البداية كانت عندما شدته رائحة الخشب، عندما وصل إلى أعتاب الصف الثالث الإعدادي غافل نفسه وعمل منذ ذلك الوقت على تجميع الخشب الصناعي أو ما يعرف بـ"المعاكس"، كذلك أغصان الأشجار، فكما يقول لم يتخيل شكلاً ما إلا واستطاع تنفيذه من خلال هذه القطع.

موقع eSyria زار الفنان الشاب "صلاح كلول" في محله قرابة منتصف الليل، وهو الذي يساهر نجمات الليل كي يلتقط أنفاس اللحظة ليحولها إلى شكل يكاد ينمو ليحكي قصة هذا الشاب المولع بالأشكال، والعابث بالكلمات.

لا أشعر إطلاقاً بأنني مظلوم في حياتي، بل على العكس من ذلك، لأن الله وهبني هذه المقدرة على صنع الأشياء

بدايةً تحدث عن مرحلة صباه، فقال إنها كانت ملأى بالشقاوة، وأضاف: «يقولون لي أنني مذ كنت طفلاً أحب العبث بالأشياء، وكثيراً ما كان يجذبني القلم إليه، فما كان من والدي إلا التضحية ببعض منها وكذلك الورق لأضع تصاميم لا معنى لها سوى أنها خربشات طفولة».

رائحة الخشب عشقه الأول

ويتابع: «عندما يقع نظري على قطعة خشبية تتحول مباشرة في مخيلتي إلى قطعة ذات أبعاد وتصورات فيها الشيء الجمالي ما يمكن أن يشد إليه الأنظار».

ولهذا فهو يجد في نفسه إنسانا مكرّما، فيقول: «لا أشعر إطلاقاً بأنني مظلوم في حياتي، بل على العكس من ذلك، لأن الله وهبني هذه المقدرة على صنع الأشياء».

من يطلب العلا يسهر الليالي

من هنا نسير في مقولة إن الفقر يولد حالة من الإبداع لدى الكثيرين، غير أنه يرفض هذه المقولة، فيقول: «بالمطلق لا يمكن أن تحدد الحالة الاقتصادية ماهية المرء، فالذين يجدون في الفقر حاجزاً أمام الإبداع إنما هم يهربون، بل أكثر من ذلك يمكن اعتبارها حجة المتقاعس، فالإنسان يمتلك قدرات جبارة ميّزه الله بها إن استثمرها سطع، وإن تكاسل عنها خبا ومر في هذه الدنيا كأي إنسان على وجه هذه الأرض».

من خلال ما تقدم نجد أن لـ"صلاح" طموح التألق، طموح التحدي، وربما من خلالها يحصل على الشهرة، ماذا يخبئ الزمن لهذا الشاب، وما هو الطموح لديه، فيقول: «لو قدّر لي ووجدت تعاوناً لصنعت ما لم يصنعه فنانو إيطاليا، ولكن يداً واحدة غير قادرة على التصفيق، على الورق، وكذلك في مخيلتي تصاميم لمنحوتات تسلب الأبصار، أستطيع أن أقول دون مبالغة، يمكن أن أنقل "روما" إلى سورية، بمعنى آخر استطيع أن أجعل من هذه المدينة لوحة من ضمن معرض اسمه سورية، أريد أن أخلد اسمي في العالم، وسأزرعه في كل بيت».

ربما هو طموح مجنون، لكنه مشروع لشاب يعرف قدراته جيداً، وما المانع من ذلك، ربما باستطاعته فعل الكثير، لهذا فهو يقول: «الشهرة المحلية لا تعني لي شيئاً، لذا أتحدى نفسي مع نفسي، وأعمل بكل ما أملك من قدرة لأسجل اسمي بين فناني العالم بعيداً عن الدراسة الأكاديمية، فدائماً أحلم بصناعة أكبر تمثال على وجه الأرض، أو ربما أصغره».

لكن الواقع يعيده إلينا فيقول: «ما أقوم به اليوم من عمل ليس إلا في سبيل لقمة العيش، ومع هذا ليس لطموحي من حدّ، وغايتي أن أرفع اسم بلدي عالياً هو هاجسي، وأنا أعمل على ذلك».

لكننا اكتشفنا أن "صلاح" يكتب الشعر، أو لنقل الخاطرة التي هي أقرب له من غيرها، فطلبنا منه قطعة أدبية، فجاء الرد على لسانه: «في شفتي علامات، وخلف أذني وجدت معي منذ الولادة، في بعض الأحيان يخيّل إلي أنني كنت نحاتاً في زمن ما لا أعرفه ماهيته بالضبط، وهذا ما يرفضه الكثيرون، لكنه شعور ينتابني باستمرار».

لكنه يجد في الفن التجريدي بعداً عن حقيقة الفن، فيقول: «لا معنى للنحت التجريدي، النحت الكلاسيكي هو الأصعب، وأنا أرى أن لا علاقة للنحت التجريدي بما يسمى الفن، فالتجريد أقرب إلى الفن التشكيلي منه إلى النحت».

وهو إذ يعتبر أن العالم يمكن صياغته بلوحة، يجد أن مدينته "سلمية" هي كليّة فنية، وربما قد تكون أماً للجنون.

أما والده السيد "علاء الدين كلول" فيقول في موهبة ابنه: «لم استطع أن أجعل منه طالباً مجداً، لكنني التمست فيه غرابة في التوجه، ليس لي أن أمنعه، فهو قادر على معرفة ما يمكن أن يقوم به، لكن كل ما أراه من صنعه يوحي بأنه فنان، وأن بإمكانه فعل الكثير».

شذرات من هذا اللقاء على لسانه:

ــ كل قطعة خشب تعادل امرأة.

ــ الإنسان من ماء وهواء وتراب ونار، متى اجتمعت كلها ستجد الخشب.

ــ جميل أن تنحت على الحجر، لكن النحت على الخشب له خاصية متميزة في حياتي.

ــ أرسم الكاريكاتور، وكذلك الرسم بالزيتي.

ــ العمل الجاد هو خلق وابتكار وإبداع ما لم يسبقك إليه أحد.

وختاماً يقول: «يا صمت الكلام أخبرها، رمى الأعمى عصاه عندما رآها، وسمع الأطرش عنها عندما الأخرس ناداها، حتى المتشرد حلم أن يكون مأواها، والأموات تحفر اسمها على جدران القبور، ويركض للبحث عن كل طفل مشلول».

الجدير ذكره أن الفنان "صلاح كلول" من مواليد "سلمية" في العام 1982