مثلت منطقة حوض النهر الكبير الشمالي موطناً هاماً للجماعات البشرية, التي عاشت في منطقة شرق المتوسط منذ مئات آلاف السنين, وقد تم الاستدلال عليها من خلال اللقى الصوانية, التي عثر عليها على الضفاف القديمة للنهر.
هذه الضفاف تسمى علمياً باسم المصاطب النهرية, أما الآن فهي على شكل تلال ذات قمم مسطحة أفقية, وهي على ارتفاعات قرابة (20- 50-90-130) متر عن سطح البحر, كل ارتفاع يمثل عمر زمني محدد, وهي بساتين مزروعة على الأغلب بأشجار الزيتون, ويصدف أن يعثر بين الحين و الآخر في التربة الزراعية على سطحها على بعض اللقى الصوانية التي كان يستخدمها الإنسان القديم, من أجل قضاء حاجاته اليومية, من صيد, وقطع, وحز.
ليس غريباً أن نصادف على هذه المصاطب عدداً من تلك اللقى التي كان يصنعها الإنسان في ذلك الوقت للحصول على غذائه, وتقطيعه
بعض هذه اللقى عثر عليها نتيجة المسوحات الأثرية التي فامت بها البعثات في العام 1981 ومنذ ذلك الحين مازال الكشف مستمراً حيث يستدل الباحثون الآثاريون والجيولوجيون عليها أثناء جولاتهم الحقلية, مما شكل لنا رغبة في التقصي لمعرفة المزيد عنها فزرنا دائرة اثار محافظة اللاذقية بتاريخ
(11\5\2008)م لتسليط الضوء على هذه اللقى وإمكانية مشاهدة المزيد منها
وعن ذلك يقول الباحث "جمال حيدر" رئيس دائرة آثار اللاذقية:
«ليس غريباً أن نصادف على هذه المصاطب عدداً من تلك اللقى التي كان يصنعها الإنسان في ذلك الوقت للحصول على غذائه, وتقطيعه» ويحدد الباحث مواصفات القطع الصوانية التي من الممكن أن يكون الإنسان القديم استخدمها بعدة عناصر قائلاً:
«لهذه القطع الصوانية قبضة مستديرة, وحدان عاملان, ورأس حاد, والطرق عليها موجه, أي في اتجاه واحد, كما أن بعضها مغطى بـ(الكمخة) بفعل الزمن الطويل, وخاصة من جهة القبضة المستديرة, ويمكن التأكد من هذه اللقى بواسطة عدة طرق, أهمها النظائر المشعة, التي تحدد العمر بشكل دقيق وقطعي».
يذكر الباحث "حيدر" أهم المواقع التي عثر فيها على مثل هذه اللقى مثل: (ست مرخو, الشير, الهنادي, الخلالة) مؤكداً أن اللقى التي عثر عليها في "ست مرخو", تؤكد على أن منطقة شرق المتوسط هي أول منطقة استقر فيها الإنسان بعد إفريقيا, ولكن الهام في الأمر أن الحياة استمرت على هذه الأرض منذ ذلك الحين وحتى الآن دون انقطاع, بسبب ظروف الحياة الملائمة للعيش, من مناخ, وطبيعة, وغذاء, ويذكر في كتابه (اللاذقية وأهم المعالم الأثرية) كيف تحولت الحياة في اوغاريت من مرحلة الصيد إلى مرحلة الاستقرار, والزراعة, نتيجة ما قدمته البيئة من شروط تناسب الاستقرار.
أما عن الكهوف التي من الممكن أن يكون الإنسان القديم قد قطنها فهي غير معروفة حتى الآن, على الرغم من أن البيئة تقدم بعض العناصر التي من الممكن أن يكون الإنسان القديم قد استفاد منها في ذلك الوقت.
يقول الباحث الجيولوجي "صفوان داوود":
«يعتبر هذا الموضوع, من أهم المواضيع المتعقلة بدراسة التطور الثقافي, والتقني للإنسان القديم, وتأتي أهميتها في المحور الأثري, من حيث أن الكهوف هي موطن للعديد من الثقافات الحجرية, وتحمل سوياتها الرسوبية دلائل بيئية, وثقافية لمناطق انتشارها. ونعتقد أن القسم الأوسط من مجرى النهر الكبير الشمالي, ابتداء من قرية البهلولية, هام من هذه الناحية حيث تتميز توضعات "البليوسين", ابتداءً من خط البهلولية – الحفة, باحتوائها على بلوكات من الحجر الكلسي النموليتي.
بينما نلاحظ في الجانب الغربي من مجرى النهر انتشار "للكونغلوميرا" والحجر الرملي, وفي تلك المنطقة تتشكل طبوغرافيا جروف وقمم جبلية, يفترض قد تكون شكلت مأوى مناسب لإنسان الكهوف, وتبلغ السماكة العظمى لتوضعات البليوسين حوالي 460 م, من مركز الحوض, وتتناقص باتجاه الأطراف, أيضاً هناك توضعات المعقد "الافيوليتي" القاسية بعض الشيء, حيث تتواجد المغاور التي لم تدرس بعد.
حوض نهر الكبير الشمالي لم يدرس بعد بشكل مركز, على الرغم من وجود إشارات كبيرة, تدل على الغنى بهذه الحضارة, ومع أن المنطقة قد شملت بالمسح الآثاري في الثمانينات من القرن الماضي, إلا أن ضرورة حضور بعثات آثارية تحوي دارسين جيولوجيين, تبدوا ملحة لكشف أسرار هذه المنطقة الموغلة في القدم.