكن رؤيته بالعين المجردة دون استخدام التلسكوبات، وله ميزة خاصة تميزه عن بقية النجوم هي تدرجه باللون الأحمر ولمعانه المتوهج بعدة ألوان مختلفة».