«الفنان الشعبي "إبراهيم الأخرس"، مبدع حقيقي، يتمتع بصوت عذب، كعذوبة الفرات، وصوت أصيل، كأصالة وادي الفرات العظيم بحضارته العريقة، ويتمتع بطبقة صوتية عالية جداً، قلّما نجد مثيلاً لها عند فنان آخر، وأستطيع القول أنه خير من جسّد الأغنية الشعبية في محافظة "الرقة" على آلة الربابة، وهو بحق سفير الأغنية الشعبية الرقاوية الأول إلى سورية والوطن العربي، ولو كان "الأخرس" متعلماً لوصل إلى مصاف المطربين الكبار في الوطن العربي».

هذا ما أوجزه الباحث الدكتور "محمود النجرس" لموقع eRaqqa وهو يتحدث عن مطربنا الشعبي "إبراهيم الأخرس" الذي تجاوزت شهرته المحيط المحلي، ولتتصدر صوره وصور فرقة "الرقة" للفنون الشعبية الصحف والمجلات العربية والعالمية، من خلال مشاركتهم هناك في المهرجانات والحفلات الفنية.

أشعر بأنني لم أصل إلى المكان الذي أريده، رغم الشهرة التي حققتها، والتواصل الكبير مع محبي التراث والأغاني الشعبية الفراتي، وأتمنى أن يوجد جيل من الشباب المتحمس للسماع، والقادر على تمثل الأثر الفني الشعبي، وهذه مهمة شاقة لأن جيل الشباب منصرف إلى أمور أخرى بديلة، أبعدته عن تراثه وأصالته

ولد الفنان "إبراهيم العلو بن حسين" في عام /1954/ في بلدة "كديران" التي تقع على نهر الفرات، إلى الغرب من مدينة "الرقة" بحوالي /30/كم، وهي من أجمل مناطق المحافظة، فهي تجاور بحيرة سد "البعث" التجميعي، التي شكلت لوحة فنية تسر الناظر، مع وجود الكهوف الشهيرة، والحوائج الطبيعية، والمؤهلة لتكون من أهم المواقع السياحية في المحافظة.

اشتهر بلقب والده "الأخرس" الذي رافقه بسبب البكم المصاب به، لذلك خصته والدته بالحصة الكبرى من الكلام، إضافة لتمتعها بصوت جميل، تشترك بعذوبته مع أحد أشقائها، فورث عذوبة الصوت منهما، وعندما كان خاله يغني في الأعراس والأفراح، كان هو ينزوي في نهاية السهرة ماسكاً الربابة، ويحلق بعيداً وهو يقلده مردداً أبيات العتابا والسويحلي والنايل، وألوان الغناء الأخرى، كان ذلك في عام /1969/، وفي الوقت نفسه استهواه صوت المطرب العراقي "جبار عكار"، فتأثر به كثيراً، إلى حد أنه أصبح مثله الأعلى في الغناء الشعبي.

ويقول "الأخرس": «تعلمت الغناء على أنغام المزمار (الزمارة)، وبدأت شخصيتي الفنية تتشكل شيئاً فشيئاً، وأصبحت معروفاً في القرى والبلدات، وامتدت شهرتي إلى مدينة "الرقة"، من خلال مشاركتي بالأعراس والأفراح التي كانت تستمر فيما مضى لمدة /15/ يوماً، حيث يجتمع الشباب والفتيات من القرى للمشاركة بها، وهم يعقدون حلقات الدبكة، بمصاحبة (الزمارة)، وبعد أن تُفرط حلقة الدبكة، تضيق الحفلة، وتنحصر في نطاق الأسرة فقط، فيجتمع أهل الفرح في جلسة عائلية، ويبدأ الغناء بمصاحبة الربابة إلى وقت متأخر من الليل».

ويضيف: «في عام /1984/ أرسل في طلبي الفنان "إسماعيل العجيلي" للمشاركة مع فرقة "الرقة" للفنون الشعبية، في احتفالات مهرجان طلائع البعث القطري، الذي أقيم في "الرقة" في حينه، وقدّمت مع الفرقة وصلة غنائية من التراث الفراتي بمصاحبة آلة "الربابة"، لاقت استحسان وإعجاب الجمهور، ومن يومها وأنا أشارك كأحد أعضاء الفرقة، حيث شاركت بالعمل الغنائي صيد الحباري، و(الأوبريت) الغنائي برج عليا، ثم عرس الغيوم، وليل البوادي، وزرت مع الفرقة دول عديدة منها مصر، وقبرص، والبحرين، والإمارات العربية، والجزائر، وتونس، والكويت، والأردن، ولبنان، وقطر، وعُمان، وألمانيا، وفرنسا... ولاقت الفقرات التي كنت أقدمها إعجاباً شديداً من الجمهور، كما كنت أشكل ثنائياً غنائياً أولاً مع المطربة "ردينة حسن"، ثم مع المطربة "خولة الحسن"، وأبرزت الفقرات التي كنا نقدمها جمالية الغناء الفراتي وعظمته».

ويقول الأخرس بعفوية: «أغني كل ألوان الغناء الفراتي، وأبدع في ألوان النايل والولدة، والموليا التي تشتهر بها "الرقة"، وتتمتع في منطقتنا بخصوصية رائعة، خاصة بمصاحبة الدف، وهي من النوع الثقيل الذي لا يجيده سوى أبناء "الرقة"، لكني أسلطن في لون (اللقاحي)، وأحلّق بعيداً، ومن خلال مشاركتي في المهرجانات المحلية والدولية، أحس أن وقع الأغنية الفراتية كبير جداً على آذان المستمعين».

وعن التراث الشعبي، يقول: «التراث الشعبي الفراتي أساس تراث المنطقة، وهو هويتنا الحضارية المعبرة عن عادتنا وتقاليدنا الاجتماعية، ونستطيع إبراز دوره والمحافظة عليه، وإحياء مظاهره الجميلة من خلال التعاون بين جميع الجهات المعنية من المؤسسات الثقافية، والأشخاص الغيورين المتطوعين، الذين لا يهمهم البروز الشخصي، كما يحتاج إلى عون مادي لرصد أعلامه، ونتاجهم الفني على مر السنين السابقة، وتطويرها بما يتماشى مع روح العصر ومعطياته الثقافية، بملكات إبداعية تتوفر عند الفنانين المجددين، وطموحي ألا يطال التشويه أصالة اللحن، لكن مع إعطاء حركة إضافية له، سيحقق حضوراً جديداً ولافتاً».

ويورد الأخرس بعض الألحان التي استطاع تطويرها، يقول: «قمت بتطوير الأغنية الشعبية التي تقول: (لحقت توصي وتقول/ وانحل زرار الزبون/ يا حسرتي ما تجون/ للقيظ الحنان)، وحولتها من رتم بطيء إلى سريع، مما أضفى عليها طابع السرعة، وأكسبها جمالاً إضافياً، وأيضاً أعطيت سرعة في الإيقاع لأغنية (يا حرام ويا حرام/ رثمة والعقل تمام) وأغنية اللالا، التي تبدأ كلماتها: (عالالا ولالا/ طرقة ورفيعة سلاله/يما شعليها رقبه/ تكتل عشيره بحاله). ويضيف في هذا المجال: يحتاج تطوير موسيقا التراث الشعبي الرقي إلى ملحن متمكن، يستطيع الدخول إلى عمق الأغنية الشعبية بشكل جيد، والمحافظة على الأصل، مع بعض اللمسات الإبداعية، كما حدث مع الملحن الكبير "زكي ناصيف" والملحن الشهير "نوري إسكندر" في مشاركتهم بتلحين أعمال فرقة "الرقة" للفنون الشعبية، كعملي عرس الغيوم الذي لحنه الأول، وبرج عليا الذي لحنه الثاني».

وعن فرقة "الرقة" للفنون الشعبية، يقول: «استطاعت الفرقة أن تؤسس لها مكاناً كبيراً على مدى هذه السنوات الطويلة، وأن تتجاوز شهرتها النطاق العالمي، وقد أبرزت دور الأغنية الفراتية، وأثرها في المجتمع المحلي، وإبراز أدوار الفروسية والبطولة، وأعمال القطاف والحصاد، إضافة للتراث المادي وغير المادي كجلسات السمر، وأزياء المحافظة الشعبية، وتوثيق كل ذلك في أعمال متكاملة لن تمحى بسهولة من ذاكرة الناس».

وينهي "الأخرس" حديثه لموقعنا قائلاً: «أشعر بأنني لم أصل إلى المكان الذي أريده، رغم الشهرة التي حققتها، والتواصل الكبير مع محبي التراث والأغاني الشعبية الفراتي، وأتمنى أن يوجد جيل من الشباب المتحمس للسماع، والقادر على تمثل الأثر الفني الشعبي، وهذه مهمة شاقة لأن جيل الشباب منصرف إلى أمور أخرى بديلة، أبعدته عن تراثه وأصالته».