تعددت تسمياتها وألقابها وبُناتها عبر تاريخها الطويل ولكن "حلب" بقيت مدينة عربية بكل جوارحها وذلك منذ نشأتها الأولى في أقدم الأزمنة وحتى أيامنا هذه غير آبهة بكل من حاول طمس معالمها وهويتها التاريخية من غزاة وطامعين وعابرين.
حول اسم مدينة "حلب" منذ نشأتها الأولى يقول الأستاذ "عامر رشيد مبيض" (مؤرخ حلب) لموقع eSyria: «"حلب" مدينة عربية منذ نشأتها الأولى في الألف الخامسة قبل الميلاد وعُرفت بمدينة المعبد /نسبة إلى معبد "حدد"/ وسُميت باسم /"أرمان"/ = رامي الصاعقة وهي إحدى صفات الإله الحلبي "حدد"- إله المطر، ثم عُرفت "حلب" باسمها لأول مرة في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ولم يطرأ على اللفظ تبديل إلا في اللسان غير العربي فقالوا: "هلبابأ" -"هلبو" -"حالبيس" -"خلب" ونقلوا تاريخ "حلب" حسب المدارس الاستشراقية».
لقد احتفظت مدينة "حلب" باسمها هذا منذ أقدم عصورها وإن ورد أحياناً بشكل محرّف مثل: "حلبا"- "حرب"- "خرب"- "خالويو".. ولم يتبدل اسم "حلب" إلا في فترة الحكم السلوقي فقد دعاها السلوقيين اليونانيين باسم "بيروبا" على اسم بلدة في "اليونان" بين عامي 301 -281 ق.م
ويضيف: «أول من لقب "حلب" بالبيضاء هو الطبيب المسيحي البغدادي "ابن بطلان" الذي زار إمارة "حلب" في العام 1048 م حيث قال /إنها بلد مسوّر بالحجر الأبيض فيه ستة أبواب/، أما أول من وصفها بالشهباء وذكر هذه الكلمة فهو "ابن شداد" 1285 م حينما قال /أنها تُلقّب بالشهباء والبيضاء وذلك لبياض أرضها لأنّ غالب أرضها من الحجارة الحوارة وترابها يضرب إلى البياض وإذا أشرف عليها الإنسان ظهرت له بيضاء/، ومن أحياء "حلب" الجميلة والقديمة جداً التي بُنيت فيها قصور ملوك "حلب" الأموريين بحجارة بيضاء "حي البياضة" المجاور للقلعة وذلك في الألف الثانية قبل الميلاد».
أما الباحث الأثري "عبد الله حجار" فيقول لموقعنا: «ذُكرت مدينة "أرمان" و"أرمانوم" /وربما تكون "حلب"/ من قبل الملك "سرغون الأكادي" وحفيده "نرام سن" في القرنين الرابع والعشرين والثالث والعشرين قبل الميلاد، كما ذُكرت في محفوظات مملكة "إيبلا" في العام 2250 قبل الميلاد تحت اسم "خلم" وذُكرت باسمها الحالي "حلب" عندما كانت عاصمة مملكة "يمحاض" العمورية وذلك في محفوظات مملكة "ماري" /"تل الحريري" قرب "البوكمال"/ وفي "ألالاخ" /"تل العطشانة" قرب "إنطاكية"/ وفي "حتوشا" /العاصمة الحثية قرب "أنقرة"/».
ويتابع حديثه بالقول: «بعد وفاة "الاسكندر المكدوني" الذي غزا الشرق في العام 330 قبل الميلاد اقتسم قواده العظام أجزاء إمبراطوريته فيما بينهم فكانت "العراق" و"سورية" بعد حروب ومعارك من حصة القائد "سلوقس نيكاتور" الذي أسس الدولة السلوقية التي دامت من 301 -64 ق.م وكانت عاصمتها إنطاكية التي بناها "سلوقس" على اسم والده "انطيوخس" كما بنى "اللاذقية" على اسم والدته "لاوديسا" أما "حلب" فقد سُميت "بيرويه" في تلك الفترة المكدونية أيام الدولة السلوقية ثم الرومانية فالبيزنطية».
أما الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف "سورية" الشمالية فيقول: «لقد احتفظت مدينة "حلب" باسمها هذا منذ أقدم عصورها وإن ورد أحياناً بشكل محرّف مثل: "حلبا"- "حرب"- "خرب"- "خالويو".. ولم يتبدل اسم "حلب" إلا في فترة الحكم السلوقي فقد دعاها السلوقيين اليونانيين باسم "بيروبا" على اسم بلدة في "اليونان" بين عامي 301 -281 ق.م».
أما في المصادر التاريخية فقد ذُكرت "حلب" بأسماء مختلفة تناقلها المؤرخون في كتبهم التي ألفوها حول هذه المدينة، فالمؤرخ "كمال الدين أبي القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله" المعروف "بابن العديم" 1192 -1262 م فقد ذكر في كتابه /زبدة الحلب من تاريخ "حلب"/ ما يلي: «اسم "حلب" عربي لا شك فيه وكان لقباً لتل قلعتها وإنما عُرف بذلك لأنّ "إبراهيم الخليل"- صلوات الله عليه- كان إذا اشتمل من الأرض المقدسة ينتهي إلى هذا التل فيضع أثقاله ويبث رعاءه إلى "نهر الفرات" وكان مقامه بهذا التل يحبس فيه بعض الرعاء ومعهم الأغنام والمعز والأبقار وكان الضعفاء إذا سمعوا بمقدمه أتوه من وجه من بلاد الشمال فيجتمعون مع من اتبعه من الأرض المقدسة لينالوا من برّه فكان يأمر الرعاء /بحلب/ ما معهم طرفي النهار ويأمر ولده وعبيده باتخاذ الطعام فإذا فرغ له من ذلك أمر بحمله إلى الطرق المختلفة بإزاء التل فيتنادى الضعفاء أنّ "إبراهيم" حَلَبَ فيتبادرون إليه، وذكر بعضهم أنها سُميت "حلب" باسم من بناها وهو "حلب بن المهر بن حيص بن عمليق" /من العمالقة/ وكانوا إخوة ثلاثة "بردعه" و"حمص" و"حلب" أولاد "المهر" فكل منهم بنى مدينة سُميت باسمه».
«وكان اسم "حلب" باليونانية "باروا" وقيل "بيرؤأا"، وقيل إنّ الذي بنى مدينة "حلب" أولاً ملك من ملوك "الموصل" يُقال له "بلوكوس الموصلي"، وذكر "أبو الريحان البيروني" في كتاب /القانون المسعودي/ بُنيت "حلب" في أيام "بلقورس" من ملوك "نينوى"، وقال بعض المؤرخين من المسيحية بأنّ الذي ملك بعد "الاسكندر" هو "بطليموس الأريب" وهو الذي بنى مدينة "حلب" وسماها "أشمونيت" وآخر ما بناه فيها "باب إنطاكية" ورتب فيها ابنته "أشمونيت" وسمى المدينة باسمها».
أما المؤرخ الحلبي الشهير "بالغزي" واسمه الشيخ "كامل أفندي ابن الشيخ حسين الغزي الحلبي" فقد تحدث في كتابه /نهر الذهب في تاريخ "حلب"/ -المطبعة المارونية -"حلب" 1341 هجرية مايلي: «يُقال أنّ هذه المدينة سُميت باسم بانيها الأول وهو "حلب ابن مهر بن خاب"، وقيل سُميت بقول العرب /"إبراهيم" حَلَبَ الشهباء/ حينما كان مقيماً في تل القلعة يحلبُ كل يوم بقرة له شهباء ليوزع لبنها على العرب المخيمين في جواره وهذا الوجه في تسميتها هو المشهور عند أكثر الحلبيين».
ويضيف: «لا صحة لقول من قال بأنّ "اليونان" كانت تسميها "خلبة" بالخاء المعجمة لعدم وجود الحاء المهملة إلا أن تكون كلمة "خلبة" تحريف عن "حلب" ولا يجوز أن يكون اليونانيون أخذوا هذا الاسم عن المصريين الذين كانوا يسمونها "هلبه" على رأي القائل به فإنّ "اليونان" كانوا يسمونها بغير هذا الاسم، وقيل هو "برويا" ومعناه البربري، وفي معجم "ياقوت الحموي" أنّ اسم "حلب" بالسريانية هو "باروّا"».
ويتابع: «قرأت في وريقات تاريخية مطبوعة تنسب إلى حضرة البطريرك "أفرام رحماني الثاني" أنّ المقدونيين لما استولوا على بلاد "سورية" أطلقوا على "حلب" اسم "بَرُوّا" اقتداءً باسم إحدى المدن اليونانية والمفهوم من هذا أنّ كلمة "باروا" -"بَرُوّا" يونانية وليست سريانية كما قال "ياقوت الحموي"».
وأخيراً يقول "الغزي": «الذي أراه في هذه الكلمة /أي "حلب"/ وتطمئن لها نفسي أنها كلمة سريانية محرّفة عن "حلبا" بالألف ومعناها البياض ثم حُذفت ألفها بالاستعمال جرياً على قاعدة المتكلمين باللغة السريانية من أنهم يحذفون الألف في كلامهم ويؤيد أنّ لفظ "حلب" سرياني وجود محلات في المدينة لم تزل تُسمى بأسماء سريانية مثل "بانقوسا" -"بحسيتا"».