يدخل المكان بصمت، لكنه يلفت انتباه جميع الحاضرين، يعمل دون مساعدة أحد لكنه يبدع بمهنته، يبتسم ويلقي التحية على كل الأصدقاء كما الزملاء البعيدين، لكن عند العمل ينسى كل من حوله.
يستشيره الكثيرون حول كل قضية صغيرة أو كبيرة في عمله التقني، تلفته اللقطة المليئة بالكلام دون سطور أو كلمات ملقاة، ويعمل صباحاً ومساءً كما قد يتخلل ليله مهمة دون سابق إنذار.. «إبراهيم راكاج» مصور مبدع للتلفزيون في المركز الإذاعي والتلفزيوني باللاذقية ينحت صورته من عرق جبينه.
إبراهيم راكاج تحدث عن مهنته قائلاً: "إن مهنة التصوير لها فنها ومكانتها في كافة وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وبكثير من المعاناة المحببة، وبكثير من الوعي والبطء أحصل على صورة لها دلالاتها، فالصورة الملتقطة من قلب الحدث تساهم بكثير من الإيجابية في الحلول، وبالتالي فإنها عنصر كشف لا متناهي الحدود.
وأضاف راكاج: "منذ طفولتي كانت الكاميرا تستهويني وتثير تساؤلاتٍ كثيرة في ذهني، ولرغبتي في معرفة طريقة عملها كنت أذهب إلى ساحة البلدية قديماً، حيث كان يعمل أكثر المصورين فيها، لأقف متفرجاً على طريقة عملهم، وكنت في أكثر الأوقات أتفرج عليهم وهم يقومون بغطس كرت الصورة بعدّة أحواض حتى تظهر، ثم يقومون بنشرها على حبل كي تجف، وكانت أصابعهم سوداء وبنية متشققة من أحماض الطبع، والصور كانت بالأبيض والأسود، ولأن الكاميرا هي مجموعة عدسات كان فضولي يدفعني لشراء مناظير لأفككها بغية الحصول على عدساتها التي تنقلب الصورة في محارقها والتي كثيراً ما حرقت أصابعي فيها.
وأثناء دخولي المرحلة الإعدادية من دراستي حصلت على معلومات كثيرة من مادة الفيزياء في قسم العدسات لأنتج أول ما صنعته وهو عبارة عن جهاز إسقاط للصورة على الحائط، وفي المرحلة الثانوية اقتنيت آلة للتصوير ورحت من خلالها ألتقط صوراً لكل ما يلفت انتباهي من طبيعة وآثار إلى أن شاءت الظروف وتقدمت إلى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بما أحمله من تعلق بموهبة التصوير التي ما لبثت أن احترفتها كمهنة، واشتغلت أكثر من خمسة عشرة عملاً درامياً بالإضافة إلى تغطية الفعاليات والنشاطات الأدبية والثقافية والفنية وهذا ما جعلني أكثر التصاقاً بكاميرا التلفزيون، التي بدأت أحس عندما أضعها على كتفي وكأنها جزء لا يتجزأ مني على الرغم من أنها مجموعة عدسات ودارات الكترونية، إلا أنني أشعر بها وكأنها العين الثالثة التي أرى من خلالها الواقع بكل ما يحويه من الجمال والقبح والحب والكراهية.. وبعد مضي أكثر من سبعة عشرة عاماً على عملي كمصور بدأت أدرك أن للمصور القدرة على الإيجاز في اللقطات بحيث يستطيع أن يقدم كوادر قليلة بدلالات كثيرة، كما يحدث في الأدب الحديث، كلما كانت القصة القصيرة ذات التفاصيل المجانية مملة كذلك الصورة ذات الدلالات القليلة والمجانية تصبح مملة.
لعل إبراهيم راكاج رغم مزاجه الصعب إلا أنه ينسج مع من حوله صداقة واحتراماً منذ صغره فلم ينس الفنان «نضال سيجري» ذلك الطفل «إبراهيم راكاج» الذي عاش معه طفولة تقنية بحتة فكل تقنية كهربائية أو ميكانيكية أصابها العطب تحول إلى «إبراهيم» ليكتشف ماهيتها قبل أن يعرف عطبها.
من ناحيتها الإعلامية «لبابة يونس» تحدثت عن «ابراهيم» الذي رافقها في عملها مدة تزيد عن العقد بالقول: "إنه مصور موهوب يعشق موهبته أولاً..التي تحولت فيما بعد إلى مهنة، أتقنها بإخلاص ومحبة، يصور بمزاج خاص تخرج منها الصورة، وقد صب فيها إحساسه ما يكفي لمعرفة أن هذه اللقطة لإبراهيم، بمعنى أنه شكل خصوصية لذاته بعينه وزواياه التي يختارها، لا يصور الجمال بشكل مباشر لكن يلمح له من خلال مزج أكثر من بعد في الصورة ليقدم الفكرة واللوحة معاً.
وتضيف: "إنه صبور، من المصورين النادرين الذين يحملون الكاميرا على كتفهم ويصور لمدة نصف ساعة بلا حامل الكاميرا ودون أن يهتز كادر الصورة، وهذه ميزة وخصوصية، صعب التعامل معها. لكن وبنفس الوقت عندما يحس بجدية العمل يتحسس حلاوته ويصبح كالطفل....