لم يكن هناك سوى ذلك الجرن الفخاري وبعض القوالب الخشبية العتيقة وجدتي تعجن بداخله عجينة الحلويات البسيطة التي تصبح جاهزة للتقديم بعد دقائق من البدء في العمل عليها.

الحلويات الشرقية موجودة في كل بيت، لا تحلو الليالي لدى أغلب العائلات إلا بطبق أقراص التمر وعجينة (الغريبة) وبعض الكعك المالح والحلو الشعبي سهل التحضير، هذا عدا عن معمول المكسرات والعوامات المغطسة بماء السكر المغلي، جميع تلك الأنواع ما زالت قريبة منا في كل منزل، ولكن مع تقدم الزمن وسيطرة الإعلام على مجتمعاتنا انحسر الوقت ومعه غابت أغلب مظاهر العادات الشرقية القديمة والتراثية لتكون جلية وبندرة كبيرة قبيل الأعياد والمناسبات الدينية في "اللاذقية".

مربى القرع يباع في جميع محال الحلويات في "اللاذقية" والمحافظات السورية، يصل سعر الكيلو غرام الواحد منه إلى 70 و200 ل.س، فهو مطلوب بكثرة حيث يوصف للمدخنين لتخفيف السعال ولمعالجة العديد من الأمراض التنفسية

تقول "خديجة نداف" لموقع eLatakia: «كثرت محال الحلويات الجاهزة ومعها كثرت أنماط الحلويات الدخيلة على مجتمعاتنا الشعبية والبسيطة، وتعقدت التصرفات بالكثير من القيود وانتهت تلك الأمسيات التي تجلس الأم مع بناتها وكناتها وجاراتها ليحضرن سوية أطباق الحلويات الشعبية لحارة كاملة أو حتى حيّ بأسره، كانت الحلويات الشرقية وطقوس تحضيرها وسيلة مميزة لتعميق الصلات والعلاقات الوطيدة ما بين الأسر والعائلات وحتى المجتمعات».

من احد مصانع الحلويات الشرقية

يقول "مصطفى سيد رصاص" أحد العاملين في صناعة الحلويات الشرقية منذ أكثر من عشرين عاماً: «نعمل على صناعة أغلب الحلويات البسيطة التحضير والسريعة الإنجاز، هي حلويات غير مكلفة كانت تحضرها النسوة سابقاً خلال السهرات والمناسبات والأعياد، أما اليوم فلم تعد موجودة بعد ان تكفلت محلات الحلويات الجاهزة بهذه المهمة، كانت مراسم تحضير تلك الحلويات تشكل أحد أجمل مظاهر الحياة الاجتماعية التي كانت تسود بين الأسر قديماً، حيث كانت تجتمع من أجل التحضير لحلويات العيد وغيرها، أذكر أمثلة التآلف تلك كانت توحي بالكثير من المعاني التي انقرض معظمها هذه الأيام».

أقراص بالعجوة والمعمول بالمكسرات والكرابيج والكعك الحلو والمالح والغريبة المحضرة بالسميد والطحين والسمن العربي وغيرها من أنواع الحلويات الشعبية كانت العماد الأساس لمائدة المعايدة كل عيد، حيث ترى العائلات تتبارى فيما بينها لعرض ما تصنعه أمام ضيوفها، وهنا تتزين الطاولات والأطباق بأنماط واحدة تشبه مثيلاتها لدى كل عائلة ولكن الشكل والذوق هو المحكم الحقيقي في كل مباراة.

مصطفى سيد رصاص

ويروي "سيد رصاص" حكاية الحلويات الشعبية قديماً بقوله: «كانت هناك أفران حجرية قديمة في السابق تستخدم لطهو تلك الحلويات، فما كان على السيدة في البيت إلا أن تحضر الحلويات والباقي كان الفرن يقوم به، ولكن مع مرور الزمن أغلقت الأفران وبعضها الباقي تحول إلى النمط الآلي الحديث، وبالتالي اقتصر صنع تلك الأنماط على الفرن الصغير المتواجد في كل منزل في الآونة الأخيرة، ومع مرور الوقت وتسارع التطورات في المجتمعات المدنية تخلت الأسرة عن تلك الصناعة وفضلت ربة المنزل شراء الحلويات الجاهزة ذات المظهر المغري على السميد الخشن والطحين الكندي والسمن العربي والقوالب الخشبية التي تقرّص العجينة المعدة للحلويات والتي كانت متوفرة لدى كل عائلة بنوعيها الخشبية والبلاستيكية».

أما "يوسف حلاق" ويعمل أيضاً في صناعة الحلويات: «أغلب النسوة وربات البيوت يلجأن هذه الأيام إلى الجاهز من كل شيء سواء أكان الحلويات أو غيرها من المأكولات، النوع الشعبي من الحلويات لم يعد الطلب عليه كما كان في السابق، اليوم نحن ورغم كثر عدد العاملين في مجال الحلويات إلا أننا لا نستطيع سد حاجة السوق في الأعياد والمناسبات من أنواع الحلويات المحضرة والجاهزة أمثال البقلاوة والكعك بأنواعه وغيرها».

كنافة لاذقانية

القرع وصناعة مربياته، هو من الحلويات التي تشتهر عائلة آل "النحاس" المعروفة في محافظة "اللاذقية" بإنتاجه خلال رحلة عمرها أكثر من 100 عام.

يقول السيد "ماهر نحاس" أحد العاملين بصناعة مربى القرع في معمله الواقع بحي "الشيخ ضاهر" القديم: «مربى القرع هو وجبة شعبية قديمة جداً، عمل في صناعتها أجدادي وآبائي، وورثناها وتابعنا العمل فيها لتمتلئ الأسواق في "اللاذقية" وباقي المحافظات السورية بمنتجاتنا من المربى الطبيعي بكل المقاييس دونما تدخل الملونات والحافظات الكيميائية».

وعن الإقبال على هذه الوجبة الشرقية المحلية يتابع بالقول: «مربى القرع يباع في جميع محال الحلويات في "اللاذقية" والمحافظات السورية، يصل سعر الكيلو غرام الواحد منه إلى 70 و200 ل.س، فهو مطلوب بكثرة حيث يوصف للمدخنين لتخفيف السعال ولمعالجة العديد من الأمراض التنفسية».

أما "محمد بيلونة" صاحب أحد محلات الكنافة الشهيرة في المحافظة فقال: «إن الكنافة اللاذقانية ويسميها البعض الجبلاوية هي واحدة من أنواع الحلويات الأكثر انتشاراً في اللاذقية والمناطق التابعة لها وتسعى غالبية العائلات لشرائها أو صنعها منزلياً في مختلف المناسبات الاجتماعية وفي شهر رمضان على وجه الخصوص ودائماً تتصدر موائد الإفطار نظراً لطيب مذاقها وقيمتها الغذائية العالية».

وبالنسبة للجزرية فيقول "بسام طنوس" صاحب أحد المصانع العريقة في صناعة هذه الحلوى: «ما زالت الجزرية حتى اليوم من أشهر أنواع الحلويات التي تشتهر بها اللاذقية وهي من الأصناف التي يصعب تحضيرها منزلياً، ويزداد الإقبال عليها في شهر رمضان المبارك ولا سيما بعد ظهور أنواع جديدة منها تناسب المرضى من أصحاب الحميات الخاصة أو الوزن الزائد».