«"تيري فوكس" كان إنساناً ذا طموح بأن يفعل شيئا ضد مرض السرطان، ولأجل ذلك حاول أن يقطع "كندا" كلها جريا على الأقدام لإيصال رسالته للآخرين، وقد سحر الجميع بشخصيته مما أدى لتجمع الآلاف حوله وأصبح إرثه واسمه مستمرين حتى يومنا هذا، القصة بدأت من "كندا" قبل ربع قرن من الزمان وها هي الآن في "سوريا"». السفير الكندي في "سوريا" السيد "غلين دافيدسون".

"تيري فوكس" كان شاباً في مقتبل العمر، أصيب بمرض السرطان مبكرا فقرر أن يقطع "كندا" رغبة منه في لفت نظر الناس إلى مرض السرطان وأهمية إيجاد علاج ناجع له.

لعل هذا يعطينا فكرة عن توزع المرض وانتشاره في "مدينة حلب"

"تيري فوكس" في /150/ مدينة عالمية...

جهاز المامو غرافي

يقام في كل سنة سباق "تيري فوكس" في كل من مدينتي "دمشق" و"حلب"، ويستقطب هذا السباق العديد من الناس لأهدافه الإنسانية وتجمع لأجل ذلك مبالغ من المال من تبرعات هؤلاء الأشخاص، ولمن لا يعرف فإن هذا المال يعود بمجمله لصالح أبحاث السرطان في "سورية".

وفي محاولة منا لتسليط الضوء على هذا المرض والأبحاث التي تجري بشأنه قام موقع "eSyria" على هامش سباق "تيري فوكس 2008" والذي أقيم في 15/11/2008 بالقيام بتحقيق صحفي حول البرنامج الذي تقوم به "اللجنة العليا لسباق تيري فوكس" في مدينة "حلب" وقمنا بلقاء الشخصيات التي ترعى هذا الموضوع.

تقول السيدة "إدنا شديد" مساعدة القنصل الكندي في مدينة "حلب":

«يعتبر سباق "تيري فوكس" الذي يقام سنويا في مدينة "حلب" واحدا من العديد من السباقات والتي تقام في أكثر من /150/ مدينة مختلفة حول العالم لتوعية الناس من مرض السرطان، وهذا السباق هو السادس الذي يقام في مدينة "حلب"، ولمن لا يعرف فإن ريع هذا السباق يبقى في مدينة "حلب" للقيام بأبحاث السرطان فيه، وقد بدأ أول سباق في العام /2000م/ ومنذ ذلك الحين وعدد المشاركين والمتبرعين في ازدياد مما يدل على ازدياد الوعي في مدينة "حلب" تجاه مرض "السرطان"».

وتتابع بأنه مع تأسيس "اللجنة العليا لسباق تيري فوكس" في العام /2000/ كان هدف هذه اللجنة التوعية من خطورة هذا المرض ولفت نظر المجتمع المحلي للآثار التي يسببها المرض حول العالم.

معدل الإصابة بمرض الثدي في مدينة "حلب" هو سن الـ /35/ عاما فقط!

للوقوف أكثر على وضع الإجراءات التي تمت في مجال التوعية من هذا المرض، التقينا القنصل الفخري لدولة "كندا" في مدينة "حلب" السيد "هشام إسماعيل" والذي اختص موقع "eSyria" بالتصريح التالي:

«في العام /2000/ تشكلت اللجنة العليا لسباق "تيري فوكس" في مدينة "حلب" للفت نظر المجتمع المحلي لخطورة مرض السرطان، وضرورة خلق وعي عند النساء لمحاولة تجنب تأثيره السلبي عليهن وكشفه في مراحله المبكرة خصوصا أن عملية الكشف المبكر تساهم في عملية الشفاء منه بشكل تام فيما لو اكتشف في مراحله الأولى دون خسارة المصابة لأي جزء مهم من جسدها».

«الإحصائيات السابقة في مدينة "حلب" تقول بأن سرطان الثدي يهاجم النساء في سن /35/ على عكس الإحصائيات العالمية والتي تنص بأن السرطان يهاجمهن في سن /44/ في أسوأ المناطق وسن /51/ كمعدل وسطي عالمي. هذا المعدل الخطير دفع بالباحثين في مؤسسة "تيري فوكس" في "كندا" للطلب منا إجراء بحث لمعرفة أسبابه مما سمح لنا باستعمال ريع السباق وعدم تحويله إلى "كندا" كما تقوم بفعله بقية دول العالم التي يتم فيها السباق».

« قامت "اللجنة العليا المنظمة لسباق تيري فوكس" في مدينة "حلب" بالتنسيق مع مؤسسة "تيري فوكس" الكندية بعمل استمارة خاصة تم تزوديها بالمعلومات اللازمة لعمل دراسة إحصائية متكاملة عن مرض سرطان الثدي في مدينة "حلب"، وكان من شروط إجراء الدراسة بشكل ناجح هو شراء جهاز "ماموغرافي" للكشف عن سرطان الثدي إضافة إلى استقدام أطباء واختصاصيين مؤهلين للتعامل مع هذا الجهاز ومع مرض السرطان والقيام بعملية تدريبهم وتأهيلهم. وبعد ذلك تم الاتفاق مع "مديرية التربية" في محافظة "حلب" و"الجمعية السورية لمكافحة السرطان" على أن تقوم الأخيرة بتقديم المقر اللازم لإجراء الفحص المبكر عن سرطان الثدي بينما تقوم مديرية التربية بتأمين معلمات متطوعات للقيام بمتابعتهن في مشروع سيستمر لمدة عشر سنوات».

وأضاف :«إن المقر هو في مركز جمعية مكافحة السرطان قرب "مشفى شيحان" وهو مؤلف من ثلاث غرف وقد تقدمت به الجمعية مشكورة لنا، وقد اخترنا طبيبتين اختصاصيتين بالتعامل مع الجهاز "ماموغراف" وتحليل البيانات والتعاقد مع فنيين لإجراء التصوير، وقد قدمت مديرية التربية /1500/ معلمة من مختلف مدارس الفتيات في المدينة لإجراء الفحص عليهن».

ويتابع: «المشروع بدأ في حزيران -2008 وسيستمر لمدة عشر سنوات وسيقوم المشروع على إجراء الفحص لهؤلاء المعلمات سنويا بشكل مجاني بالكامل مع اختيار أحد الأطباء الاختصاصيين لمتابعة البيانات الخاصة بهن. ويستطيع المركز القيام بذات الشيء بالنسبة للنساء من خارج المركز إلا أنها ستكون الأجور رمزية وذلك في المرحلة القادمة لتغطية نفقات المركز لا غير. وقال بأن المركز سيقوم بجمع معلومات من المرضى تتعلق بنمط حياتهم والأمراض التي أصيبوا بها والوضع الصحي بشكل عام لهم مع تحويل هذه المعلومات إلى مخططات بيانية للمتابعة مع مؤسسة "تيري فوكس" في "كندا"».

«لعل هذا يعطينا فكرة عن توزع المرض وانتشاره في "مدينة حلب"». يضيف السيد "هشام"، ويختم بالقول:

«نأمل استمرار هذا المشروع على فترة السنوات العشر المقررة له والوصول إلى نتائج تفيدنا في معرفة أسباب حدوث السرطان في مدينة "حلب"».

«هذا المشروع هو مشروع رائد "Pioneer Project"»..

في زيارتنا للمركز، التقينا الدكتورة "كندة دويدري" وهي إحدى الطبيبتان المشرفتان على إدارة المركز إضافة إلى الطبيبة الأخرى الدكتورة "وئام قدسي". سألنا د."كندة" عن المركز والغاية منه والخدمات التي يقدمها فأجابت بالقول:

«عندما قمت بعمل العرض التقديمي حول واقع مرض "سرطان الثدي" في "سورية" لم أتوقع أن تتم الموافقة عليه من "كندا" على اعتبار أن ريع كافة سباقات "تيري فوكس" حول العالم تعود حصرا إلى المركز في "كندا"».

«يعتبر هذا المشروع مشروعا رائدا "Pioneer Project" ويعني هذا أن هذا المشروع هو الأول في سورية». تضيف د."كندة".

وتقول: «إن فكرة المشاريع الرائدة حول مرض "سرطان الثدي" بدأت في أوروبا والولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي حيث كان المشروع يطبق في منطقة واحدة من الدولة (باريس مثلا في "فرنسا") لفترة طويلة بغرض معرفة وضع المرض في هذه المنطقة والقيام بعمل جداول إحصائية من أجل البرامج الوطنية لاحقا، وحاليا أدت هذه المشروعات الرائدة إلى قيام برامج وطنية في تلك الدول حيث تقوم مثلا "فرنسا" بفحص السيدات اللواتي يزيد عمرهن عن /40/ عاما مرة كل عامين واللواتي تجاوزن الـ /50/ عاما مرة كل عام بشكل مجاني لكل المواطنات الفرنسيات». تتابع د. "كندة" قائلة.

أما الأهداف التي تحققها مثل هذه المشاريع الرائدة فهي متعدد منها ما يتعلق بتخفيض عدد المصابات بالسرطان: «حيث أدى الفحص المبكر للمرض في "فرنسا" مثلا إلى تخفيض أعداد المصابات بنسبة 45%». وتتابع بالقول بأن: «اكتشاف المرض في مراحل مبكرة يؤدي إلى سهولة استئصاله جراحيا بدون الحاجة لاستئصال كامل الثدي على اعتبار أن الجهاز يقوم باكتشاف الخلايا السرطانية بأحجام تقترب من الميليمتر بعكس طريقة "الجس" التقليدية لتحسس الورم والتي لا تكتشف إلا تلك الخلايا التي حجمها بالسنتيمتر وبناء على هذا يمكن سحب الورم بسهولة بدون استئصال».

وتضيف بأن: «العادة جرت أن يتم تحويل عائدات السباق إلى المنظمة الأم "منظمة تيري فوكس" في "كندا" إلا أن اللجنة المنظمة العليا للسباق في مدينة "حلب" لاحظت ازدياد عدد النساء المصابات بالسرطان ابتداء من سن الخامسة والثلاثين فقررت القيام بالطلب بدراسة هذا الوضع».

«بسبب أن التمويل محدود وهو من ريع سباقات "تيري فوكس" في مدينة "حلب" قررنا انتقاء عينة يمكننا تطبيق الدراسة عليها على اعتبار أن هذه الدراسة ستمتر لفترة طويلة وهي العشر سنوات، فوقع اختيارنا على فئة المعلمات لكونها فئة مثقفة ذات دخل متوسط وتوزع جغرافي يشمل مدينة "حلب" وقمنا بالتنسيق مع "مديرية التربية" على القيام بفحص دوري سنوي لحوالي /1500/ معلمة ممن تجاوز عمرهن /35/ عاماً وذلك لمدة عشر سنوات».

«وقد قمنا حاليا بمعاينة ما يزيد عن /200/ معلمة تم اكتشاف وجود خلايا سرطانية في اثنتان منهن في مراحله المبكرة فقمنا بإزالة هذه الخلايا بسهولة ودون استئصال. ولو تأخر الكشف لعامين إضافيين لكان محتما استئصال الثدي منهما».

وتتابع بأن: «على السيدات ملء استمارة تتضمن العديد من المعلومات تتضمن الاسم ورقم الملف والرقم الوطني للسيدة إضافة إلى الحالة الصحية والوضع العائلي وعدد الأولاد إذا كانت متزوجة ومكان السكان وأنماط الغذاء والأمراض السابقة والأدوية التي يتم تناولها وغيرها الكثير في استمارة مؤلفة من عدة صفحات الهدف منها توليد معلومات ذات طبيعة إحصائية تفيد في معرفة توزع المرض في المدينة».

«تستغرق العملية /40/ دقيقة تبدأ من لحظة دخول المعلمة المركز». تتابع د."كندة" كلامها وتقول بأن هذه العملية تتضمن ملء الاستمارات والفحص السريري وغيرها من الإجراءات.

«في البداية كنا نعاني صعوبة في الاتصال من المعلمات وشرح هدف المشروع والطلب منهن تحديد موعد للمجيء، إلا أن الوضع تحسن وأصبح أفضل وزاد عدد المعلمات المهتمات بالموضوع».

وتقول أن الجهاز يعتمد المعايير الأوروبية وهو ذو حساسية عالية يماثل ما هو موجود في المشافي المتقدمة في أوروبا: «معظم أجهزة "الماموغرافي" الموجودة في "سورية" إما قديمة أو غير حساسة كفاية، ويعتبر جهازنا من الأجهزة المتقدمة للغاية».

وتقول بأن المعلمة المتطوعة تحصل في النهاية على ورقة تبين وضعها بالإضافة إلى ورقة أخرى ملخصة لحالتها تذهب إلى ملف المعلمة في المركز.

«ونود شكر جمعية مكافحة السرطان لتقديمها المركز والمساعدة إضافة إلى الكثير من الدعم مثل تأمين العمليات الجراحية للمرضى المصابين بأسعار مخفضة».

تجربة رائدة تقام في "سورية" للمرة الأولى انطلاقا من مدينة "حلب"، الهدف منها إجراء دراسة وطنية حول مرض السرطان في "سورية" عموما وفي مدينة "حلب" خصوصا. وفي انتظار نتائج تلك الدراسة، نتمنى ديمومة هذا المشروع وندعو كل من له رغبة في دعم هذا المشروع بالمشاركة في السباق الذي سيقام في المستقبل بإذنه تعالى "تيري فوكس 2009".