لدمشق رائحتها الخاصة... ياسمينها... نباتاتها العطرية... توابلها... سوق البزورية يختصر رائحة الشام ... كما لو أنه قارورة عطرٍ تنشر شذاها على مسافةِ كيلومتر ٍ تقريباً ما بين سوق مدحت باشا، والخان الصدراني المجاور لقصر العظم.

يعود سوق البزورية إلى العصر المملوكي... وأطلق عليه في العهد العثماني أسم سوق العطارين نسبة إلى محلات العطارة التي تنتشر في السوق... يتألف من صفين متقابلين من المتاجر، يتخللهما ممر عريض مرصوف بحجارة البازلت السوداء، ومسقوف بساترٍ معدني تتخلله ثقوب تنقل أشعة الشمس تبدو في النهار كمرايا سماويةٍ صغيرة.

عادةً ما يستوقف سوق البزورية زواره طويلا (ليس من سكان دمشق فحسب بل من العالم بأسره شرقه و غربه)، فهو غني بالتفاصيل، وبضائعه متعددة الأغراض والمقاصد، ومازالت تحتفظ باستخداماتها التقليدية(بغض النظر عن حداثة المستخدمين لها، والعصر الذي تستخدم فيه).

بضائع السوق

من منّا يستغني عن العطر، والقهوة، والزهورات، والراحة(نوع من الحلوى مكونة من السكر المقطر والمسكة و الفستق الحلبي)،و القضامة السكرية( حبات الحمص المغلف بالسكر)، والملبس( لوز محمص مغلف بالسكر)،وبضائع العطارين الطريفة...

مازال دكان العطار محتفظاً بسحره منذ قديم الأزمان... واجهته المزينة بصناديق السلاحف، وفراء الثعالب ، ونجوم البحر , وعقود الصدف البحري... أسماء البضائع وأشكالها... طريقة تنسيقها... لطافة البائع وقدرته على الترويج لبضائعه...

إذا كان الحلاق هو طبيب أيام زمان،فالعطار هو الصيدلي الذي تجد عنده لكلٍ مشكلةٍ حلاً، ولكلِ داءٍ دواء... أزرار الورد الدمشقي، وأزهار البابونج، وأوراق المليسة والزعتر البرّي،الزوفا، ذيل الحصان، العشرق، بذر الخلة... وغير ذلك من أنواع الأزهار... والأعشاب... وبذور النباتات التي مازالت تستخدم منقوعاتها للتداوي من الأمراض، والوقاية من مسبباتها أو عوارضها.

وتجد في دكان العطار أيضاً: أنواع البخور(كالدخن، وحجر جهنم، وأظافر العفريت...)،وسائر أنواع الدهون النباتية(كالحنتيته:نوع من الدهن النباتي يستخدم كمقوي للجسم)...

ومستلزمات الاستحمام التقليدية( كالإسفنج البحري، وصابون الغار، والترابة الحلبية، وأكياس الحمام(لتقشير البشرة)، وحجر الخفان( يستخدم لفرك كعوب الأرجل والركب والأكواع)...)،وأنوع المكسرات( الجوز، والفستق بأنواعه، واللوز، والصنوبر...)، وسائر أنواع التوابل(كالقرفة،والفلفل بألوانه، والعصفر، والزعفران الإيراني...)، و الكراوية التي اعتاد الدمشقيون على تقديمها ابتهاجاً بالمولود الجديد.

مع تجار السوق

عدنان الملقي (أحد باعة الزهورات و التوابل): يؤكد على جودة بضائعه، وتعدد استخداماتها، ويفتخر بكونها معظمها دمشقي المصدر، إلا أنه يشتكي من تحول الناس إلى المجمعات التجارية الحديثة، رغم نظافة بضائعه،ومصدرها الطبيعي غير الخاضع للمعالجات الكيميائية.

أحد اختصاصات السوق العريقة: بيع الفواكه المجففة، والراحة، والملبس، وغير ذلك من مستلزمات الأفراح... محمد السيروان( شاب أنيق... بشوش الوجه... تخصص والده وأجداده ببيع هذه البضائع): تصنع الفواكه المجففة في أرياف دمشق ، وتباع في هذا السوق منذ القدم... لم يطرأ تبدلات كبيرة على طريقة تصنيعها ،وبيعها باستثناء ما يتعلق بالتغليف، وتحسين المزايا كأن نحشوها بالمكسرات ،ونغلفها بالجلاتين، ونرتبها في علب الكرتون، أو الخشب، أو الموزاييك...لدينا بضائع حديثة نسبياً كاللوزينا، وأقراص الفستق الحلبي المشبك بالسكر.

ليؤكد لي(محمد) على عراقة صنعته أشار لي إلى السَبَتْ( مصنوع من الخشب، ومؤلفٌ من ثلاث طبقات... مدهون باللون الأصفر و مزخرف بالورود الخشبية الحمراء، و المصابيح الملونة)... مازال السَبَتْ يطلب في الأعراس الشامية، و يوضع في غرفة العروسين لتقديم

واجب الضيافة للمهنئين بعد أن تملأ طبقاته بالحلوى( البون بون أو المطعَم كما يسميه الدمشقيون )، والملبس...

نسيب أبو راس منخصص ببيع الشوكولا الفاخرة ،وعلب الأفراح (يعرض إلى جانبه نماذجاً منها) : ملامح الحداثة بدأت تتدخل في تفاصيل مهنتي ( نماذج التصميم، والأشكال، و الخامات المستخدمة في صناعة علب الأفراح و تزيينها)... كان متجري في الماضي متخصصاً في البقالة، إلا أنني تحولت إلى تجارة علب الأفراح بناءاً على طلب ابني، وكنت موفقاً في هذا التحول لأن ذو ق ابني في تصميم علب الأفراح، و تنسيقها يلقى راوجاً كبيراً عند الزبائن.

الشموع بأنواعها تباع أيضاً في هذا السوق... متاجر الشموع هي شبابيك دمشق على الرومانسية، والحب، و الأعياد... قصدنا متجر رياض المدني المتخصص ببيع الشمع...

محمد الحفار ( شاب يعمل في المتجر ): تقصدنا الناس لشراء الشموع في كل المناسبات

(أعياد الميلاد، والفصح، والأفراح..)، شموعنا محلية التصنيع، ومتعددة الأغراض... مازال بعضها يصنع بنفس الطريقة التقليدية و يزخرف بأزهار السكر... نبيع أيضاً المتطلبات الحديثة للمناسبات ( كالشموع المعطرة، وبخاخات الثلج....).

إلى جانب الهدايا و الشموع و علب الأفراح توجد محلات متخصصة ببيع الورق الذي تغلف فيه الهدايا، و منها دكان عبد الله سبيعي: دكاني في السوق قديم جداً وكذلك تجارتي... في الماضي كنا نبيع الورق فقط لتغليف الهدايا، ، وفي العام 1985 م بدأت الخامات البلاستيكية تغزو أسواقنا المحلية، واليوم نبيع هذا وذاك من كل مستلزمات تغليف الهدايا.

نجد في السوق أيضاً محلاتٍ عريقة توارثت اختصاصها التجاري لمئات السنين كمحل عابدين لبيع الأصبغة، والقلعجي المتخصص بالقهوة العربية ومستلزماتها( كالهيل ، والمسكة...)،

والغبرة المتخصص ببيع العطور، وغيرهم من باعة المعلبات، والسكر، والرز، والزيوت،

وسائر المواد التموينية...

لا يهدأ صخب الحياة الدمشقية في سوق البزورية على مدى أربعة عشر ساعة يومياً على الأقل(عدا الجمعة) ...في الصباح الباكر يفتح تجاره المسنون محلاتهم ليسلموا المهمة إلى أولادهم، وبدورهم يتولون مباشرة تجارتهم حتى الساعة العاشرة ليلاًً ( أو أكثر بقليل) ... شيء من الألفة تحس به بوضوح بين تجار السوق الذين تعلو وجوههم الابتسامة دائماً، وكثيراً ما يرحبون بزبائنهم بقطعة ملبَس... لا ندري أيهما يدفعك لزيارة سوق البزورية قبل الآخر.... بضائع السوق( ذات الاستخدامات التقليدية و المعاصرة) أم معالمه التاريخية ومنها: حمام نور الدين الشهيد، وخان أسعد باشا العظم، وخان العمود، وخان الرز( يجري ترميمه حالياً)...

إلا أننا متأكدون من المتعة التي تحققها لكم جولة في سوق البزورية.