الحديث عن الماضي والوقوف عند محطات وذكريات لا تنسى من رحلة عمر امتدت (115)عاماً ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، هو ما ميز لقائنا مع المعمر"حمدوش الصطوف" -أبو صطوف- البالغ من العمر (115)عاما في منزله الريفي الكائن في قرية "بسليا"...
الواقعة إلى الغرب من مدينة "ادلب" بنحو (15) كم على مقربة من طريق (إدلب – سلقين)، في ذلك البيت الذي هو أشبه بالحديقة تحدث عن رحلة عمره الطويلة والتي لم تخل من المنغصات والآهات ليقضي الجزء الأكبر منها في رعي الأغنام والعمل الزراعي حيث تنقل بين عدة أماكن بدءاً من "لواء اسكندرون" إلى "صرصرين" الواقعة بالقرب من بلدة "ترمانين" ومن ثم إلى مزرعة "الفاسوق" الواقعة على سفح جبل "الوسطاني" الشرقي وانتهاءً بقرية "بسليا" التي استقر فيها مع أولاده وأحفاده فلدى "أبو صطوف" أربعة أولاد اثنان ذكور ومثلهما إناث وله منهم (78) حفيداً وقد تجمع معظمهم حولنا حتى ظننا أنفسنا في إحدى المدارس وليس في منزل ريفي يطل على مناظر أخاذة في سهل "الروج".
لم يبق من أبناء جيلي سوى شخص في بلدة "ملس" ولكنه أصغر مني بعشر سنين
ولأن "أبو صطوف" لا يزال يتمتع بذاكرة قوية فقد كان يقص علينا معظم الأحداث التي وقعت معه على طول تلك السنين الحافلة بالأحداث والذكريات السعيدة منها أو الحزينة وخاصة وفاة أحد ولديه، ومن ثم زوجته التي عاشت معه السنوات الطوال على (الحلوة والمرة)، وكذلك مغامراته مع (قطاع الطرق).
وعلى الرغم من أنه شبه فاقد لبصره منذ أكثر من سنة إلا أنه لا يزال بإمكانه التعرف على أحفاده الكثر من أصواتهم وهذا دليل أيضاً على قوة ذاكرته التي تأبى أن تشيخ كما هو الجسد. ومما قاله "أبو صطوف" عن ذكرياته لموقع eIdleb بتاريخ 9/9/2008: «في أيامنا كنا نسافر إلى "حلب" بغرض التجارة وشراء الأغراض سيراً على الأقدام وأحياناً كنا نسافر على الدواب ونسير طويلاً عبر الطرق الترابية والجبلية الوعرة خوفاً من قطاع الطرق». ويتابع في سرده بعضاً من تلك القصص التي حصلت معه خلال حياته الطويلة قائلاً:
«لم يبق من أبناء جيلي سوى شخص في بلدة "ملس" ولكنه أصغر مني بعشر سنين». ويتابع "أبو صطوف" -بصوته المبحوح الذي عرفت الأيام طريقها إليه كما فعلت فعلتها بتقاسيم وجهه:
«لقد كنت حتى العام الماضي أستطيع التنقل والمشي لمسافات قصيرة والذهاب إلى السوق في إحدى القرى المجاورة والقيام بزيارة بعض الأصدقاء ومشاركتهم في الأفراح والأعياد وكل المناسبات الأخرى ولكن للعمر حق ولكل شيء نهاية».
ويتضح مما قال أنه بهذا الأمر يختلف جيلهم عن جيلنا اليوم الذي لا يهتم بالعلاقات الاجتماعية والتواصل مع الناس ومع الأهل والأقرباء إلا ما ندر. وحتى يبرهن "أبو صطوف" لنا أنه لا يزال يستطيع الحركة مشى بعض الخطوات متحدياً سنوات عمره وما فعلته به لكنه وقف مضطراً ولم يقدر على المتابعة...
أما ابنه "صطوف" الذي قارب (70) عاماً يتكلم عن والده قائلاً:
«لقد تعلمنا من والدي الكثير من الأشياء في هذه الحياة حيث كان حريصاً أن يعلمنا وينقل لنا كل خبرته من الحياة». وعن يوميات والده يتابع:
«إن الغذاء المحبب لوالده طيلة حياته كان السمن العربي والعسل وكلاهما من إنتاج منزلي وأنه لم يذق أبداً طعم السمن الصناعي وأنه بسبب ذلك ما يزال محافظاً على صحته».
أما حفيده "عثمان" فقال عن جده: «إن حياة جدي أشبه بالكتاب كل سطر فيه يحكي قصصاً وحكايا وحكم وعبر وحقاً كما قالوا في الأمثال أن الذي ليس له كبير ليس له تدبير لأنه طالما وقفنا عاجزين عن حل بعض الأمور لنجد الحل المفيد في النهاية عنده».
وقبل أن نختم حديثنا مع "أبو صطوف" سألناه النصيحة بعد كل هذه السنوات الطويلة والقصص التي عايشها والأحداث التي مرت معه فقال:
«نصيحتي لكم جميعاً وفيها أقول: عليكم بالصدق في القول والعمل ومحبة الناس فإنها تبقي ذكرى المرء الحسنة والطيبة إلى الأبد».