جولتنا اليوم إلى قصرالعظم في "حماة" الذي يعد من أجمل الأوابد العمرانية في العصر "العثماني"، فهو يقع من مدينة "حماة" في أجمل موقع وأروع مكان أثرياً أو طبيعياً
فهو يشرف على نهر "العاصي" بقبته السامقة، ويجري النهر من تحت أقدامه تشدو عليه النواعير بصوتها العذب ضمن حديقة غناء تمتاز بأنواع وأشكال مختلفة من الأشجار والثمار والأزهار.
فعندما ننظر من نوافذه أو من فوق سطوحه نرى الكثير من مباني "حماه" الأثرية "كالقلعة"، و"جامع النوري"..
وقد تعاقب على بناء هذا القصر ثلاثة من البنائين.... حيث بدأ ببنائه "أسعد باشا العظم" في عام 1153هـ-1740م
ويدل على هذا التاريخ أبيات من الشعر المنقوش على جدران القاعة الكبرى (قاعة الذهب)، كما بنى "أسعد باشا" كل من الأسطبل ومستودع العلف في الطابق الأرضي ورمم "نصوح باشا العظم" القاعة الكبرى سنة 1780م وانقلب هذا القصر من قصر لحكم المتسلم، إلى مكان خاص بالحريم يدعى باللغة التركية "الحرملك".
ثم بنى "نصوح باشا" قسماً ثانياً يقع شمال "الحرملك" ليستقبل فيه الضيفان وشؤون الحكم وسمي بقسم "السلاملك" باللغة التركية وهذا يعني قسم الرجال.
أكمل "مؤيد باشا العظم" عمل "أسعد باشا" في قسم "الحرملك" فبنى في الطبقة الأرضية قبواً ملحقاً بالأسطبل يقع في جنوبه وشيد فوقه جناحاً مناظراً للقاعة الكبرى من الجنوب في الطابق العلوي يتألف من غرف مزخرفة ومنقوشة وكان ذلك في عام 1824م .
في عام 1830م أتم "أحمد مؤيد باشا" تزيين الطابق الأرضي فأنشأ إيواناً بديعاً وفسقية كبرى مثمنة الشكل وعدة غرف تحيط بها.
فضلا عن حمام خاصة بالقصر سميت باسم "حمام المؤيدية" نسبة إلى بانيها.
سكن هذا القصر بعد "أحمد مؤيد باشا العظم" أولاده وأحفاده حتى عام 1920م حيث تحول إلى مدرسة لجمعية دار العلم الأهلية في "حماه" وبعد ذلك تحول إلى متحف في عام 1956م في عهد رئيس الجمهورية "شكري القوتلي".
هذه لمحة تاريخية موجزة عن قصر العظم أو متحف التقاليد الشعبية يقتضي المقام أن نقف ملياً عنده لنتبين عظمة بنائه لكن جولتنا أيضا سمحت لنا بأن نتفيأ ظلاله حيث تربعت في باحة الطابق الأرضي شجرة "المانوليا" وقد أصبح عمرها مئة عام ونيف، كما أننا استمتعنا بسحر زخارفه ونقوشه البديعة المتنقلة بين شعر وورد وأشجار وأنهار.
أما وقد دخلنا إلى المتحف فتطالعنا فرش "الإيوان" وهو من قماش الخام الأبيض المطبوع والذي تتفرد مدينة "حماه" بصنعه بألوانه السوداء والحمراء وفي وسطه منقل ودلة قهوة، ومن ثم في الطابق العلوي توجد غرفتان عرض في الأولى أعمال ريف "حماه" من طحن للحبوب أو غزل للصوف تقوم به فتاتان ترتديان الزي الريفي.
أما الغرفة الثانية فتسمى "بجلوة العروس" حسب اللهجة المحلية والتي تعني أن "الماشطة" التي تقوم بتزيين وتلبيس العروس، تقدم العروس إلى العريس وإلى جوارها أم العروس والكل يرتدي الزي الحموي (الكمينو) للماشطة.
وهو مشغول بزخارف نباتية عملت بالصرمة، هذا فضلاً عن ثوب القز الذي تشتهر به العروس الحموية وهو من حرير أصلي أسود تعمل زخارفه بطريقة ربط عقد صغيرة من القماش وتصبغ بألوان طبيعية من الأحمر والاصفر، وتوضع فوق كل نقطة برقة وخرزة يتوج هذا الثوب ياقة من المخمل الأسود مشغولة بالصرمة على أشكال نباتية وحيوانية محورة عن الواقع.
ومن ثم ننتقل إلى القسم الشمالي من القصر أي "السلاملك" عبر الحمام المؤيدية بأقسامها الثلاث جواني
ووسطاني وبراني فضلاً عن المقصورة الخاصة، وقد توزعت بها تماثيل جصية تمثل عملية الاستحمام ومراحلها إلى أن ينتهي ليضجع خارجها كي يرتاح نميز في سقف هذه الحمام القمريات الزجاجية التي تسمح بمرور النور من خلالها.
أما "السلاملك" وفي الطابق الأرضي تبدو فسحة سماوية في وسطها بركة صغيرة ويحيط بها زخارف متنوعة من الرخام الملون. زخارف أضفت على جمال المكان جمالاً وزادته رونقاً وبهاء، ندخل منها إلى غرفة المطبخ كما كانت تستعمل سابقاً حيث عرضت فيها خزائن زجاجية تتضمن نماذج جميلة متعددة ومتنوعة من الزجاج الشفاف والمغشى والأوبالين أو بورسلان ملون وهي إما مصابيح أو قماقم أو أباريق أو كؤوس.
هذا هو متحف التقاليد الشعبية من "حماه" وهو حالياً غير كامل لأن هناك مشروع لترميم البناء بكامله أي جميع الغرف غير المعروضة فمثلا في الطابق الأرضي من قسم الحرملك توجد غرف ثلاث مع القبوين بحاجة إلى ترميم وإعادة طبقة الكلس المقنب للقبوين والغرف وترميم سقف الغرفة المقابلة للإيوان .
كما أنه لا بد من التوضيح بأن هذه الغرف المعروضة بأقسامها والغرفة الريفية وغرفة العروس كلها بحاجة لتماثيل جديدة إذ إنها وصلت إلى المرحلة التي لا يمكن ترميمها.