تقول كتب التاريخ أن "حمص" و"حماة" مدينتين جمعهما نهر العاصي بعلاقة تاريخية أزلية، لكن روح الدعابة والنكتة كانت الصبغة الأساسية للعلاقة بين المدينتين، فالحماصنة والحمويين يتبادلون العديد من النكات على بعضهم البعض دون أن يؤثر بالطبع على العلاقة القوية بين أهالي المدينتين المتجاورتين اللتين لا يفصل بينهما سوى حوالي /40/ كم و"جسر الرستن" الذي يعد في منتصف الطريق تقريبا.

موقع eHoms التقى بعد المواطنين في "حمص" لمعرفة طريقة التعاطي مع هذا الموضوع والبداية كانت مع "غسان زيادة" الذي قال: «عملت في مدينة "حماة" لبضعة شهور كنت أسافر يوميا، لكن المضحك أنني قد أصل أحيانا بسرعة أكبر مما لو كان عملي في إحدى ضواحي أو ريف "حمص"، كان الجميع يطالبني بإخبارهم النكات عن الحماصنة لكني كنت بدعابة أقلب البعض منها على الحمويين».

هناك مثل شعبي بحمص يقول صابون ما صنعت والذهب ماتاجرت وحموي ماشاركت ليش خسرت

أما "عبد الخالق" وهو شاب من "حماة" يعمل مندوبا للمبيعات في المدينتين فيقول: «قد يسافر الحماصنة إلى دمشق أكثر من سفرهم إلى حماة، بالنسبة لنا حمص محطة لابد منها عند السفر إلى دمشق، كذلك طقس حمص معتدل أكثر في الصيف لذلك يقصد رفيها الغربي الكثيرون للاصطياف».

الأستاذ "فيصل شيخاني"

ولمعرفة أحوال العلاقة بين المدينتين قديما وحديثا ووجهة نظر "حمص" بالعلاقة، موقعeHoms التقى الباحث التاريخي الحمصي "فيصل شيخاني" الذي قال: «العلاقة بين المدن المتقاربة قوية، كما هي علاقة "حمص" و"حماة" علاقة مودة وتعاون وتآزر للمصلحة العامة، ولكن أحيانا تأخذ العلاقة طابع التنافس أو سوء الفهم مما يتسبب أحيانا بمداعبات، والغريب أن نهر "العاصي" له تأثيرات كبيرة على مدينتي "حمص" و"حماة" فهو لا يربط بينهما فقط بل له تأثيرات كبيرة حتى على المستوى الرسمي».

وأضاف الباحث التاريخي "شيخاني" قائلاً: «إن الخلاف بين المدينتين بدأ زمن الملك المجاهد "شيركو" الثاني الذي كان ينتمي للأسرة "الأسدية"، كان ملكاً على "حمص" ويحبها كثيراً ووسّع سلطانه حتى وصل نفوذه إلى منطقة الفرات، ودافع عن "حمص" وأهلها بكل قوة زمن الحروب. ولكن الطريف أنه كان يوجد بحماة ملك لأبناء الأسرة الأيوبية، فاختلف مع ملك "حمص" عام /650/ هجرية، والسبب أن ملك "حماة" كان يطالب بملكية منطقة الرستن ومنطقة أخرى لصالح "حماة"، مما أغضب الملك "شيركو" الذي قام هو ورجاله بقطع "نهر العاصي" عن طريق سد "بحيرة قطينة" مما تسبب بتوقف المياه لـ"حماة"، ولكن جاء بعد ذلك حسب ما يقول المؤرخين شتاءً قوياً وسيول قوية أزالت السد وأعادت المياه لمجاريها بين "حمص وحماة"».

جراء ذلك خرجت الكثير من المداعبات بين الأهالي في كل من "حمص" و"حماة" وحتى اليوم يهدد الحماصنة مازحين أخوتهم في "حماة" بقطع مياه العاصي عنهم.

وأوضح الباحث "شيخاني" قائلاً: «إن التعاون بين المدينتين كان موجودا خاصة أيام الحروب والكوارث حتى أن أحد النواب الحمويين كان يساعد أيام الحروب كل من يأتي إليه سواء من "حمص" أو "حماة"».

ونفى الباحث الحمصي "شيخاني" وجود أي وثائق رسمية تطالب بضم "حماة" لـ"حمص" أو بالعكس وقال: «كانت المطالبات بشكل شخصي وليس بشكل جماعي مشيرا بأن التزاوج يعد بنسب كبيرة بين الحمصيين والحمويين. كما لابد من الإشارة بأنه كانت تقام أناشيد وأغنيات يقوم بها الحمصيون والحمويون معا».

وختم الباحث "شيخاني" قائلا: «حاليا تعد العلاقة جيدة، وزال الخلاف ولكن تبقى بالنفوس قليلا من النكات البسيطة بين المحافظتين وخاصة الحمصيين المتميزين بروح الدعابة أكثر كما أن للتطور الحاصل بوسائل الإعلام دور في إيقاف هذه المداعبات التي كانت هي التسلية الوحيدة للأهالي».

وروى الباحث "شيخاني" بعض الطرائف والنكات الحاصلة بين الحمصيين والحمويين فقال: «تم وضع حبل يفصل بين منطقتي نهر العاصي، وتقول بعض النكات أن الحمصييون شاهدوا رجلا حمويا يملأ قدرا من الماء في الجهة الخاصة بحمص ويضعها بالجهة الخاصة بحماة مع أن المياه والجريان واحد».

وفي رواية طريفة أيضا يقول: «عُرفَ عن الحمويين إتقانهم لصناعة الناعورة وبمبالغ جيدة، ولكن حمصي أراد أن يبني الناعورة بنفسه فصنعها بشكل جميل، ولكن لم تدور فاضطر الحمصي لاستدعاء الحموي الذي قام بضرب الناعورة فتحركت فخرج وقتها المثل القائل معلم ضربته بألف ولو شلفها شلف . ومئات النكات التي تتحدث عن بيع الساعة الجديدة للحمويين وغيرها»

أما عن الأمثال يقول الأستاذ "شيخاني": «هناك مثل شعبي بحمص يقول صابون ما صنعت والذهب ماتاجرت وحموي ماشاركت ليش خسرت».

تبقى العلاقة بين المدينتين قوية ومستمرة بروح طرافتها حتى أن بعض الأصوات طالبت بتنظيم مهرجانات مشتركة بين "حمص" و"حماة" يجمعهما "العاصي" لعله يعود من أجمل الأنهار.