قد يبهرنا الحاضر بما يحمله من قيم جديدة يفرضها على مختلف ملامح الحياة يوما بعد يوم، ولكن ورغم ذلك يبقى هناك دوما الحنين للماضي، ماض وإن كنا لم نشهده ولكنه حاضر في مخيلتنا جراء الأحاديث التي ما يزال كبارنا يرددونها في محافلهم وجلساتهم، ولا غرابة في ذلك إذ عرفنا أنه يحتضن كل التفاصيل التي منحتنا الخصوصية والتي أصبحنا بها نعرف ونتميز من الآخرين.
هذا الحوار بين الماضي والحاضر كان مسرحا لظهور بعض التفاصيل واختفاء أخرى في العديد من الظروف والمناسبات في الحياة، وفي معرض هذا الحديث يحق لنا القول بان العرس في حوران شهد العديد من التحولات والتغيرات تحت مسمى التطور ومجاراة الحداثة حتى وصل مرحلة افتقد معها الكثير من الملامح التي تميزه وتمنحه طابعه الخاص فلم يعد ما هو قائم اليوم يشبه ما كان البارحة بشيء، "دزة العريس" واحدة من أهم الملامح والتفاصيل التي عرفها وتميز بها العرس والتي بات يفتقدها في العديد من المناطق من محافظة "درعا" هذا الطقس يحدثنا عنه الباحث "أحمد ناجي المسالمة" الذي التقاه موقعeDaraa بتاريخ 9/2/2010فيقول: «من حيث الترتيب في سير مراسم العرس في "حوران" تكون "دزة العريس" بعد أن تذهب الجاهة لإحضار العروس إلى منزل العريس وغالبا ما يتم ذلك من بيت خالها بزفة كاملة من الرجال والنساء وبعد أن تدخل إلى بيت زوجها تقوم النساء بمراسم عرف أو طقس يسمى "تجلاية العروس" وبعد الانتهاء من مراسم هذا الطقس تؤخذ العروس إلى غرفتها وتجلس منتظرة قدوم العريس، الذي يكون قد وصل مع زفة الرجال وبعد أن يدخل منزله ويصل إلى باب الغرفة التي تتواجد فيها العروس تبدأ مراسم ما يسمى "دزة العريس" حيث يقوم مجموعة من الشباب بإمساكه ويقومون بدفعه بحركات متتابعة إلى الأمام وإلى الخلف مرددين هذه العبارة المصحوبة بلحن معروف "والسايلة خطارة وارماحنا"، وأيضا من الأغاني التي قد تسبق هذا الطقس هذه الأغنية والتي تعكس الحالة التي يكون عليها العريس في مثل هذه اللحظات:
كان العريس وقبل أن تصل العروس إلى المنزل يصعد على "الحنت" وهو الحجر الذي يعلو البوابة الرئيسية للمنزل، وما إن تصل حتى يقوم برش السكاكر أو النقود وسط أجواء من الفرح والغناء، ثم يقدم النقوط لعروسه التي تقوم بلصق قطعة من العجين على الجدار الخارجي مصحوبة ببعض الكلمات وهو أمر يراد منه أن تدوم إقامتها في هذا المنزل، بعدها تدخل العروس هذا المنزل وتستمر مراسم الفرح
"ماني جاسر ماني جاسر/ واخش البيت ماني جاسر"
"حبلا ياسر حبلا ياسر/ عمدان البيت حبلا ياسر"
هذا الغناء أيضا يتم وفق لحن وإيقاع معروفين، ثم وفي الوقت المناسب يقوم مجموعة من الشباب بدفع العريس بقوة إلى داخل غرفة عروسه، وبعد أن يقوم بوضع يده على رأسها يجلس إلى جانبها تاركا لمراسم الفرح أن تستمر ويغلب على هذه الفترة نوع من الغناء والأهازيج المعروف باسم "الفن"، ومن الجدير بالذكر أنه وأثناء تنفيذ "دزة العريس" تجري بعض الحركات المسلية والطريفة والتي كان بعض الشباب أو أحد أصدقاء العريس يقومون بها مع العريس كأن يقوم أحدهم بصفعه أو قرصه أو غيرها من الحركات التي يراد منها أن تحمل الأمل الأماني بأن يكون من يقوم بهذه الحركات هو التالي في الزواج بعد هذا العريس".
وبالعودة إلى "تجلاية العروس" تخبرنا السيدة "عزيزة أبوعرة" فتقول: «بعد أن تزف العروس إلى بيت زوجها وتدخل صحن المنزل تقوم مجموعة من النساء بتجلايتها، ويكون ذلك بأن تضع العروس يديها على جبهتها مشبوكتين بشكل مقلوب بحيث يكون باطن الكفين إلى الخارج ثم تمسك إحدى النساء بالعروس وتقوم بهزها وتقوم النساء الأخريات بترديد الأغنية التالية:
أول ما نبدي/ صلوا عالنبي/ أولها لمحمد/ وتاليها لعلي/ لبست جديد هدوم/ شلحت جديد هدوم/ والدق عالزردوم/ واقلبوا بيدي/ لبست جديد الجوخ/ شلحت جديد الجوخ/ والدق عالزردوم/ واقلبوا بيدي».
وحتى تدخل العروس منزل زوجها لابد للعريس من وقفة على "الحنت" وهو الأمر الذي يحدثنا عنه السيد "إسماعيل الفقير" فيقول: «كان العريس وقبل أن تصل العروس إلى المنزل يصعد على "الحنت" وهو الحجر الذي يعلو البوابة الرئيسية للمنزل، وما إن تصل حتى يقوم برش السكاكر أو النقود وسط أجواء من الفرح والغناء، ثم يقدم النقوط لعروسه التي تقوم بلصق قطعة من العجين على الجدار الخارجي مصحوبة ببعض الكلمات وهو أمر يراد منه أن تدوم إقامتها في هذا المنزل، بعدها تدخل العروس هذا المنزل وتستمر مراسم الفرح».
هذا الحديث يختمه الباحث "أحمد ناجي المسالمة" فيقول: «لقد افتقد العرس في حوران للكثير من ملامحه الأصلية فمن حيث المدة لم يعد العرس كما في الماضي يمتد على مدار سبعة أيام مع نهايتها كان يقال "سبعت العروس"، وطريقة الزفة التي كانت تتم على الفرس هي الأخرى افتقدناها، أيضا سباقات الخيل التي كان يتضمنها العرس وطريقة إعداد العريس الذي كان يؤخذ إلى أقرب بئر أو نبع حيث يغتسل ويرتدي الملابس التقليدية المخصصة لمثل هذه المناسبة والتي أصبحت هي الأخرى في عالم النسيان».