السنوات التسع التي قضاها المتنبي في "حلب" / 337 - 346هـ/ كانت ذروة حياته وإنتاجه الشعري وعلاقاته، وكانت، بالتالي، ذروة ما عرفه الشعر العربي من تألّـق وعظمة خلال تاريخه المديد. فالمتنبي قمة الشعر العربي في عصوره المتلاحقة، باتّفاق النقاد ومؤرّخي الأدب، وفترة إقامته في "حلب" قمة عطائه وإبداعه.
في حضرة "سيف الدولة" استطاع أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرما مميزا عن غيره من الشعراء. وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه.
موقع هذه المدرسة شمالي الخان المعروف بخان "خاير بك"، وأمام الخان المعروف بـ"خان الكتّان"، وهي مدرسة صغيرة، وقد كانت أشرفت على الخراب فعمّرها السيد "بهاء الدين بن السيد تقي الدين القدسي" في حدود /1260هـ /… ومن ذلك الحين صار الناس يسمونها بالبهائية ..
منذ فترة وجيزة زارت جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب موقع بيت المتنبي في "حلب" واستمعت إلى دراسة حوله، وتبع ذلك ندوة من خمس جلسات أقامتها كلية الآداب في جامعة "حلب" على مدرج المتنبي تحت عنوان (المتنبي والشعر في "حلب" بين الماضي والحاضر) شارك فيها ما ينوف عن عشرين باحثاً ودارساً من الوطن العربي وجامعة "طهران"، على هامش الندوة التقينا الأستاذ "محمد قجة" ليحدثنا عن قصة اكتشاف بيت المتنبي، من بدايتها، وما التحوّلات التي جرت على بيته منذ ذلك التاريخ حتى الآن ؟ فقال: «تساءلتُ: أين أقام شاعرنا المتنبي في "حلب"، وكيف كانت حياته اليومية فيها؟ ولقد جاءني خيط من الإجابة على تساؤلي في كتاب (بغية الطلب في تاريخ "حلب") لابن العديم، حين تحدث عن قدوم المتنبي إلى "حلب" حيث أقام في خانقاه سعد الدين كمشتكين وهي خانقاه أنشأها سعد الدين كمشتكين قرب دور بني العديم، وكان ملاصقاً للمدرسة الصلاحية من جهة الشرق ، والآن يعرف هذا المكان بـ"القلقاسية». ويقول "راغب الطباخ" في كتابه (أعلام النبلاء…) عن المدرسة مايلي: «موقع هذه المدرسة شمالي الخان المعروف بخان "خاير بك"، وأمام الخان المعروف بـ"خان الكتّان"، وهي مدرسة صغيرة، وقد كانت أشرفت على الخراب فعمّرها السيد "بهاء الدين بن السيد تقي الدين القدسي" في حدود /1260هـ /… ومن ذلك الحين صار الناس يسمونها بالبهائية ..». وهذا مايؤكّده "كامل الغزي" في كتابه (نهر الذهب في تاريخ "حلب") و"محمد أسعد طلس" في كتابه (الآثار الإسلامية والتاريخية في "حلب"). فالمدرسة البهائية القائمة أمام "خان الكتان"، وخلف "خان خاير بك"، تقوم على أنقاض المدرسة "الصلاحية" التي كانت قائمة في منطقة "آل العديم" في حي "سويقة علي" المشهور والذي يضم "خان الوزير".
ويتحدث ابن العديم بوضوح على أن خانقاه سعد الدين كمشتكين قامت على أنقاض دار "أبي الطيب المتنبي" الذي سكن "حلب" بين (948 - 957م) ومن المؤكد أن دار المتنبي كانت ساحتها أكبر من المدرسة البهائية الحالية، ثم دخلت أجزاء من هذه الدار في البناء المجاور وهو خان "خاير بك". لا شك أن تدمير "حلب" أكثر من مرة غيّر شكل البناء والعمارة، ولكنّ الذي يهمنا هو المكان الذي حدّدناه وكانت فيه دار المتنبي. بيت المتنبي إذاً تحوّل إلى خانقاه كمشتكين ثم إلى دار"ابن العديم" فالمدرسة الصلاحية ثم المدرسة البهائية الموجودة حالياً، والآن تحول مكان الدار إلى مركز الإراءة (مركز اللقاء الأسري للأطفال الذين انفصل ذووهم).فما أجمل أن يتم تنفيذ اقتراحات جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب التي زار بعض أعضائها بيت المتنبي واقترحوا تحويله إلى متحف يحمل اسمه، ويزوّد بمكتبة تضم كل ما يتعلّق به، ووضع تمثال له فيه، وإقامة ندوات ومهرجانات عالمية حوله، وتنظيم مسابقة تحمل اسمه. نحلم إذاً أن نحذو حذو الدول التي تهتم بمبدعيها، كما فعل الانكليز بآثار "شكسبير". فلنضم هذا الحلم إلى مجمل أحلامنا راجين أن يتحقّق بعضها وألاّ تحذو هذه المقترحات حذو مصير بيت "الكواكبي" الذي لم يهتم به أحد حتى الآن.