إنّ بناء أسرة سليمة نفسياً واجتماعياً هو واحد من أهم الأهداف والتطلعات التي ينشدها المجتمع، ولا يمكن الوصول إليها إلاّ بالاستعانة بالعلوم الاجتماعية والنفسية الحديثة والتي تهتم ببناء الفرد في سبيل بناء الأسرة والمجتمع، والعلاقة الزوجية هي ركن أساسي نناقشه اليوم من خلال علم التنمية البشرية.
حيث أقيم لقاء في "دار الأسد للثقافة باللاذقية" مع البروفيسور والباحث العالمي "يحيى عبد الحميد إبراهيم" تناولت العلاقة الزوجية والأخطاء التي يمكن للزوجين أن يقعا فيها.
إنّ التضحية والاستشهاد من أجل الطرف الآخر لا يقوي العلاقة الزوجية بل يسممها بمشاعر الغضب والإحباط والندم، وإذا نظرنا إلى شكل العلاقة الثاني وهو التحكم والتبعية فأقول بأنه إذا أسعدك أن تتحكم بمشاعر الطرف الآخر وتتسلط على أفكاره واحتياجاته فسوف تفقده وإن عشت بين أحضانه، والعلاج ليس بالتحكم والتسيد كما أنّه ليس بالخنوع والخضوع وإنما بالاستقرار والتكافؤ
بدأ البروفيسور "إبراهيم" حديثه بعشرة أسئلة طرحها، وكان من بينها تعريف الخطأ السلوكي حيث يقول: «كان هناك شخص يحاول فتح باب شقته بالمفتاح ولكن لا يستطيع فتحه، فيحاول ويكرر ذلك ولكنه دائماً يفشل، ثم يحاول تبليل المفتاح ببعض اللعاب ويعيد محاولة فتح الباب، ولكنه يفشل، ثم يراه جاره ويحاول مساعدته حتى ينكسر المفتاح ضمن الباب، يا ترى لو فكر هذا الإنسان تجريب مفتاح آخر، هل كان وصل إلى نتيجة؟؟.
في كل واحد منّا دوافع تتحول إلى نوايا، وكل نوايانا تتحول سلوكيات وهذه السلوكيات تتحول إلى أهداف، وكل سلوك لا يحقق الهدف الذي نطمح إليه يتحول إلى سلوك خاطئ، ويكون السلوك غبياً، وأنا هنا أعني السلوك الغبي أو الخطأ الغبي لأنّه لا يوجد إنسان يحمل في دماغه مسارات لو أردنا حصرها برقم لاحتجنا إلى أوراق طباعة كمبيوتر طولها عشرة ونصف مليون كيلو متر ورق، فهذا الإنسان من المستحيل أن يكون غبياً، ولكن عندما لا يحقق سلوكنا الهدف يصبح غبياً، وبتكراره أيضاً يكون غبياً».
** لماذا يقع الإنسان أحياناً في أخطاء غبية؟
كلنا يعلم أن الإنسان هو دليل قدرة الخالق، بما يملكه من إمكانات كبيرة قد تغيّبها أحياناً سلوكيات، هذه السلوكيات يكمل عنها البروفيسور: «هناك أمور كثيرة تجعل الإنسان يقع في الأخطاء الغبية وأولها قصور الإدراك، فطبيعي ألا يعرف الإنسان كل شيء، وهذا ما يجعل وقوعه أحياناً في أخطاء لا يدركها أمراً حتمياً، والأمر الآخر هو استبداد المعتقدات وكلّنا يعلم قصة "سي السيد" ووصية الأم لابنتها كيف تعامل زوجها، ولكنني أريد هنا أن أذكر بأنّ هذه الأم لا تعرف نوعية الزوج الذي سيتقدم لابنتها ورغم ذلك توصيها، والأمر الثالث هو انشغال الوعي عن اللاوعي فنحن دائماً نتحدث في الوعي فننطق النظريات والأمور المفخمة، وعندما نعمل أو نتصرف يكون سلوكنا محكوماً باللاوعي والذي غالباً ما يكون مصنوعاً منذ طفولتنا فإما أن يصنع من نموذج لأبي وكيف كان يعامل أمي أو عكس ما كان يعاملها، ويحدث هذا عندما نكون غير راضين عن تصرفات أهلنا في طفولتنا، وغالباً ما يسيطر الوعي في أحاديثنا أثناء الخطبة، أما اللاوعي فيظهر في الزواج، والأمر الأخير والذي يجعل الإنسان يقع في الخطأ الغبي هو عدم الإنصات إلى الآخر».
** الغاية من الزواج وأشكال التعامل بين أطراف العلاقة الزوجية
قد تسيطر أفكار جاهزة ومقولبة على غايتنا من الزواج وهنا يجهل الكثيرون الغاية من ذلك ويقعون في الأخطاء الغبية: «كثيرون لا يعلمون الغاية من الزواج وعندما يسألون عنها تكون الإجابة الاستخلاف وعمار الأرض، وهنا أريد أن أنوه إلى أنّه لا يوجد شاب يذهب إلى أهله ويقول له أنا أريد أن أتزوج لكي لا ينقرض البشر، فهذه الغاية سنحققها شئنا أم أبينا، فالغاية من الزواج إذا هي أربعة أمور أولها إشباع الرغبة الجنسية وثانيها الشعور بالاستقرار وثالثا العيش في أمان وأخيرها التواصل الروحي بين الزوجين بعيدا عن حدود الزمان والمكان، وكل زواج يحقق ما سبق نسميه زواجا متكافئا، وهناك شكل آخر للعلاقة وهو التبعية كأن يتبع طرف لآخر، ويخضع لرغباته وأهوائه، رغم أنها من الممكن أن تكون جارحة ومضرة، والشكل الأخير هو التحكم والتسيد كأن يستبد طرف بآخر، والشكلين الآخرين غير سويين لأنهما لا يحققان الغاية من الزواج».
** أهم سبعة أخطاء يرتكبها أطراف العلاقة الزوجية
وأخيرا يوصلنا البروفيسور "إبراهيم" إلى خلاصة الأخطاء في العلاقة الزوجية والتي يقول عنها: «نستطيع استنتاج هذه الأخطاء من خلال أشكال علاقة الزوجية غير السوية والتي تبدأ بالتبعية وينتج عنها "إجبار الود" وهذا الخطأ يرتكبه الزوج التابع، وهنا أنصح كل إنسان بأن لا يلحق بأي شخص ليستجدي وده وعطفه لأنك مهما لحقت به لن تصله، والخطأ الثاني هو "توقع قراءة أفكارنا من قبل الطرف الآخر"، وهنا أيضا لا بد من قول حكمة بأنّ لا ينتظر الزوجين من بعضهما حاجات ورغبات على أساس الفهم من غير مصارحة، لأنّ العلاقة من غير جسور تواصل تنقل ما نحتاج هي علاقة فاشلة، ويجب المصارحة بكل ما نحتاج، والثالث هو "لعب دور الشهيد"، كأن يصل أحد الطرفين إلى نتيجة وهي أنه سيكمل المشوار مع الطرف المتبوع لأجل الأولاد أو الاقتناع بأنّ النصيب هو واحد ولا فائدة من محاولة الإصلاح، أما الأخطاء الثلاثة التالية فهي نتيجة العلاقة الزوجية التي تتسم بالتحكم والتبعية، وأولها "افتراض أنك دائما على حق"، وإهمال رأي ووجود الطرف الآخر، وهنا يتسيد اللاوعي في الطرف المستبد وكأنه يحكم على الطرف الآخر بالخضوع لكل ما يملكه الطرف المتحكم من آراء وأفكار، والثاني هو "لعب دور إنقاذ الطرف الآخر"، كأن يكون الطرف المتحكم مستمرا بالعلاقة لأنّه يظن بأن الطرف الثاني لا يستطيع العيش بدونه، والخطأ السادس هو "أن يضمن أحد الأطراف ملكية الطرف الآخر"، فيركض أمامه دون أن ينظر خلفه لأنّه يعلم فقط بأن الآخر يجري حتما وراؤه، ودائما يجب ان نضع في أذهاننا بأنّ من نضمنه في السرير ليس شرطا أن نضمنه في الضمير والعقل والإحساس والمشاعر، والخطأ السابع والأخير هو ناتج عن الخطاء الستة السابقة وهو "ترك المشاعر تموت وتنتقل إلى قنوات اتصال خارجية"، وهنا تبدأ الخطيئة والتي لا يجب أن نتصورها على أنها جنسية فقط فالخطيئة ممكن أن تكون فكرية أو عاطفية أو روحية.»
** تصحيح الأخطاء والوقاية من الوقوع فيها
بعد أن جذب البروفيسور "يحيى إبراهيم" العيون والمشاعر إلى كلماته أهداهم الحلول التالية: «إنّ التضحية والاستشهاد من أجل الطرف الآخر لا يقوي العلاقة الزوجية بل يسممها بمشاعر الغضب والإحباط والندم، وإذا نظرنا إلى شكل العلاقة الثاني وهو التحكم والتبعية فأقول بأنه إذا أسعدك أن تتحكم بمشاعر الطرف الآخر وتتسلط على أفكاره واحتياجاته فسوف تفقده وإن عشت بين أحضانه، والعلاج ليس بالتحكم والتسيد كما أنّه ليس بالخنوع والخضوع وإنما بالاستقرار والتكافؤ».
يذكر أن الباحث العالمي "يحيى عبد الحميد إبراهيم" هو من "مصر" ويحمل دبلوم متقدم في الإدارة العليا من جامعة "هارفورد الأمريكية" وماجستير ودكتوراه فلسفة علوم، وأستاذ بجامعة "أسيوط بمصر" وأستاذ ومشارك متميز في ستة من أكبر وأشهر الجامعات الأمريكية.