«يعتبر المسرح من أعرق الفنون التي عرفها الإنسان، فالمسرح أبو الفنون، هكذا سموه لأنه يختصر كل الفنون، بل وكل العلوم، فمنذ آدم الأب، والإنسان يكابد من أجل ترسيخ ثقافة التواصل مع الآخر إما بالمبادرة وإما بالتفاعل، لذلك نجد الإنسان مقلداً ومحاكياً، أما نحن في هذه المدينة، كيف يتسنى لنا، ونحن بعيدين عن حواضر المسرح، أن نصوغ مسرحاً يشبهنا من جهة، ويتقاطع مع المسارح الأخرى، من جهة ثانية؟».

هذا ما قاله المخرج المسرحي "المعلا الهويدي" لموقع eRaqqa بتاريخ (30/12/2009)، والذي راح يحدثنا عن بداياته مع المسرح، قائلاً: «منذ نعومة أظفاري، لاحظ الأهل موهبتي بتقليد الشخصيات التي كانت تظهر على شاشة التلفاز، وكم كانت تطربني كلمات الثناء والتشجيع من قبل عائلتي، وفي منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، عندما كنت تلميذاً في الصف الخامس، تم اختياري من قبل لجنة فنية للمشاركة بعرض مسرحي في مهرجان طلائع البعث المقام في محافظة "درعا"، وقد أشرف على تدريبنا آنذاك، الأستاذ "شلاش الحسن"، وكان العمل بعنوان "الساعة"، وكم كانت فرحتنا عظيمة، عندما نال هذا العمل المرتبة الأولى في المهرجان.

برأيي أن المشاركة لمجرد المشاركة، هي نوع من الضحك على اللِّحى، والكذب على الذات، فالأعمال المسرحية التي تستحق أن نشارك فيها، يجب أن تكون مدعومة من قبل الجهات الرسمية المسؤولة، سواء على الصعيد المادي أو المعنوي، وهذا ما نفتقده في مدينة "الرقة"، ولا يخفى على أحد أن أي عمل مسرحي يحتاج إلى نفقات كبيرة حتى يرى النور، وبرأيي أن إهمال هذا الجانب، يعتبر من أهم أسباب تراجع المسرح الرَّقي، في الآونة الأخيرة، فمجموعة من المسرحيين المتحمسين، لن يخلقوا مسرحاً حقيقياً، بدون إمكانات مادية تدعم العمل، وأنا لا أطالب بتخصيص ميزانيات ضخمة للمسرح، لكن على الأقل أن نتساوى مع باقي محافظات القطر، التي تشهد نهضة مسرحية تفوق "الرقة" بأضعاف، وذلك كله بفضل القليل من الدعم المادي للمسرح، ولا أعتقد أن من حق أي شخص أن يلقي اللوم على فناني "الرقة" في ظل هذه المعطيات والظروف، سيما وأن الجميع يعرفون "البير وغطاه"

بعد ذلك انتقلت إلى منظمة شبيبة الثورة، حيث شاركت بعدة أعمال مسرحية، وكان يشرف على تدريب فرقتنا الأستاذ "جمال عبود"، لتأتي بعد ذلك المرحلة الأكثر أهمية، وهي المرحلة الجامعية، عندما كنت طالباً في كلية الحقوق التابعة لجامعة "دمشق"، وكان ذلك في عام

فرقة مسرح عمال الرقة الجديدة في باكورة أعمالها في مهرجان دمشق للمسرح العمالي

/1994/م، حيث تعرفت هناك على عدد من الطلبة المهتمين بالمسرح، لنؤسس سوية فرقة مسرحية خاصة بكلية الحقوق، قدمنا من خلالها العديد من "السكتشات" في حفلات الجامعة، وكنت مخرجاً لجميع هذه العروض».

وعن الأعمال المسرحية التي قام بإخراجها يحدثنا "الهويدي": «فيما يخص الأعمال المسرحية، فقد كان العمل الأول بعنوان "نداء إلى العالم"، وهو يعرض قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وتم تقديمه بالتعاون مع اتحاد طلبة "الرقة"، وعرض في مدينة "الرقة" و"حلب" و"الحسكة"، وقد شاركت بالتمثيل في هذا العرض، علماً أن عدداً من المشاركين في هذا العمل، كانوا يحضرون من مدينة "دمشق"، ويعودون إليها بعد انتهاء العرض.

وفي عام /1997/م، قدمنا عمل بعنوان "الحلم العربي"، والذي كان من العروض التي لاقت استحسان الجمهور والنقاد على حدٍّ سواء، حيث تم عرضه خمس مرات على التوالي، في مدينة "الثورة" و"حلب" و"اللاذقية"، وفي هذا العمل تم تقديم أول تجربة على مستوى المسرح السوري، وهي عبارة عن مشهد يتضمن عملية إعدام شخص أمام الجمهور، بخدعة إخراجية مبتكرة.

ثم قدمت بنفس العام عملين لصالح اتحاد شبيبة الثورة، الأول بعنوان "في بيتنا ضيف أميركي" وهو نص للكاتب التركي "عزيز نيسين"، أعده للمسرح الشاعر المرحوم "عبد اللطيف خطاب"، أما العمل الثاني فهو بعنوان "لا للتطبيع" وهو من تأليف الأستاذ "أحمد رشاد". بعد ذلك وفي عام /1998/م، قدمت عملاً مسرحياً ساخراً، وهو بعنوان "أطباء روسيا في مشافي الرقة"، وفي عام /1999/، قدمت عملاً بعنوان "عام 3029". ومن الممثلين الذين رافقوني في هذه المرحلة، أذكر: "عبد القادر عبود" و"سامر سليمان" و"داهر عبود" و"عبد القادر الحاج" وغيرهم.

توقفت بعد هذه المرحلة عن تقديم أي عمل مسرحي، وذلك لظروف صحية، لأعود بعد ذلك وفي عام /2009/م، من خلال عملي باتحاد العمال، كعضو مجلس اتحاد عمال "الرقة"، حيث عزمت على إحياء المسرح العمالي في "الرقة"، والذي انقطع عن المشاركة في المهرجانات المسرحية منذ عام /1983/ إلى عام /2009/م، أي حوالي /26/ عاماً، فبدأت بدعوة أغلب الكتاب المسرحيين في المحافظة، بالإضافة إلى الممثلين، وأسسنا سوية فرقة جديدة لمسرح عمال "الرقة".

تعتبر مسرحية "يا دنيا" هي باكورة أعمال هذه الفرقة، والنص الذي قدمناه من إعداد وتأليف الفنان "ثائر مشوح" عن نص لـ"تشيخوف"، وتتألف الفرقة من الفنانين: "فواز الجدوع" و"نائل مشوح" و"محمود كعيد" و"شادي زبيدي" و"عمر كعيد" و"فراس رمضان" و"أمل الناصر" و"أحمد الهلال" و"علي علايا"، وقد شاركنا بالعرض في مهرجان المسرح العمالي المركزي في "دمشق"، وكان ذلك بتاريخ (9/12/2009)، وقد لاقى العرض اهتماماً كبيراً من النقاد والإعلام، وتمت تغطيته إعلامياً من قبل أكثر من قناة فضائية».

ولدى سؤال "الهويدي" عن سبب عدم مشاركته في مهرجان "الرقة" المسرحي، الذي يقام سنوياً، أجاب قائلاً: «برأيي أن المشاركة لمجرد المشاركة، هي نوع من الضحك على اللِّحى، والكذب على الذات، فالأعمال المسرحية التي تستحق أن نشارك فيها، يجب أن تكون مدعومة من قبل الجهات الرسمية المسؤولة، سواء على الصعيد المادي أو المعنوي، وهذا ما نفتقده في مدينة "الرقة"، ولا يخفى على أحد أن أي عمل مسرحي يحتاج إلى نفقات كبيرة حتى يرى النور، وبرأيي أن إهمال هذا الجانب، يعتبر من أهم أسباب تراجع المسرح الرَّقي، في الآونة الأخيرة، فمجموعة من المسرحيين المتحمسين، لن يخلقوا مسرحاً حقيقياً، بدون إمكانات مادية تدعم العمل، وأنا لا أطالب بتخصيص ميزانيات ضخمة للمسرح، لكن على الأقل أن نتساوى مع باقي محافظات القطر، التي تشهد نهضة مسرحية تفوق "الرقة" بأضعاف، وذلك كله بفضل القليل من الدعم المادي للمسرح، ولا أعتقد أن من حق أي شخص أن يلقي اللوم على فناني "الرقة" في ظل هذه المعطيات والظروف، سيما وأن الجميع يعرفون "البير وغطاه"».

ويقارن "الهويدي" بين واقع المسرح الرَّقي في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، وبين واقعه اليوم، حيث يقول: «المقارنة سهلة بين المسرحين، فهي تشبه إلى حدٍّ بعيد، المقارنة بين واقع الفن التشكيلي في "الرقة" في تلك الفترة، وبين ما عليه الأمر في أيامنا هذه، فالمتتبع للحركة الفنية في هذا البلد، سيجد أن الخط البياني لهذه الحركة، بدأ ينحدر إلى الأسفل بشكل متسارع، منذ أكثر منذ عقدين من الزمن، والأسباب كثيرة، ولا مجال لذكرها في هذه العجالة، ولعلَّ أهم أسباب تفوق المسرح سابقاً، هو توفر المناخ الثقافي العام، الذي كان يميز تلك المرحلة، فعدد المسرحيين المثقفين في ذلك الوقت، يفوق كثيراً عددهم بعد ذلك، فقلما تجد سابقاً شخصاً يهتم بالمسرح، سواء بالعمل فيه أو متابعته، دون أن يكون قد قرأ لكبار المسرحيين والروائيين في العالم، وهذا ما لا ينطبق على واقعنا هذه الأيام.

وهناك سبب آخر أعزوه للظرف الزمني، الذي اجتمع فيه نخبة من الفنانين المميزين، في مختلف أنواع الفنون الجميلة، الذين كان للعديد منهم بصمات واضحة في الساحة الفنية السورية والعربية. لقد كانت الحركة المسرحية في "الرقة" سابقاً مكتظة بالأعمال المسرحية، أما اليوم فقد تغيرت الأمور، ولم نعد نعرف ذلك الطقس المسرحي الرائع، فالعروض المسرحية ـ إن وجدت ـ فهي شبه سنوية، ولولا مهرجان "الرقة" المسرحي الذي بدأت فعالياته في السنوات الأخيرة، فلا أعتقد أننا سنشاهد عرضاً مسرحياً واحداً.

ومشكلتنا مع المسؤولين عن الثقافة والفنون، أنهم لا يتذكرون الفنان إلا عند "الغارة"، وذلك حفظاً لماء الوجه، سيما عندما تكون "الرقة" راعية لأحد المهرجانات أو الملتقيات».