لم يكن بوارد أن يكون صاحب السجل الصناعي رقم واحد في مدينته "دير الزور" لكنه كان يعرف جيداً ماذا يريد، فلم يثنه حال عائلته الميسور عن البحث ليحقق شيئاً يميزه، ويتميز به، إنه الصناعي "عطا الله صفوك"، الذي أسس شركة تعملقت فيما بعد في دول عربية عدة، فكتب قصة نجاح ما زال أبناؤه ومن عملوا معه يحصدون ثمارها.

موقع eSyria التقى المهندس "علي صفوك" الحاصل على إجازة هندسية بالنظم المعمارية في ألمانيا، وهو النجل الأكبر للصناعي "عطا الله"، ليتحدث عن والده الذي رحل عن عالمنا في العام 2008، فمن هو "عطا الله صفوك" بعيون الابن؟ وما قصة الرقم واحد في حياته؟

والدي من مواليد العام 1941 لأب من شيوخ عشيرة "البو حداد" ومن كبار تجار الماشية في المنطقة الشرقية وينادوننا بـ"الظفير"، وهو خريج المعهد الصناعي العالي باختصاص "خراطة وتسوية"، أحب مهنة الألمنيوم، وعشقها فلازمته حتى قبل يومين من وفاته

يقول المهندس "علي": «والدي من مواليد العام 1941 لأب من شيوخ عشيرة "البو حداد" ومن كبار تجار الماشية في المنطقة الشرقية وينادوننا بـ"الظفير"، وهو خريج المعهد الصناعي العالي باختصاص "خراطة وتسوية"، أحب مهنة الألمنيوم، وعشقها فلازمته حتى قبل يومين من وفاته».

السجل الصناعي رقم واحد

فمتى كانت بداية "عطا الله" مع مهنة الألمنيوم؟ يقول الابن: «حسب السجل الصناعي فقد زاولها بشكل نظامي في العام 1974، ولكنه في الواقع كان قد بدأها قبل ثلاث سنوات من هذا التاريخ، وأود أن أشير إلى أن السجل الصناعي خاصته يحمل الرقم /1/ ما يعني أن أحداً في "دير الزور" لم يكن بوارد العمل الصناعي، فالكل يعمل في الزراعة وتربية المواشي، فبقيت تلازمه قصة "الأول" لأنه اعتبر أول من أدخل هذه المهنة إلى "دير الزور" ومنطقة "الجزيرة السورية"، وعلمتُ بذلك من خلال الأساتذة والمعلمين الذي كانوا يأتون من "الحسكة" و"القامشلي" إلى مدينتنا، أما اليوم ففي "دير الزور" ما يقارب /400/ ورشة لتصنيع الألمنيوم».

في الفترة التي كان أهل "دير الزور" يطلقون فيها على ورشته اسم "البافون" (وهذه التسمية تطلق على أوعية المطبخ مثل الـ"طناجر" التي تصنع من الألمنيوم)، كان "عطا الله صفوك" في بحث متواصل عما يزيده معرفة بمهنته ليطورها، يقول "علي": «لم يقف والدي عند حدود ما تعلمه من خلال الكتيبات التي تشرح وتظهر طريقة تصنيع الأبواب والشبابيك من مادة الألمنيوم، بل تعدى ذلك بأن سافر إلى خارج القطر، وزار لبنان وتركيا أولاً واطلع هناك على أسرار هذه المهنة، بعد هذه المرحلة بدأ العمل في تصاعد ملحوظ ومدروس، إلى أن بدأ باستيراد المواد الخام من تركيا واليونان، وأجرى اتفاقاً مع معمل سحب الألمنيوم في "اللاذقية" لينتج لهم "بروفيلات" لمصلحتهم».

المهندس علي صفوك

وجاءت فترة التسعينيات من القرن العشرين لتشهد انطلاق "عطا الله" خارج حدود الوطن، وتحديداً إلى دولة الكويت، يتحدث "علي صفوك" عن هذه المرحلة فيقول: «بعد انتهاء حرب الخليج الثانية توجه والدي إلى الكويت بقصد التجارة، ولكنه وجد أن هذه البلاد بحاجة إلى صناعة وإنتاج، وليست بحاجة إلى تجارة، فعمل على تأسيس شركة "السحاب لأنظمة الألمنيوم المعمارية" بشكل رسمي وقانوني راعى فيه نظام الكويت المعمول به، وبعد نجاح الشركة انطلق إلى إمارة "دبي" وافتتح فرعاً للشركة في "جبل علي"، وآخر في دولة قطر، ورابع في مصر».

ولأنه لازم والده في حلّه وترحاله سألناه عن هواجس "عطا الله" الوالد الذي أصبح صناعياً كبيراً في مادة أحبها، فقال: «كانت سورية في عقل وقلب والدي، ودائماً كان يتحين الفرصة كي يعود إليها، كان يريد أن يقدم لبلده شيئاً، وبالفعل عاد وبدأ على الفور بتأسيس معمل لسحب الألمنيوم وقد أنجز منه قرابة /60%/، بالتعاون مع شركة ألمانية، كان كل شيء موجوداً: رأس المال، الخبرات، المواد الأولية، لكن العارض الصحي الذي تعرض له أربكنا جميعاً».

في ورشته القديمة

وبفضل حنكة وذكاء وتوجيهات الأب نَمَتْ شركات الأبناء، ليتم بدء العودة إلى سورية وإنشاء مجموعة "عطا الله الصفوك التجارية والصناعية" السحاب لأنظمة الألمنيوم المعمارية /سافكو/، فما السر الذي همس به لأولاده من بعده ليكونوا ناجحين؟ يقول الابن: «منحنا والدي خبرة خمسين عاماً في هذه الصناعة، وكثيراً ما كان يوجهنا في طريقة تعاملنا مع الزبائن، فالزبون برأيه يجب أن يتحول إلى صديق، فالدقة بالمواعيد، والأمانة في التصنيع تبني علاقة سليمة وصحيحة مع الزبون، وكانت هناك عبارة لطالما رددها على مسامعنا وهي: "حط النعمة على راسك ولا تدوسها"».

ويختم "علي صفوك" الحديث عن والده فيقول: «تزوج والدي ثلاث زيجات، وأنجب من والدتي عشرة أبناء مناصفة، سهر على تربيتنا، وعلمنا، فكنا جميعاً صناعيين ومتعلمين، غرس فينا حب الأخوة، ومثاله: "القوم الذين اتحدوا ما غُـلبوا"، فما زلنا إلى اليوم أولاده الذكور الخمسة نعمل لصحن واحد، ونأكل جميعنا من هذا الصحن، وبالطبع لا أنسى أنا وإخوتي الدور الكبير الذي قامت به والدتي في مساندته منذ بداية مسيرته الصناعية إن كان ضمن سورية أو في بلاد الاغتراب.

وللطرفة عند مغادرة والدي للكويت تابعت والدتي الأعمال وأصبحت تتابع العمالة ضمن الورشة لكي تتم عملية تسليمها للعملاء، ناهيك عن متابعتها لإخوتي في أمورهم الدراسية».

تخرج على يد "عطا الله صفوك" العديد من الصناعيين الذين باتوا اليوم يشكلون العصب الصناعي في المنطقة الشرقية ومنهم الصناعي "أحمد عبد المجيد المنفي" "أبو سيف" صاحب شركة "القدس" للألومنيوم في "دير الزور" الذي تحدث عن معلمه بالقول: «لأنه كان رائداً صناعياً في منطقتنا، فقد شكل بالنسبة لنا المرجعية الأولى والأهم في حياتنا المهنية، ولعل أهم ما أذكره منه هو إيمانه بقدرته على تحقيق النجاح، وإصراره الفعال الذي يصل لمرحلة التحدي، ومن المواقف الطريفة التي شهدتها أن أحد الخياطين تحداه مرة في أن يقوم بتصميم قميص رجالي وخياطته، وبالفعل قبل التحدي وكسبه، حيث ذهل ذلك الخياط بما فعله السيد "عطا الله"».

صناعي آخر تتلمذ على يد "عطا الله" وهو السيد "محمد السيد رشيد محمد الفتال" 57 عاماً وهو صاحب مصنع ألمنيوم قال: «عملت مع "عطا الله صفوك" منذ عام 1978، وأعرف تماماً ما أعطاه هذا الرجل لمهنتنا من قيمة كبيرة من خلال شخصيته وآرائه التي أرست تقاليد مهنية ما زلنا نسير عليها، وهو بالفعل خرج أجيالاً من الصناعيين الذين باتوا اليوم عماد الحركة الصناعية في "دير الزور" والمنطقة الشرقية بشكل عام».

عانى "عطا الله" من داء السكري، ولكن هذا لم يقعده في المنزل ولم يصل سن التقاعد لأنه كما كان يقول: «لا حدود للإنسان، ولا يوجد سن للتقاعد».

الجدير ذكره أن السيد "عطا الله صفوك" رزق بعشرة أبناء هم: "علي" مهندس نظم معمارية- "محمود"- "أمين" معهد متوسط هندسي - "مصطفى" طبيب أسنان - "نذير" مهندس ديكور.

أما البنات فهن: "صفاء" طبيبة بيطرية- "أسماء" مهندسة معلوماتية ومقيمة في مصر- "علياء" اختصاصية تجميل ومقيمة في الكويت- "نور" سنة رابعة هندسة عمارة- "رانيا" سنة ثالثة كلية الفنون الجميلة قسم الديكور.