«كانت "الرقة" حتى أربعينيات القرن الماضي مدينة معزولة، يفصلها نهر "الفرات" عن باقي المحافظات والمدن، وكان العبور من "الجزيرة"، حيث مدينة "الرقة"، إلى الشامية ومنها إلى باقي محافظات الساحل والداخل، يتم من خلال السفن والطوافات، وكان مربو الثروة الحيوانية يتنقلون بقطعانهم من الجزيرة إلى الشامية وبالعكس بذات الوسيلة التي تقل الناس، واستمر هذا الوضع حتى بناء جسر "الرقة" القديم، أو كما أطلق عليه لاحقاً جسر "المنصور".
لم يقتصر دور جسر "المنصور" على الأعمال الحربية في تسهيل عبور القوات الانكليزية مع قوات فرنسا الحرة في الاتجاهين, بل كان علامة فارقة في حياة "الرقة", إذ سمح لمدينة "الرقة" المعزولة بنهر "الفرات", أن تتواصل مع العالم الخارجي, فتتدفّق منها وإليها الناس والبضائع والثقافة».
تُصمم الجسور عادةً للوصول إلى أهداف محددة، وتحقيق غايات بعينها، وليس تسهيل حركة المرور آخر هذه الغايات، وإن كانت إحدى أبرزها، ولمدينة "الرقة" مع جسورها قصة وحكاية، تبدأ بجسرها القديم، والزمن الطويل الذي قضته في الخدمة، والحاجة إلى تحويله إلى جزء من السياحة الشعبية، والذاكرة الفراتية، والجسر الجديد وحاجته هو الآخر لجسر ثالث يسانده في تقاسم الكثافة المرورية، وجسر "معدان" الذي حلّ مشكلة المنطقة الشرقية من المحافظة، أما في الجهة الغربية منها، فالمسألة مختلفة ومحلولة بوجود سدي "البعث" و"الفرات"
ذكر ذلك الباحث "حمصي فرحان الحمادة"، وهو يتحدث لموقع eRaqqa بتاريخ (30/8/2009)، عن قصة إحداث جسر "الرقة" القديم، والآفاق التي فتحها إنشاء الجسر أمام المدينة وأهلها.
ويضيف "الحمادة" قائلاً: «يعود بناء جسر "الرقة" القديم إلى عام /1942/ حين بنته السلطات البريطانية أثناء دخولها إلى سورية من العراق لقتال القوات الفيشية، ويبلغ طوله نحو /630/متراً، وتشير لوحة الدلالة الموضوعة في أول الجسر، أن هذا الجسر سمي بجسر "غيت"، وصُمّم بثلاثة أيام، وتم بناؤه في أربعة أشهر ويومين، وذلك في أوج الفيضان الربيعي للنهر، وقبل أن يتم بناء سد "الفرات"، وتم تأمين مستلزمات الجسر من المخلفات الصناعية أثناء الحرب العالمية الثانية، وأنابيب النفط.
وافقت الحكومة السورية في عام /1945/ على شراء جسر "الرقة" من الحكومة البريطانية بمبلغ قدره مليون ليرة سورية، وذلك بموجب تفويض من مجلس النواب، وتم ذلك إثر تهديد الحكومة البريطانية بنقل الجسر إلى اليونان بعد تفكيكه، أو نسفه وتحويله إلى أنقاض».
تم إنشاء جسر "الرقة" الجديد ليكون داعماً للجسر القديم، ولاستيعاب الكثافة المرورية التي يشهدها جسر "المنصور"، وعن ذلك تحدث لموقعنا الباحث "محمود النجرس"، قائلاً: «لم يتقاعد جسر "المنصور" حتى حين بنينا جسر "الرشيد" بعد منتصف الستينيات من القرن العشرين الماضي, فقد ظلّ مفتوحاً للسيارات, وخاصة الصغيرة منها, وللمشاة أيضاً, وقد حمل فيما بعد خط المياه الاحتياطي الواصل من مصفاة المياه إلى مدينة "الرقة", مع العلم أن هذا الخط رُكب عكس انقلاب الجسر، مما يؤثر على سلامته، إضافة إلى أنه يشغل حيزاً واسعاً من الجسر، وقد قامت المحافظة خلال العام الفائت بإغلاق الجسر أمام حركة السير مدة جاوزت التسعة أشهر، بسبب وجود انزياحات في بعض قواعده، ولم يفتتح إلا بعد إجراء عمليات ترميم وإصلاح وحقن للجسر بكلفة جاوزت /12/ مليون ليرة سورية.
كان على جسر "المنصور" أن يتقاعد، وينهي عقوداً طويلة من الخدمة، ويتحوّل إلى موقع سياحي يفتح للمشاة فقط, دون السيارات, وقد حاول مجلس المدينة ذات يوم أن يعيد تأهيل الجسر للأغراض السياحية, وقام بتركيب رصيف رخامي بكلفة جاوزت ثلاثة ملايين ونصف ليرة سورية, فلم يكتفِ بإنفاق أموال لا طائل تحتها, بل واستخدمه أيضاً فيما يضر الجسر, فقد أصبح الرصيف ثقلاً يضاف إلى ثقل أنبوب المياه, وعلى الجهات المعنية أن تعي أهمية هذا الجسر, وضرورته السياحية والتاريخية، وأن تبادر إلى إزالة أنبوب المياه من سطحه, وترميمه الدائم, وفتحه للمشاة فقط, وإعادة تأهيله بما يتناسب مع متطلبات السياحة الشعبية».
وعن عدم كفاية الجسر الجديد لاستيعاب الكثافة المرورية النشطة من وإلى مدينة "الرقة"، أضاف الباحث "النجرس"، قائلاً: «مع التوسع المستمر لمدينة "الرقة"، ومع الزيادة السكانية والكثافة المرورية، بات جسر "الرشيد" عاجزاً عن استيعاب حركة المرور المتزايدة إلاّ بصعوبة, فالجسر القديم رغم السماح لمرور السيارات على متنه، فهو لا يقدم الحل المروري المناسب، وذلك أن عبور الآليات على الجسر القديم يقتصر على السيارات السياحية الصغيرة، ويستخدمه الأهالي للأغراض الزراعية، وما عدا ذلك فجسر "الرشيد" يتحمل عبء تسهيل حركة المرور من مدينة "الرقة" وإليها.
وازدادت هذه الصعوبة, بعد استكمال بوابة "تل أبيض" الحدودية مع تركيا, ووصول حركة العبور إلى طاقتها القصوى, وهنا تصبح الحاجة ملحة لبناء جسر ثالث في "الرقة"، يكون رديفاً للجسر الحالي في استيعاب كثافة الحركة المرورية، وتصبح الدعوة لتقاعد جسر "المنصور" دعوة مشروعة ولها ما يبررها.
وحول ضرورة إحداث جسر ثالث على نهر "الفرات"، تحدث السيد "ياسين الرمضان"، عضو مجلس محافظة "الرقة"، قائلاً: «كثُرت مطالبات أهالي "الرقة" بأن تخدّم مدينتهم بجسر ثالث، وبات هذا الجسر المطلب الأكثر تكرراً في جلسات مجلس المحافظة، واللقاءات الجماهيرية وغيرها، وتم مؤخراً التعاقد على دراسة بناء جسر جديد في "الرقة" مع الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية.
وتشير مصادر المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية أن قيمة عقد الدراسة بلغت /20/ مليون و/400/ ألف ليرة سورية، وتتم الدراسة على ثلاث مراحل، وأعطي أمر المباشرة بتاريخ (25/5/2009)، وستقدم الدراسة حلولاً لثلاثة مواقع، ويتم اختيار الموقع المناسب لبناء الجسر خلال المرحلة الأولى من الدراسة والبالغة مدتها /60/ يوماً من أمر المباشرة، وما يشغل بال أهالي "الرقة" أن يتأخر رصد الاعتماد اللازم لإنشاء الجسر بُعيد انتهاء كافة دراساته الفنية والتفصيلية».
وعن إحداث جسر في بلدة "معدان"، يقول المهندس "عبد الله العيسى"، مدير فرع مؤسسة المواصلات الطرقية في "الرقة": «تبعد بلدة "معدان" /70/ كم إلى الشرق من مدينة "الرقة"، وكان سكان المنطقة يحتاجون لعبور النهر فقط باتجاه "الجزيرة"، إلى قطع المسافة إلى "الرقة" ذهاباً وإياباً، أي ما يعادل /140/ كم تقريباً، مع أن المسافة لا تتعدى بضع مئات من الأمتار، فكان جسر "معدان" من المشاريع الحيوية التي تربط منطقة "الجزيرة" بـ"الشامية"، وساهم إنشاؤه في تطوير وإحياء القرى الموجودة عل ضفتي النهر اقتصادياً واجتماعياً، حيث يسهل عملية انتقال المواطنين، ونقل المحاصيل الزراعية، وأدوات الإنتاج، والبضائع والسلع التجارية بين ضفتي النهر، فمعلوم بعد أن تغادر "الرقة" باتجاه الشرق ينعدم وجود جسر يربط الضفتين، لذلك اقتضت الضرورة أن يكون هناك جسراً على نهر "الفرات" في منطقة "معدان"، يربط الجهتين، ويسهل عملية الانتقال والتواصل».
ويختتم السيد "ناصر الخلف" الحديث عن جسور "الرقة": «تُصمم الجسور عادةً للوصول إلى أهداف محددة، وتحقيق غايات بعينها، وليس تسهيل حركة المرور آخر هذه الغايات، وإن كانت إحدى أبرزها، ولمدينة "الرقة" مع جسورها قصة وحكاية، تبدأ بجسرها القديم، والزمن الطويل الذي قضته في الخدمة، والحاجة إلى تحويله إلى جزء من السياحة الشعبية، والذاكرة الفراتية، والجسر الجديد وحاجته هو الآخر لجسر ثالث يسانده في تقاسم الكثافة المرورية، وجسر "معدان" الذي حلّ مشكلة المنطقة الشرقية من المحافظة، أما في الجهة الغربية منها، فالمسألة مختلفة ومحلولة بوجود سدي "البعث" و"الفرات"».