«ولد الشعر المحكي من رحم الشعر الموزون، هذا الشعر الذي يحمل في طياته العمودي و"الزجل"، و"النبطي"، و"الموال"، و"المولية"، و"العتابا"، و"القريدي"، و"الهنهونة"، وكل هذه أنماط شعرية لها ضوابط لغوية وهي التراث الحقيقي الذي نفتخر به». رأي أسرّ به "شاعر البادية"، الاسم الذي يحب أن ينادى به، وهو ابن "سلمية" الشاعر "عدنان زعير" المولود فيها في العام 1968.

موقع eSyria التقى بالشاعر يوم الثلاثاء 28/4/2009 وكانت هذه الدردشة التي لم تخلُ من بعض الأشعار ذات الطابع الساخر.

أعمل حالياً مديراً لإذاعة "سورية الغد" في محافظة "حماة" ومديراً لمكاتب ثلاث صحف خاصة منها مجلة "المنبر العربي"، وصحيفة "الحياة الزراعية"، ومجلة "أسرار"، كما وأعمل في المجال الإعلاني من خلال مكتبي المتواضع في محافظة "حماة"

عن بدايته في نظم الشعر المحكي، والذي رأى فيه خطاً يستطيع أن يتميز به عن بقية أترابه من الشعراء، فقال: «نظمت الشعر النبطي والعمودي والزجل من نعومة أظفاري، وزاد من تعلقي بهذا اللون الشعري تواجدي لسنوات خارج حدود الوطن، فرأيت أن حقيبتي ليست سوى كلمات آخذها معي تحمل عبق جدران بيتنا الترابية، وشوارع "سلميتي" التي عشقت بيادرها سابقاً، ومزارعها وزيتونها الذي بات يتسع ليملأ الأرض، فيزيدها ألقاً، وحياة، وخضرة، سافرت كثيراً وحللت في أماكن عدة، وهناك كنت الصوت السوري، من خلال مشاركاتي في العديد من المهرجانات التي كانت تقام في البلاد التي أزورها».

"شاعر البادية" في لقاء تلفزيوني

وهناك حيث كانت مدينة "أبو ظبي" مسكنه لسنوات ثلاث، غامر شاعر البادية، وقدّم نفسه، وعن هذه المرحلة من حياته يقول: «كان لي مساهمات إذاعية كثيرة، ونشاطات شعرية على راديو "أبو ظبي"، وكنت أعد برنامج "كلمات وأغاني" من تقديم المذيعتين "وئام محمد" و"مريم مسعود" كما وكان لي مساهمات شعرية في برامج شعرية كانت تذاع على نفس المحطة، مثل برنامج "ماضينا وحاضرنا" و"نبع من التراث" وبرامج منوعات شعرية تقدم في سهرات الإذاعة، وراديو FM في دولة الإمارات».

وعن تجربته في الإمارات وماذا قدمت له يقول: «في بلاد الاغتراب لا بد لك وأن تبني علاقات تساعدك حيث أنت، ومعروف عن دول الخليج تعلقهم بالشعر النبطي، وهو اللون المحبب إلي، واختلاطي بشعراء الإمارات صقل موهبتي، وكان لي هناك عدد من الشعراء ما زال التواصل بيننا، أذكر منهم "أنور بن حمدان الزعابي"، و"طلال سعيد"، و"حميد السبوسي"، وآخرين كثر».

شاعر البادية "عدنان زعير"

وعن الدور الذي أراد أن يقدمه من خلال شعر نبطي قريب من اللهجات المحكية، في بلاد اشتهرت بهذا اللون، فقال: «استطعت أن أبلور التراث السوري بأطيافه المتعددة،

كما وأنني كنت أشارك في راديو "صوت طهران" القسم العربي الموجه إلى شباب الانتفاضة، فكانت لي مساهمات شعرية ألقيها عبر الأثير من هنا من ربوع البادية السورية، إلى كل طفل يمسك بيده الحجارة دفاعاً عن عروبتنا ومقدساتنا، وكانت لي أيضاً وما زالت مساهمات شعرية في الجماهيرية الليبية، مذ كنت فيها لمدة استمرت خمس سنوات، ومشاركاتي مع شعراء شعبيين وما زلت على تواصل معهم».

في إحدى مشاركاته الشعرية

لكنه وفي لحظة يجد نفسه مغيّباً كشاعر للكلمة المحكية، فتجد أن الألم يعتصره، وعن هذا الألم يقول: «يؤسفني أن يعمم قرار على المراكز الثقافية بمنع الشعر المحكي في المراكز الثقافية، فلماذا تحرم المراكز الثقافية من إلقاء مثل هذه الأنماط التراثية الشعرية. علماً بأننا نرى أغلب الفضائيات في الوطن العربي تبلور على شاشاتها التراث والشعر الخاص بكل منطقة تتبع لها هذه الفضائية أو تلك. فهل يجوز إلقاء هذا النمط في بيوتات الشعر أو في الخيم كما جاء في نص القرار. وأقول أيضاً بأن سورية هي مهد الحضارات، في موروثها الشعبي وفيها اكتشفت الأبجدية الأولى، فلماذا نحرم من تفعيل واستذكار الماضي ومن هو المسؤول».

وبالعودة إلى عمله في المجالين الإعلامي والإعلاني، يقول: «أعمل حالياً مديراً لإذاعة "سورية الغد" في محافظة "حماة" ومديراً لمكاتب ثلاث صحف خاصة منها مجلة "المنبر العربي"، وصحيفة "الحياة الزراعية"، ومجلة "أسرار"، كما وأعمل في المجال الإعلاني من خلال مكتبي المتواضع في محافظة "حماة"».

وعن سبب توجهه لهذا اللون من الشعر يقول: «أنا أكتب الفصيح ولكني اخترت اللهجة التي وجدت نفسي فيها والتي استطعت عبرها أن أكون أكثر تعبيراً ووصولاً لأذن المتلقي من تلك التراكيب المبرمجة حسب هوى كل شاعر يحاول أن يبرز قدراته اللغوية عبر كم من الألفاظ المتداخلة، والخالية من الصور، كما أنني رأيت في القصيدة العمودية ضوابط شعرية تفوق المصطلحات اللغوية، ورأيت فيها كذلك بطولة الآباء والأجداد من خلال الزجليات التي تعبر عن اللحظات التي نعيشها بكل صدق وشفافية، وأرى في أن هذا النوع من الشعر هو الأقدر على توصيف الحالة التراثية عن سواه من بقية الفنون الشعرية المتمدنة. كما أنني أدخلت عليها النمط الشعري الساخر والفكاهي والذي لاقى قبولاً واستحساناً لدى المتلقي».

ويعطينا مثالاً على ذلك مقطع من قصيدة تعكس المفارقة بين الماضي والحاضر، وفيها يقول:

«يا محلا خبز التنور/ بقضوضة سكر مسرور/ وصار البيتزا شو مشهور/ وعش البلبل بالراحة/ يرحم أيامك يا الكيل/ الخابة كانت تسقي جمال/ التلاجة صارت موديل/ وهادي هيي الصراحة/ الخابة والجرة بايدين/ والقفة أم الدانين/ خابة فضة وأم حسين/ الزبدة منها فواحة/ وصرنا نفهم بالأوكي/ وصار الفيزون بيحكي/ نسينا الكسوة والدكة/ وهيك العالم مرتاحة».

ومن قصيدة أخرى نأخذ هذا المقطع، وفيه يقول شاعر البادية: «يالله محيي ضيوف سلمية المغانيم/ ويا حّرة الشوق بملفاكم خداها/ ومن بعد بسم الله الرحمن الرحيم/ أقول سلم الله سلمية وضيفاً لفاها/ بعدّ العدد باسم أهل سلمية أحيي المعازيم/ وميّة هلا بكل خطوة ضيفاً خطاها/ والنار من تحت الدلال تاخد التعاليم/ وعدّد حروفها سلمية واقرا معناها/ اسمها سلمياس بالعصر القديم/ وقاهرة المعز سلمية كان مبداها/ فيها الفطين وفيها الشايب الحكيم/ واسأل عن العوجة من ردها وحماها».

ومن الألوان الزجلية التي كتبها يقول في إحداها: «يا بو علي يا مرتب/ خرجك تقعد ورا مكتب/ وحاجة علينا تتعتب/ وفعلاً إنك سلموني/ صيتك بالضيعة فهمان/ وما بشوفك إلا حمقان/ حط بوجهك هالرحمان/ وإنت رفيقي وعيوني/ لا تحاول تمدح حالك/ ومن غيري امبارح شالك/ لولايي طاح عقالك/ وربعي بسببك لاموني/ لا بتهش ولا بتنش/

بهالدامر منظر بتغش/ مبين عقلك صار يوش/ ربابة وبدا قلفونة».

والجدير بذكره أن شاعر البادية "عدنان زعير" رزق بثلاثة أولاد هم "علي"، و"روان"، و"سوزان"، كما أنه زار العديد من البلدان الإفريقية، والعربية، وكانت له تجارب غنية جداً مع شعراء في الوطن العربي.