تخرج من أبنائها طبيب وصيدلي، وثلاثة ما يزالون يدرسون في كلية الطب البشري وطب الأسنان والهندسة.. حقاً «الجنة تحت أقدام الأمهات»... لم لا؟!.. فالأم رمز للحب والعطاء والحنان، وهي التي قال فيها الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها..أعددت شعباً طيب الاعراقِ...

هكذا ترجمت المربية الفاضلة فاطمة الرفاعي، حقيقة ماثلة على أرض الواقع، هي التي عانت ما عانته، وصبرت وتعبت وسهرت، فكانت الشمعة التي تحترق لتضيء الطريق لأطفالها الخمسة، والتربة الخصبة التي أنبتت حباً وعطاءً وتضحية.

تقول المربية فاطمة الرفاعي: تزوجت في العشرين من عمري، وسافرت مع زوجي «المرحوم فاروق المصري» إلى المغرب، وبقيت معه ستة أعوام، حيث انجبت هناك أولادي الثلاثة: حذيفة وخلدون وجاد الحق، ثم توجهت معه إلى الخليج وبقيت معه حتى منتصف 1989 .

جاد الحق

وتضيف: علمتني الغربة ما علمتني من معاني الصبر، واستلهمت من زوجي معاني الوفاء والمحبة والإخلاص، ولعل ما أوصاني به وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة «الأولاد ثم الأولاد» وأطبق عينيه عام1990 وبدأت رحلة المعاناة!!.... أم لخمسة أطفال أكبرهم في المرحلة الابتدائية، وأصغرهم طفلة ابنة العامين، فماذا أفعل وأنا في ربيع العمر؟!... وصية زوجي المرحوم لم تفارق مسامعي، ولم تغب طوال حياتي عن مخيلتي، فقررت أن أكون الأم والأب في آن معاً، وأن أتفرغ لهم غير أبهة بشبابي، أن أبقى لهم الشمعة التي تحترق لتضيء لهم الدرب سعياً لتنشئتهم التنشئة الحسنة، متوكلة على الله ومستعينة بالصبر ومتسلحة بالعزيمة والإرادة والتصميم، وأن يكون أطفالي في المستقبل عناصر فعالة في المجتمع والوطن، وكانت أمنيتي أن أراهم وهم يكبرون «كل شبر بندر» متفوقين دراسياً متحلين بالأخلاق والخصال الحميدة ولا شيء سواها.

وتتابع المربية الفاضلة: كانت الفرحة الأولى لي بعد وفاة زوجي هي قبول ابني الأكبر حذيفة في كلية الصيدلة، ليتبعه جاد الحق إلى كلية الطب البشري، ثم يمن علي الله جل في علاه بأن يتخرجا طبيباً في طور الاختصاص وصيدلانياً، فيتبعهم خلدون وهو حالياً في السنة الأخيرة في كلية طب الاسنان، ويلحق به شقيقه محمود في السنة الرابعة «طب بشري» بجامعة دمشق، ثم تتبعه «آخر العنقود» ابنتي الوحيدة مروة في كلية الهندسة الالكترونية بدمشق، والحمد لله على ما أنعم علي بأبنائي الخمسة.

مروة

وتضيف أم حذيفة: هاهم اليوم كالورود في حديقة عمري، لا يعرفون معنى العقوق بعدما زرعت في عقولهم قولاً وعملاً أن العاق لا يشم رائحة الجنة، ولعل ما يسعدني أكثر هو محبتهم وإخلاصهم لبعضهم البعض، ومن الطرائف أن من يلتقي معهم يظن أنهم أصدقاء، وهنا أذكر عندما دعيت إلى التلفزيون العربي السوري للمشاركة في برنامج «مكاشفات» الذي يقدمه الإعلامي جمال الجيش، وكان برفقتي أولادي الخمسة, أذكر ما رددته ابنتي مروة وبالحرف الواحد: الله يستر يا ماما، أولادك راح يعملوا العمايل... طبعاً نتيجة لمزاحهم المعهود مع بعضهم البعض، على اعتبارهم أصحاب نكتة فيما بينهم، وهذا ما كانوا يلجؤون إليه لإدخال السعادة في أنفسهم وفيما بينهم،

وقد تم تكريمي في هذا البرنامج آنذاك، وأذكر ما قالته لي الدكتورة الإعلامية أمل دكاك وأكده المشاركون في البرنامج من تربويين ومشاركين: نحسدك على هذه العائلة المميزة والمثقفة والمحبة لبعضها البعض... كما تم تكريمي العام المنصرم في جمعية المرأة العربية كأم مثالية، وآخر تكريم لي كان من قبل الأستاذ غسان الحمد مدير التربية بدير الزور، وفي الختام أتوجه بالتحية لكل أمهات العالم، وأتمنى أن يوفقن في تربية أبنائهم ليكونوا قدوة تقتدى ومثالاً يحتذى.

الدكتور جاد الحق قال لـedair-alzor: تعلمت من والدتي كيف يكون العطاء بلا حدود، وكيف تكون التضحية، وكيف يصل المرء إلى ما يصبو إليه، وكيف يفرش دربه جداً واجتهاداً، كيف لا وقد رضعت منها وترعرعت على يديها الحنونتين، وتلقيت منها دروساً في المحبة والبذل والبر والصبر الجميل، حقاً إنها مدرسة بكل ما تعنيه الكلمة، ولا أعتقد أن هناك كلمة تفي بالغرض تجاهها، ولكن يحق لي أن أقول: «أمي يا ملاكي.. ياحبنا الباقي إلى الأبد..».. يا كنزاً لا تعادله كنوز الدنيا، كل ما أتمناه أن تكوني راضية يا فيض الحنان المتدفق.

بدورها مروة قالت: تستحقين يا أمي يا أم ألوفا، أن نقيم لك نصباً للمحبة والإخلاص والعطاء، نسميه نصب العطاء الذي لا ينضب، يشمخ ملء قلوبنا وصدورنا، ننحني أمامه كل لحظة ونصلي في محراب جودك الذي لايعرف حدودا، وعطائك الذي لا يعرف المستحيل، وحنانك المتدفق أدامك الله يا أمي شمعة لنا وقمراً يضيء لنا الليل الحالك، والبسمة التي نزرعها على شفاهنا إلى مالا نهاية.