يعود بناء جسر الرقة القديم «جسر المنصور» إلى عام 1942 ولقد بنته السلطات البريطانية أثناء دخولها إلى سورية مع القوات الديغولية لقتال القوات الفيشية، أثناء الحرب العالمية الثانية، ويبلغ طوله نحو «630 متراً».

وتشير لوحة الدلالة الموضوعة في أول الجسر، كما نقل ترجمتها إلى موقع eRaqqa الباحث "حمصي فرحان الحمادة": «سمي هذا الجسر جسر «غيت»، الذي صمم بثلاثة أيام، وأكمل بناؤه في أربعة أشهر ويومين، منجزاً أعماله في أوج الفيضان الربيعي، أمنت العوارض من صهاريج النفط المحترقة بفعل أعمال العدو الحربية، وأمنت الركائز من أنابيب النفط المجتلبة من بغداد، ومن أماكن بعيدة أخرى، بدأ العمل في الجسر في 13 كانون الثاني عام 1942، وافتتح للنقليات في 10 حزيران 1942».

ويضيف الحمادة: استخدم الإنكليز في بناء الجسر مئات العمال لإكماله في فترة قصيرة، واستمر العمل في الليل والنهار، وكان متوسط أجرة العامل العادي ستة فرنكات، أي ما يعادل ثلاثين قرشاً سورياً، وتصل أجرة البعض الآخر إلى سبعين قرشاً، وحتى الحيوانات حُدد لها أجرة في عملية نقل المواد، وللجسر دور كبير في التخفيف عن كاهل الناس نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، إبان الحرب العالمية الثانية، ولكن لأمد قصير.

مشهد لجسر المنصور من الزورق

مجلس النواب يناقش شراء الجسر..

في 28 تشرين الثاني من عام 1945 اجتمع مجلس النواب في جلسته الثانية من دورته العادية الخامسة، وكان أحد بنود جدول أعماله إصدار مشروع قانون يتضمن تفويض الحكومة السورية حق شراء جسر الرقة من الحكومة البريطانية بمبلغ قدره مليون ليرة سورية على خمسة أقساط سنوية على الأكثر.

مشهد آخر للجسر

ومن خلال استعراضنا للمناقشة التي تمت قبل إقرار هذا القانون، نتبين أن الحكومة البريطانية حاولت نقل الجسر إلى اليونان بعد تفكيكه، أو نسفه وتحويله إلى أنقاض، كما أن بعض الأعضاء أكدوا أن هناك خللاً طرأ على الركائز الأساسية، ومطالبة رئيس المجلس "فارس الخوري" أن توفد الحكومة هيئة فنية قبل شرائه لفحصه والتحقق من متانته، لكن الدكتور "عبد الرحمن الكيالي" قال: تفضل الأخ السيد "رئيف الملقي" وسأل عن مصير هذا الجسر إذا لم نشتريه من السلطة التي بنته لأغراض حربية كانت في مصلحة البلاد، والحقيقة أنه عندما جرد الإنكليز حملتهم على "اليونان" عزموا على نقله واستعماله في اليونان أو في أوروبا التي هي بحاجة إلى مثله من الجسور، لكننا لم نوافق على فكه ونقله، وأخذنا نفاوضهم لشرائه بالسعر الذي هو عليه الآن لا بالسعر الذي كان وقتئذ على أن يتحملوا هم جميع النفقات اللازمة لحفظه وحفظ الركائز المعرضة للانهيار، على أن ندفع نحن أجرة العمال، وهم يرسلون المهندسين، وعلى هذا تم الاتفاق والحكومة مصيبة فيما عملت، وهي صفقة رابحة كلّفت الحكومة البريطانية ما يزيد على مليون ليرة استرلينية، وسنبتاعه بمليون ليرة سورية، وقد بلغت نفقات إصلاحه ثلاثين ألف ليرة سورية دفعت في العام الماضي، وأظن أن الإصلاح قد تم تماماً.

إصلاحات الجسر تاريخياً..

ويقول الباحث الدكتور «محمود النجرس»: هناك لوحة دلالة مستطيلة أبعادها 50×60 مثبتة في أسفل أول قاعدة إسمنتية من الجسر تشير إلى عام 1946 وكتب عليها «أشغال رقة»، كما أن أحد السباحين أشار إلى أن الركيزة المعدنية الثانية تشير إلى نفس التاريخ، حيث كتب عليها بلحام الكهرباء «مكرديج 1946» مما يدل على أن الجسر قد أجريت له أعمال صيانة في هذا التاريخ.

مشهد من الجهة الثانية

ويتابع «النجرس»: في عام 1956 تعرضت بعض القواعد الحديدية إلى خلل ظاهر «كسر بالقواعد»، مما استدعى صيانته مرة أخرى، عن طريق حقن مواد إسمنتية تحت هذه القواعد، ولقد نفذت أعمال الصيانة شركة بلغارية.

ويؤكد ذلك الباحث «حمصي فرحان الحمادة» إذ يقول: تعرض الجسر إلى كسر في الركائز المعدنية الثلاث من الجهة الجنوبية، في عام 1956، وكان نتيجة مرور الآليات الثقيلة العابرة إلى منطقة الرميلان، حيث كانت تجري هناك أعمال التنقيب عن البترول، وقد بُني جسر حربي، في مكان القواعد الثلاث، وكان الوقت من السنة في موسم الحصاد، حيث تقف السيارة في أول الجسر، فيُفرغ العتالون حمولتها من أكياس القمح، وتحمل الحمولة فوق عربات الخيل، وتعبر السيارة الجسر وهي فارغة، ويُعاد تحميل القمح إليها بعد وصولها سالمة إلى الجهة الجنوبية.

غير أن أكثر من شخص أكد وقوع هذه الحوادث في زمن الوحدة، وزاد بعضهم أنهم عملوا في ترميم الجسر مع العمال، ويقدر أحدهم التاريخ بسنة 1960.

كما أشار «الحمادة» إلى أنه قرأ مقالاً في مجلة الأسبوع العربي «تصدر من لبنان» للأستاذ «شاكر مصطفى»، في الستينيات من القرن المنصرم، يوضح فيه أن منفذي الجسر كتبوا على لوحة رخامية من جهته الجنوبية باللغة العبرية عبارة: «إلى هنا تنتهي حدود إسرائيل» لكن الحكومة الوطنية بُعيد الاستقلال أزالت هذه اللوحة، بعد معرفة ما كُتب عليها.

وتجدر الإشارة إلى أن محافظة الرقة نتيجة التوسع الكبير في مشاريعها الاقتصادية المختلفة، وتشغيل البوابة الحدودية في منطقة "تل أبيض"، التي تعد بوابة من الدرجة الأولى، تحتاج على وجه السرعة إلى بناء جسر ثالث على نهر الفرات، يستوعب التطور الذي آلت إليه المحافظة في شتى الجوانب، فهل سنرى في مدينة الرقة في القادم من الأيام جسراً ثالثاً على نهر الفرات؟.