(الما يعرف الصقر.. يشويه!!)
«لقد كثرت تعاريف المثل وتنوعت، لكنها جميعاً لا تخرج عن أنه قول مأثور، تظهر بلاغته في إيجاز لفظه وإصابة معناه، قيل في مناسبة معينة، وأخذ ليقال في مثل تلك المناسبة، وقد كان إدراك العرب لأهمية الأمثال، سواء كانت فصيحة أم شعبية جلياً وواضحاً، فجموعها وحرصوا عليها، كما يمكن تعريف المثل على أنه جملة مفيدة موجزة متوارثة شفاهة من جيل إلى جيل، وهو جملة محكمة البناء بليغة العبارة، شائعة الاستعمال عند مختلف الطبقات، وإذ يلخّص المثل قصة عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، فقد حظي عند الناس بثقة تامة، فصدقوه لأنه يهتدي في حل مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة بمشكلة قديمة انتهت إلى عِبَر لا تنسى، وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجزة قد تغني عن رواية قصة ما جرى والمثل في قول الفارابي: هو ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه في ما بينهم وقنعوا به في السرّاء والضرّاء، ووصلوا به إلى المطالب القصيّة، وهو أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص، ولذا فالمثل قيمة خلقية مصطلح على قبولها في شعبها، وهو يمر قبل اعتماده وشيوعه في غربال معايير هذا الشعب، وينمّ صراحة أو ضمناً عن هذه المعايير على كل صعيد وفي كل حال يتعاقب عليها الإنسان في حياته، ويعرف "فريدريك زايلر" المثل الشعبي بأنه: عبارة متداولة بين الناس تتصف بالتكامل، ويغلب عليها الطابع التعليمي وتبدو في شكل فني أكثر اتقاناً من أسلوب الحديث العادي»، بهذه المقدمة استهل الباحث "مجمد العزو" حديثه عن الأمثال الشعبية، بتاريخ (12/11/2008) لموقع eRaqqa ولدى سؤال "العزو" عن سبب استعمال "البدو" للصقور في أمثالهم الشعبية، أجاب بقوله: «لقد احتل الصيد جانباً مهماً في حياة البدوي في الماضي، حيث استخدم البدو الصقور المدربة، تدريباً عالياً في اصطياد طائر "الحباري" الذي يمثل وجبة دسمة على موائد البدو، سيما وأن حياة التنقل والترحال، تناسب كثيراً هواية الصيد التي يعشقها البدوي، علماً أن البدو يحترمون كثيراً هذا الطائر، ويعتبرونه سيد الطيور، وذلك لصفاتٍِ فيه، لا يشابهه فيها أي نوع آخر من الطيور، فالصقر عندهم رمزٌ للشجاعة والإقدام والكبرياء، ولا نستغرب عندما نعرف أن اسم "صقر" هو من الأسماء المحببة عند البدو، وكثيراً ما يسمون أبنائهم بهذا الاسم، وبالتالي فإن اهتمامهم الشديد بهذا النوع من الطيور، جعله مألوفاً لديهم، وأصبح جزءاً هاماً في حياتهم، والناس عادة يستخدمون المألوف من الأشياء، في صياغة أشعارهم وأمثالهم».
هناك الكثير من الأمثال الشعبية البدوية، التي ذُكر فيها الصقر، ولعل أهم هذه الأمثال، هو المثل الشهير الذي يقول: «الما يعرف الصقر يشويه
وعن أنواع الصقور، حدثنا "العزو" بقوله: «الصقر الحر لم يحظَ بالدراسة الوافية في يومنا هذا، ومازال الغموض يلف أجزاء كبيرة من حياته وسلالاته وأشكاله وسلوكه وهجرته وطبيعة وقدرته الجسمانية، والعرب هم أول من عرف الصقر الحر، واصطادوه واستخدموه لأغراض الصيد، وتسمية "SAKERFALCON"جاءت من اسمه العربي، أنواعه عديدة جداً ويصعب حصرها وتعدادها وأن المقياس المعتمد للتميز فيما بينها، هو اللون العام للصقر من خلال ريش ظهره وصدره، بالإضافة إلى وجود البقع أو النقاط، أو عدم وجودها، وكذلك لون الرأس ومقدمة الرقبة والصدر، بالنسبة للطول والوزن لا يعتمد عليها ويستوطن الحر، أواسط أوروبا وأسيا والصين، يهاجر في الشتاء جنوباً إلى شمال أفريقيا وشبة الجزيرة العربية، وشمال باكستان والهند وإيران، تتميز الصقور بانعقاف طرف منقارها، ولها أقدام قوية تنتهي بمخالب شديدة الصلابة، ولكل مخلب اسم معين، وهذه بعض أنواعه المنتشرة في الوطن العربي: (الصقر الحر الأبيض والأشقر)، معروف لدى الصقارين بأنه النموذج الحقيقي، والمثالي للصقر الحر، لونه بني فاتح أو أشقر، وتختلف شدة اللون من صقر إلى آخر، الرأس ومقدمة الرقبة والصدر كلها تميل إلى البياض، وتقل فيه النقاط البنية اللون، وكلما كانت بيضاء كان الصقر مفضلاً للصقارين، والحر الأبيض لا يخيب إطلاقاً في مقدرته على الصيد لما يمتلكه من صفات وبنية قوية، وهناك (الصقر الحر الأحمر)، لونه بني داكن وخصوصاً منطقة الظهر، إذ اللون الأحمر غالبٌ عليه وحواف ريش الظهر تكون أفتح لوناً، وأوضح مما لدى الحر الأبيض، والرأس مائلٌ للأحمر، والصدر والبطن، تزداد النقاط البنية لديه، (الصقر الحر الأخضر)، الرأس داكن اللون بوضوح أكثر من السلالتين الماضيتين، والأجزاء العلوية من ظهره مرقطة أو مخططه بلون بني مائل إلى الحمرة، والذيل مخططٌ بشكل واضح، أما أجزاء الصدر والبطن مائلة للبياض، وخصوصاً الجزء العلوي من الصدر ومقدمة الرقبة، حيث يكون لونها أبيض، مصحوباً بترقيط خفيف، وظهرها أغمق لوناً وصدورها وبطونها أفتح لوناً، وهناك أنواع أخرى وهي: (الصقر الحر الأدهم) و(صقر وكر الحرار) و(الصقر الحر الجرودي الجزئي) و(الصقر الحر الجرودي الكامل)».
وعن أهم الأمثال البدوية، التي ورد ذكر الصقر فيها، أجاب "العزو" قائلاً: «هناك الكثير من الأمثال الشعبية البدوية، التي ذُكر فيها الصقر، ولعل أهم هذه الأمثال، هو المثل الشهير الذي يقول: «الما يعرف الصقر يشويه»، ويستخدم هذا المثل عادة، للتعبير عن حالة الشخص الذي لا يعرف قيمة الأشياء، أو الأشخاص، فيسيء التقدير، ولا يحسن التعامل، وتتلخص قصة هذا المثل بالقصة التالية: كان هناك رجل من البدو عنده صقر ثمين جداً، وكان يحبه أكثر من أولاده، لأنه كان مصدر رزقهم الوحيد بعد الله، وذات يومٍ، خرج هذا الرجل للصيد، مصطحباً معه صقره، وقد كان الجو يومها عاصفاً وملبداً بالغيوم، وعندما رأى الرجل طيور "الحباري" تحلق في الجو، أطلق الصقر ليطاردها، إلا أن الصقر بدأ يغيب عن عين صاحبه، حتى اختفى وراء جبل شاهق، وعندما تأخر بالعودة، أحس الرجل بالخوف من فقدان صقره الثمين، فركب حصانه على الفور، وانطلق يبحث عنه في كل مكان، وعندما وصل إلى الجهة الثانية من الجبل الذي غاب خلفه الطير، وجد هناك راعٍ يرعى قطيعاً من الإبل، فسأله أن كان قد شاهد صقره الثمين، فقال له الراعي: لم أرَ صقراً في المنطقة، ولكنني رأيت منذ قليل، طيرين من الحباري، كانا يتعاركان تحت تلك الشجرة، فحملت عصاي وضربتهما حتى ماتا، وهما الآن على النار، ولما وصل الرجل إلى موضع النار، ذُعر من مشاهدة رأس الصقر وريشه، مرميان على الأرض، فصرخ في وجه الراعي قائلاً: أيها الأحمق! ماذا فعلت؟ ألا تعلم أن هذا صقر وليس حباري؟ فقال الراعي: صقر أم حباري، كلاهما سواء، ولابد أنهما سينضجان على هذه النار، فما كان من الرجل إلا أن قال كلمته الشهيرة، (الما يعرف الصقر يشويه)، والتي ذهبت مثلاً حتى يومنا هذا.
وهناك مثل بدوي آخر عن الصقور، وهو يقول : (مثل طير ابن "نبهان")، وهناك من يقول: ( مثل طير ابن "برمان")، وعلى كل حال وإن اختلفت الأسماء فقصة المثل واحدة، ومعناها واحد، وابن "نبهان" رجل عاشقٌ للقنص بالصقور، وذات يوم وجد صقراً صغيراً في الصحراء، فأخذه معه وقام بتربيته وتدريبه على الصيد، راجياً منه الفائدة، فلما شعر ابن "نبهان" أن طيره قد اكتمل تدريبه خرج به إلى الصيد، وهناك رأى طيور الحباري تحلق قريباً في الجو، فأطلق صقره خلفها، لكن الصقر بعد أن حلق عالياً رأى حيةً ضخمة تزحف على الأرض، فانقض عليها وطار بها، إلى أن صار فوق رأس صاحبه، ليتركها تسقط عليه، وكادت الحية أن تنهش ابن "نبهان" لولا أنه تفاداها بسرعة، وصار طير ابن "نبهان" مضرباً للمثل لمن ترجو منه الفائدة ولا يأتيك إلا بالشر، وقد قال أحد شعراء البدو سابقاً: يا طير ابن "نبهان" جبناك حنَّا....يا حاذف الحيّة على راس راعيه».