عند إحساسك بالجوع، وأردت الذهاب إلى أحد المطاعم، قد تشدك نحو المطعم فخامته أو رقي موقعه أو أنواره الباهرة أو اسمه المميز، وبالطبع جودة طعامه ونظافته، ومن المؤكد تلك هي عناوين قياسية لأي شخص لانتخاب طعامه الجاهز.
أما خيمة "الملك أبو عمار" أسقطت بعض المعايير السابقة وصنعت لنفسها اسماً يعرفه معظم أبناء "حماة"، فمن ناحية "الفخامة" فهي عبارة عن مطعم صغير جداً، يتسع فقط لحوض السمك النهري الذي يصطاده، والثلاجة التي يحفظ بها لحم الدجاج الذي سيشويه، وصالة الطعام عبارة عن زاوية من زوايا الرصيف في شارع "أبي الفداء" المنتهي بـ"القلعة" موجودة منذ ما يزيد عن عقد ونصف من الزمن، وأما جودة الطعام ونظافته لا تستطيع التشكيك بها فأنت تختار السمكة التي تود أكلها ولحم الدجاج يقطع ويشوى أمام عينيك، ويمكنك أن تساعده في هذا المجال، ومن ناحية الجودة فبإمكانك التذوق أو أن تسأل الناس الذين يتناولون طعامهم ولك الحكم بعد ذلك، وأما من ناحية العنوان فالقائمين على الخيمة وهم أربعة رجال تجاوزوا الخمسين من العمر، ويرتدون سترات موحدة ويولون أمرهم لشخص يدعى "الملك" يؤكدون أنهم ليسوا بحاجة إلى اسم لخيمتهم، فالاسم كان موجوداً لكن الزمن أزاله من على الحائط المجاور.
لعل المميز لهذه الخيمة فضلاً عن جودة الطعام هو "روح الدعابة" التي يتمتع بها هؤلاء الكبار بالسن، حيث من النادر أن تصادف أناساً بمثل أعمارهم متفقون إلى هذه الدرجة الكبيرة، فأنت لن تمل حديثهم ولن تتمنى أن ينتهي الشواء حتى لا تنقطع القصص والروايات التي يقصونها على الزبائن، وستصبح صديقاً دائماً للخيمة بمجرد أنك دخلت وتعرفت عليهم
eSyria توجه في تاريخ 3/4/2009 إلى خيمة "الملك أبو عمار" والتقى صاحب هذه الخيمة والمدعو "محمد شعبان" والملقب "الملك أبو عمار" ليحدثنا عن نفسه وخيمته فقال: «أنا من مواليد "حماة" العام (1951)، أب لستة أولاد، كنت أعمل في نجارة الباتون، لكن حبي للصيد دفعني لترك مهنتي، وأنا صياد منذ 35 عاماً، حيث كنت أعيش مما اصطاد وأبيع ما يزيد عن حاجتي، وعندما اندلعت الحرب السورية مع العدو الصهيوني أرسلت إلى الحدود للقتال فأصبت بمشط القدم وأجريت عدة عمليات جراحية لقدمي بلغ عددها (24) عملية لكنني لم أستفد منها في شيء، وأدى ذلك إلى بتر مشط قدمي الأيمن مما زاد وضعي المادي سوءاً، وتم تركيب قدم اصطناعية لي، وأصبحت غير قادر على الصيد بمفردي فتركت الصيد وفتحت من منزلي الصغير غرفة متواضعة علها تعينني قليلاً لتحسين وضعي المادي، والحمد لله عملي هذا أنقذني وأنا أحمد الله سبحانه تعالى على كرمه، فحالي قد تغيرت نحو الأفضل، وأهالي "حماة" كانوا يقبلون للأكل من خيمتي بأعداد كبيرة لذا قررت أن أضم بعض الأصدقاء المقربين مني والذين بقوا إلى جانبي في أصعب حالاتي».
*وعن نوعية الأطعمة التي يقدمها وسر الإقبال الشديد عليها حدثنا: «نحن في الخيمة نقدم جميع أنواع الأسماك النهرية المشوية "كارب" و"ترويت" و"سلور" بالإضافة إلى الدجاج المشوي "أجنحة" و"أفخاذ" و"شيش" و"كباب فروج"، وأنا أصنع "تبله" خاصة بخيمتي أضيفها إلى الأطعمة مما يضفي عليها مذاقاً لذيذاً والتي اعتبرها "سر المصلحة"، بالإضافة إلى أن مطبخي مكشوف أمام أعين المشتري مما يجعله يثق بي، وأنا من أوائل الذين كانوا يشوون "كباب الدجاج" قبل انتشاره في المدينة».
*وعن كونهم كباراً بالسن ويرتدون اللباس نفسه قال: «نحن من العمر ذاته تقريباً،أصدقاء منذ كنا شباباً، والآن أصبحنا كباراً بالعمر ندرك أن اللحظة التي نعيشها لن تعود مجدداً، ونحن نرتدي زياً موحداً عبارة عن سترات كالتي يلبسها الجنود في المعركة "مموهة" لسر أحتفظ به لنفسي لم أطلع عليه سوى أولادي الذين ربما أطلعوكم عليه بعد وفاتي، وقد قمنا بتقسيم الأعمال بيننا، فشخص يشوي وهو أنا، وشخص يختص بالملحقات وهو "أبو علي" وشخص ينظف الأسماك وهو "أبو بلال" وشخص يقطع ويضم السمك والدجاج إلى "الشواية" وهو "أبو أحمد"، ونحن نعمل معاً صيفاً شتاءً».
والسيد "محمد معراوي" زبون دائم للخيمة يأتي بشكل منتظم حدثنا بقوله: «لعل المميز لهذه الخيمة فضلاً عن جودة الطعام هو "روح الدعابة" التي يتمتع بها هؤلاء الكبار بالسن، حيث من النادر أن تصادف أناساً بمثل أعمارهم متفقون إلى هذه الدرجة الكبيرة، فأنت لن تمل حديثهم ولن تتمنى أن ينتهي الشواء حتى لا تنقطع القصص والروايات التي يقصونها على الزبائن، وستصبح صديقاً دائماً للخيمة بمجرد أنك دخلت وتعرفت عليهم».