قليلةٌ هي المشاريع التنموية التي تُنافس بإنتاجها المحلي مشاريع مماثلة لها من خارج المحافظة؛ كذلك من الصعب على هذه المشاريع (إن وجِدَت) غزو السوق المحلي بمنتجاتها وإجباره على الاستغناء عن جلب المنتجات الخارجية لإشباع طلباته المتزايدة، لكن قد نجد مشروعاً هنا أو هناك داخل المحافظة يكونُ بمثابةِ خطوةٍ جادة لتحقيق قفزات نوعية في المستقبل القريب.

مدينة "البوكمال" التي تشتهر بأسواقها المكتظة بالناس والذين يتدفّقون إليها من القرى المجاورة لها؛ شهِدت هذا العام إنشاء أول مدجنة في بلدة "السويعية" لتلبية جزءٍ بسيط من حاجة السوق لمادة الفروج الحي؛ أملاً في طموحاتٍ أوسع وأكبر، ومن أجل معرفة ماهية عمل هذه المدجنة وظروف إنشاءها؛ قمنا بجولةٍ إليها والتقينا صاحبها السيد "جمال المنادي" ليحدثنا عن مشروعه المتواضع قائلاً: «تبلغ مساحة هذه المدجنة نحو /600/ متر مربع وتتسع في الوقت الحالي لعشرة آلاف طير؛ يعتمد عملنا على تربية الصيصان التي نشتريها من خارج المحافظة وهي حديثة التفقيس أي عمرها لا تتجاوز خمس ساعات، حيث تأتينا في سيارات محصنة لا يتسرب إليها أياً من عوامل الجو كالهواء وأشعة الشمس؛ لأنها شديدة الحساسية ولا تستطيع العيش إلا في ظروف مناخية مناسبة، هنا يأتي دورنا في تأمين المناخ والطعام المناسبين لها حتى بلوغها أربعين يوماً يكون قد بلغ وزنها أكثر من كيلو ونصف حيث تُصبح مناسبةً للتسويق وبيعها بسعر الجملة لتجار المُفرق».

سمعتُ بهذه المدجنة الجديدة واعتقدتُ في بادئ الأمر بأن ذلك ربما يساهم في تقليص أسعار الفروج باعتباره من إنتاج محلي؛ لكن بقيت الأسعار مثلما كانت ولم يتغير شيء، لكن إذا ازدادت أعدادها فربما يكون هناك كلامٌ آخر

وبالنسبة لنوع العلف الذي يُطعمه لهذه الصيصان وكيفية الحصول عليه؛ أجاب: «يتكون العلف المُخصّص لهذه الصيصان من زيت صويا وذرة صفراء ونحصل عليه من شركات خاصة بعلف الطيور والحيوانات؛ أما في حالات المرض المفاجئ فنضطر إلى إعطاءها أدوية خاصة بكل حالة مَرَضية يصفها لنا إما الطبيب البيطري أو عن طريق الصيدلية الزراعية، والأمر الذي نعاني منه هو ارتفاع أسعار العلف؛ ما ينعكس سلباً على تكلفة الفروج الواحد حينما يصبح جاهزاً للبيع، إذ تصل كلفته إلى نحو /85/ ليرة سورية عدا عن أجرة نقله وثمن الأدوية».

السيد "جمال المنادي" صاحب المدجنة

أما عن دور هذه المدجنة في إشباع حاجة السوق ومدى تشغيل الأيدي العاملة فيه؛ أجاب: «كما قلت قبل قليل فإن مشروعي لا يتسع لأعداد كبيرة من الطيور وذلك لضيق المساحة، فبحسبةٍ بسيطة نجد أن إنتاج المدجنة كل أربعين يوماً هو عشرة آلاف طير فقط، وهذا العدد قليل جداً إذا ما قارناهُ بالطلب المتزايد للسوق؛ وهنا تكون الاستعانة بمداجنٍ من خارج المحافظة الحل الأمثل، والآن وبعد نجاح هذا المشروع أفكر ببناء مدجنة أخرى تتسع لخمسة عشر ألف طير، وهذا سيتطلب أيدٍ عاملة أكبر من العدد الموجود لدي الآن وهم سبعة أفراد من عائلة واحدة».

أما عن سبب اختياره لهذا المشروع وكيفية تحقيقه، أجاب:

مجموعة من الصيصان عمرها لا يتجاوز عدة أيام

«رأسمال هذا المشروع كله من عرق جبيني؛ فقد سافرت إلى دولة "الكويت" منذ أن كان عمري خمسة عشر عاماً؛ حيث مارستُ حرفة "نجارة الباطون" عند أحد المقيمين هناك؛ وسنةً بعد سنة استطعتُ العمل من حسابي الخاص إلى أن وفرتُ مبلغاً لا بأس به من المال يكفي للقيام بمشروع في بلدتي، وبالفعل بعد عودتي تمكّنتُ من تحقيق حلمي الذي كنتُ أخطّط له قبل سنوات، أما سبب اختياري لهذه الفكرة فلأنني ابن الريف ويسهل عليّ فهم الأمور التي تتعلق بالريف والزراعة والحيوانات، ثم أنني لاحظتُ بأنه من الضروري إنشاء مدجنة في المنطقة نظراً للطلب الكبير على لحم الفروج».

من جانبه أشاد رئيس بلدية "السويعية" السيد "عبد المنوخ" بمثل هذه المشاريع وضرورتها للمنطقة؛ حيث قال: «لو أن كل مُغتربٍ عاد إلى البلدة بفكرة إنشاء مشروعٍ صغير كهذا؛ لما وجدنا عدداً كبيراً من الشبان عاطلين عن العمل، كذلك لوجدنا انتعاشاً واضحاً للبلدة في مختلف مجالات الحياة، فهذا المشروع بالرغم من بساطته إلا أنه قدّم خدمة جليلة لبائعي الفروج ضمن مدينة "البوكمال" وريفها».

الفروج عند بلوغه نحو أربعين يوماً

لكن وبالرغم لما تقدّمه هذه المدجنة من عددٍ لا بأس به من الفروج؛ إلا أن الباعة لم يلتمسوا تغيّراً في اعتمادهم على مداجن المحافظات الأخرى، فالبائع "سليمان الدرويش" قال: «منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أعمل في هذا المحل كبائعٍ للفروج وخلال هذه الفترة لم نحصل على طلبنا إلا من خارج المحافظة، أما المداجن الحديثة في المنطقة فإنها تُموّلُ جزءاً يسيراً من طلب السوق، ومع ذلك فهي تجربة جديدة ناجحة بالرغم من محدوديتها».

أما "كاظم النوار" وهو بائع فروجٍ جوال، فقال: «سمعتُ بهذه المدجنة الجديدة واعتقدتُ في بادئ الأمر بأن ذلك ربما يساهم في تقليص أسعار الفروج باعتباره من إنتاج محلي؛ لكن بقيت الأسعار مثلما كانت ولم يتغير شيء، لكن إذا ازدادت أعدادها فربما يكون هناك كلامٌ آخر».

"عدنان سالم" زبونٌ لأحد محلات بيع الفروج، قال: «كل الظروف تسمح لإقامة مشاريع أكبر من هذا المشروع أيضاً، لكنها تحتاج إلى دراسة مستفيضة لتقدير نسب تحقيق النجاح، أما الشخص الذي قام بإنشاء هذه المدجنة فهو فأظنه إنسانٌ يتمتع بعقلٍ تجاري حتى لو كان مشروعه صغيراً إلا أنها بداية ناجحة ربما تُشجّع أناساً آخرين للقيام بمشروعات أكثر حيوية».