"السوق الشرقي".. "السوق القبلي".. "السوق المسقوف" هي أسماء لسوق واحد كبير يمتد غرباً من "الجامع الكبير" في مدينة "الباب" ليصل شرقا إلى مشارف "سوق الهال" وتتفرع عنه شوارع وأزقة كانت ذات يوم شاهدة على ازدهار هذا السوق.
لا أحد يتذكر بالضبط منذ متى افتتح أول دكان فيه ولكن الكل يعلم منذ متى شح ماؤه وقل رواده فما إن ينتصف النهار حتى تخور فيه الريح وتعوي، وكأن القيامة لم تكن قائمة فيه ذات موسم.
ما يحز بالنفس أن الكل يعمل منفرداً لا يوجد أي تعاون بيننا سوء الأحوال أدى إلى أن نقف جميعا على أعصابنا على أبسط سبب نختلف ونجعل من السوق مكان للتناحر، وشر الأماكن فقدان الثقة وتلاشي المحبة وبالتالي انعدام البركة
حجارة أرضيته المرصوفة "على دور فرنسا" كما ورد على لسان أحد التجار أو قبل ذلك بكثير وسقفه على غرار سقف "سوق الحميدية" بدمشق أو "سوق المدينة" بحلب وأكثر ما يوجد في السوق أقمشة و"سمانة" محلات لبيع المواد الغذائية وما ينتجه الريف من أصواف وألبان وأجبان وبيض وعسل، واندثرت أسواق كاملة فقد كان هناك سوق كامل للخضار وسوق كامل لبيع اللحوم لم يبق منها إلا محلات قليلة معدودة. وندرت حرف يدوية فيه لأسباب كثيرة منها "اللبابيدي" ومنها "الفرواتي".
وسبب أفول نجم السوق عزاها كل تاجر أو صاحب محل فيه لسبب، أما "الوضع الاقتصادي العام" فهذا السبب الوحيد الذي اتفق الجميع عليه.
"الحاج عبد الجليل راغب الشهابي" يحدثنا عن ذكرياته في هذا السوق: «أنا من مواليد 1930م كنت أعمل مع والدي منذ أن كان عمري عشر سنوات واشتريت محلا مستقلا لنفسي عام 1950م كنا نشتري البضائع الوطنية والمستوردة التي كانت تستورد من "اليابان" والآن تستورد من "الصين" و"الهند" نشتريها من "خان الجمرك" بحلب أكثرها من نوع "الخام" و"الأسود" و"المنيل" و"دق الليرة" هذا النوع الذي ورد في كثير من الأهازيج والأغاني، وكنا نعتمد على البدو من عشائر "الوهب" وغيرها التي تأتينا من "الرصافة" و"تدمر" و"الطبقة" وأهل الريف من "دير حافر" و"منبج" بالإضافة لريف مدينة الباب ولما كثرت المواصلات لتصل بهم إلى أسواق أوسع أو انتشرت أسواق أقرب بالنسبة إليهم خفت الأقدام على هذا السوق».
التاجر "ياسر عبد الله الكرز" يقول: «هناك من ولد بالسوق وأنا منهم، الأسواق أكثر الأماكن ازدحاما كنا نفتح الساعة السادسة والنصف ويتوافد الناس من القرى عند الصباح الباكر بما يحملونه من نتاج حيواناتهم ليبيعوه في السوق ويشترون حاجياتهم يرتبطون بالدوائر الرسمية أو بوسيلة النقل ليقضوا مصالحهم ويكسبون الوقت لإتمام ما عليهم بأكثر من مكان أما الآن فنفتح في العاشرة صباحا أو بعدها والعمل قليل حتى في المواسم التي تبدأ عادة من الشهر الخامس وتتوقف نهائيا في بداية الشهر الأول».
في البداية عزا السبب للأحوال الاقتصادية العامة وما لبث أن باح بأن سبب قفر السوق إلى الاستغلال وسوء التعامل من بعض التجار والزبائن على حد سواء فالتاجر تلاعب بأمانته لمزيد من الربح والزبون تلاعب بوعوده ما أدى إلى انعدام الثقة.
ويضيف: «ما يحز بالنفس أن الكل يعمل منفرداً لا يوجد أي تعاون بيننا سوء الأحوال أدى إلى أن نقف جميعا على أعصابنا على أبسط سبب نختلف ونجعل من السوق مكان للتناحر، وشر الأماكن فقدان الثقة وتلاشي المحبة وبالتالي انعدام البركة».
أما "حمادو أحمد الطالب" فيرى الأمر بشكل آخر: «بعض الناس يكتفون بأرزاقهم اللهم ارزقنا القناعة والرضا. بدأت العمل منذ عام 1976م وارثا المحل عن أبي الذي ورثه بدوره عن جدي ولأنه درس العلوم الشرعية والفقه فقد كان مرجعا دينيا يحتكم إليه أهل السوق وركنا في فض الخلافات كان مثال العالم العامل والتاجر الصدوق ربى أولاده على الصدق والأمانة واحترام الناس يستفيدون منه بالفتوى الشرعية التجارية والحياتية، فمن خلال العمل التجاري تبني علاقات اجتماعية مميزة سواء من الريف أو من المدينة حين تبدأ علاقة محبة بعيدة عن المكاسب وعلى أسس صحيحة ومن الناس مازال يقصد ويسأل عن محل "الشيخ سعيد الطالب" مع أنه توفي منذ عام 1945م نبتاع الأقمشة من "حلب" ونبتاع المنتجات القادمة من "الريف" على اختلاف أنواعها ونبيع المفارش بأنواعها واللحف والأقمشة علاقاتنا الاجتماعية تفرض البيع نقدا أو تقسيطا أو لحين "لوعدة" والبيع والتعامل يفرض ذلك أيضا وسبب انخفاض الدخل بالسوق كما أراه كان سابقا هو المركز الوحيد أما الآن فتعددت الأسواق هناك ما يباع في سوق الخميس أو سوق "الحراج" من بضائع رخيصة ومتنوعة والتاجرات في البيوت وأسباب من ذا القبيل».
رأي المسؤولين
رئيس مجلس مدينة "الباب" المهندس "عبد الله حمد" تحدث عن الأعمال التي ينفذها مجلس المدينة لإحياء السوق بالقول: «عمر السوق موغل بالقدم ولا نملك رسميا ما يدلنا على عمره بدقة كل ما نعرفه ان مشروع سقف السوق كان عام 1960م بدورة رئيس مجلس المدينة آنذاك "جميل أفندي خللو" علاقتنا بالسوق علاقة خدمية فقط ونعامل المحلات فيه تعامل المحلات التجارية وما ينطبق عليها من قوانين فقط نغض النظر عن موضوع اشغالات الرصيف لسببين أحدهما عدم وجود سيارات والثاني قصر نشاط محلاته من الصباح الباكر إلى فترة ما بعد الظهر».
يطمح شاغلو المحال في السوق إلى إيجاد جمعية تعنى بشؤون السوق وتنظر بحاله، كتوحيد المظاهر وتطوير الواجهات (ومنها الأبواب) لتتناسب مع عمرها أو قيمتها الأثرية، إيجاد طرق وحملات لدعم السوق اعلانيا وتفعيله وإظهاره كمركز تجاري مهم، العمل على ترميم "الحمام العتيقة" الواقع ضمنه والوحيد في المدينة لإعادة الاستخدام.