عاشت اللاذقية ومنذ بداية ثلاثينيات القرن الماضي نشاطاً مهماً وجميلاً هو الحركة الكشفية، وما زال بعض كبار السن يتذكرون مشاركاتهم بنشاطات الكشافة ويشعرون بحنين إلى تلك الأيام.

يقول أبو سعيد هذا الرجل المسن الذي يسير يومياً على كورنيش البحر: لقد كانت الكشافة تجوب أحياء المدينة تعزف الموسيقا، وتقرع الطبول وتغني الأغاني الوطنية (في سبيل المجد والأوطان نحيا-نحن الشباب موطني)، وهذا التقليد كان يقام صباح كل يوم جمعة حتى يصل المسير إلى حديقة البطرني، فيجتمع مع الكشافة الكثير من سكان المدينة مؤلفين معها دائرة كبيرة ليستمر العزف حتى وقت الظهر.

مرت الحركة الكشفية بمراحل تنظيمية منذ تأسيسها عام 1932 حتى الثمانينات، حين رأت مجموعة من شباب اللاذقية بأن النشاط الكشفي ضرورة وطنية، فتم تأسيس أول فرقة تحت اسم ابن هانئ، وكان عدد أعضائها لا يتجاوز العشرين شاب وحين وصل العدد إلى خمسين التحقوا بالمقر العام لكشافة سوريا وبيروت ومثلوا اللاذقية في مخيمي بيروت و دمشق، تشكلت بعدها فرقة ثانية بقيادة زين العابدين آل الفضل كحركة كشفية موسيقية ورياضية، اتخذت نادي حطين مقراً لها، وتم تمويلها من قبل أعضاء الفرقة كرسم اشتراك ليرة سورية شهريا عن كل فرد، الفرقة الكشفية الثالثة كانت بقيادة شفا وكيل ثم تم دمج فرقتي ابن هاني وميسلون تحت اسم فوج قريش.

كان للكشافة جماهيرية كبيرة

عام 1933 تأسست فرقة الكشاف الخيري بقيادة عبدالله جاديبا فكان لها شأن علمي وكشفي مهم كما كانت غنية بالمواهب المتعددة، وقامت برحلات كشفية ومعسكرات في جميع المحافظات السورية مستمدة شهرتها بكثرة العازفين فيها على الآلات النحاسية، في نفس التاريخ تقريباً أسس الباروك ميساك الأبوظايان فرقة كشفية تحت إشراف نادي الهوفتن الأرضي وكان لها نشاطات كبيرة في المهرجانات والمناسبات الوطنية، وتحت شعار بالعلم والعمل يتحقق الأمل أسس أمين حداد الذي كان في حينها صاحب جريدة الشاطئ فرقة العمل الكشفية، لتنتشر بعدها الفرق الكشفية في المدارس العامة والخاصة.

في عام1951 زار الكولونيل (ولس) المدير العام للمكتب الدولي الكشفي مدينة اللاذقية، استقبلته حينها مفوضية كشافة المحافظة فسجل كلمة شكر في سجل المذكرات الرسمية مبيناً أنها كانت من أفضل مستويات الفرق الكشفية التي شاهدها على مستوى العالم.

كشافة اليوم في شوارع اللاذقية

كان للكشافة نشاطات مختلفة اجتماعية- وطنية- رياضية- فنية، فأقامت المباريات الرياضية (السباحة- سباق الخيل- الدراجات والسير على الأقدام لمسافات طويلة- مسيرات الشوارع على ضوء المشاعل فضلاً عن إقامة المخيمات الخارجية).

توقفت فيما بعد نشاطات الفرق الأهلية للمرحلة الأولى، ونشطت الحركة الكشفية للمرحلة الثانية، معتمدة أسلوب الأفواج من الفوج الأول حتى السادس، فلمعت جميعها بشكل كبير في النشاط الموسيقي النحاسي، في أواخر الستينيات قامت الفرقة الثانية (البحري) التابعة لأحد الأفواج بإصدار مجلة كشفية سميت (حدقة الكشاف)، أبرز من كتب فيها أحمد أبو موسى- وسيم قره فاقي- فؤاد أحمد- وليد ديب وغيرهم متناولين مواضيع إجتماعية وتربوية، أما أبرز الكتب التي تناولت هذا الشأن في اللاذقية فهو كتاب مرشد الكشاف لحسين صبري وفوزي فرغلي.

مرت الحركة الكشفية في ثمانينيات القرن الماضي بمرحلة خمود لتعود كل النشاطات التي كانت تمارسها إلى الحياة بفضل جهود محبي حياة الكشافة، فتم التعاون مع أكثر من حركة كشفية في بلدان مختلفة خاصة في لبنان وأقيمت عدة معسكرات لكشافي البلدين.