«التنور أحد أهم مظاهر التي تميز مدينة "درعا" وريفها، حيث كانت النسوة قديماً تحضرن الخبز لأفراد العائلة كافة، وكان لكل تجمع من بيوت القرية تنوره الخاص، ولكن هذه الظاهرة اندثرت فترة من الزمن إلى أن عادت، ومع أنها لم تحمل نفس السمات بل عادت وفي طياتها رغبة العزف على وتر الحنين للماضي بين الناس».

هي كلمات السيد "الياس العيد" ابن بلدة "ازرع" الذي التقاه موقع eDaraa بتاريخ 23/5/2009، أثناء جولته لاستطلاع رأي الناس "بالتنور" وذكرياتهم معه.

إضافة للخبز كان يتم تحضير "فطاير" الجبن والكشك واللحم والسبانخ، وبعض النسوة كن يحضرن بعض الحلويات كأقراص العيد والمعمول

فالتنور أو الفرن الأول في نظر البعض، ركن صغير يستخدم لتحويل العجين إلى خبز هذا من الناحية الوظيفية،

السيد "الياس العيد"

أما النظرة العلمية لهذا الركن الصغير فإنها تجعل المرء يقف بكل احترام أمام عبقرية صانع التنور الأول الذي جمع أهم ثلاثة فتوح حضارية عرفتها البشرية حتى الآن في تنوره الأول النار والفخار والقمح.

"أم محمد" صاحبة أحد التنانير المنتشرة في "درعا" تقول: «كانت النسوة قديماً يتجمعن حول التنور بعد أن يحضرن العجين في المنزل ويبدأن بفرده وتقطيعه إلى قطع متوسطة.. وخبزه وشويه داخل التنور، وكانت فترة الخبز هي الفترة الوحيدة التي تجتمع فيها النسوة ليتجاذين أطراف الحديث؛ من أخبار أهل القرية كالخطبة والزواج والمرض والسفر، وهن يلوحن بالرغيف في الهواء ثم يضعنه على "الكارة" (وهي عبارة عن قطعة من اللباد دائرية الشكل ومغطاة بطبقات من القماش خيطت حوافها ويوضع عليها الرغيف ثم يلصق على جدار التنور)، وكن يوزعن الخبز لكل عابر سبيل أو مار بالجوار وتنشق رائحة الخبز، في ظاهرة تدل على كرم أهل البلد».

"أم محمد" تخبز التنور في مهرجان بصرى الدولي

وعن كيفية بناء التنور يقول "الياس" الذي ما زال يحافظ على تنور بيت "أهله" القديم حتى اليوم: «بناء التنور لم يكن سهلاً ويحتاج لمواد خاصة تحتمل الحرارة لكي لا تتشقق وكان بناته يخلطون فيه نوعاً من التربة مع نوع خاص من الحجارة المكعبرة، وتخلط المواد جميعها بالماء ويبنى منها التنور ويوضع تحت السقف بناء من جدارين، وذلك من أجل التهوية مع رصف مصطبة واسعة لرق العجين، وكان الفلاحون يفضلون النباتات العطرية كوقود له مثل الميرمية والريحان والسنديان لأنها تضيف نكهة خاصة للخبز».

وفي نوع آخر من صناعة فرن التنور يقول الباحث "محسن مقداد": «كان سكان بلدة "غصم" يأخذون جرة كبيرة من الفخار تدفن في الأرض إلى الوسط وتحاط بالرمل الأحمر والآجر للحفاظ على الحرارة، بعد أن تكون الجرة كسرت من أسفلها لوضع الحطب وتسخين التنور».

فرن التنور الحديث

وعن أطيب الأكلات التي كان يستخدم التنور في طهوها يقول "حمد الخلف": «إضافة للخبز كان يتم تحضير "فطاير" الجبن والكشك واللحم والسبانخ، وبعض النسوة كن يحضرن بعض الحلويات كأقراص العيد والمعمول».

أما عن ظاهرة انتشار التنانير في وقتنا الحالي فيقول "منير الزايد": «لم تحمل تنانير اليوم، نفس البصمات القديمة في بناء التنور وصناعة الخبز على العكس فقد أصبح التنور جاهزاً من الفخار، إلا أنه بقي يحافظ على نفس طعمة الخبز الأصيل منذ مئات السنين».