لَم تكن فكرة إقامة مُتحفٍ للبازل، واردةً بالنسبة للموسيقي طوني الأمير، رغم اهتمامه منذ الصغر بالأُحجيات والألعاب التركيبية، إلّا أن اقتراحاً بمُشاركة العدد الكبير من لوحاته مع الآخرين، لِيتاح لهم الاطلاع على هوايته، والاستمتاع بمُنتجه غير التقليدي، وَجَدَ استحساناً في نفسه، فبدأ التحضير لإقامة أوّل مُتحفٍ للبازل محليّاً، مُستكملاً خلال عامٍ تقريباً، عدة أعمالٍ غير جاهزة، ومهيأً البقيّة للنقل والعرض خارج بيته هذه المرة، على أمل أن تكون اللعبة الفنيّة، موضع اهتمامٍ وتجريب، بما فيها من تحدٍ وتركيز.

تطوير الهواية

درس الأمير آلة الباصون في المعهد العالي للموسيقا، ومن ثم أصبح مدرِّساً لها في أوركسترا وزارة التربية للأطفال، وفي معهد صلحي الوادي أيضاً، والمعهد العالي للموسيقا مؤخراً، إلى جانب كونه عضواً في الأوركسترا السيمفونية الوطنية السورية، يقول في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": "بموازاة ما سبق من حبٍّ للموسيقا، مارستُ هواية تركيب البازل، بمختلف القياسات والأبعاد والمواضيع، وحاولتُ تطويرها قبل أعوام، رغم التكاليف وصعوبة التوصيل، بأن تواصلت مع شركات بازل خارج سورية، تقوم بتحويل الصور المُرسلَة إليها إلى قطع صغيرة، شرط أن تكون واضحة وذات دقة عالية، فالتقطتُ صوراً لعائلتي وأرسلتها إليهم، ومع تحوّلها إلى بازل، قمت بتركيبها، من باب التغيير وإمكانية تركيب اللوحات التي أُريد".

صعوبات التركيب

في المُتحف الذي استضافه المركز الثقافي في أبو رمانة، عرض الأمير حوالي ثلاثين لوحة بازل، تنوعت مواضيعها بين الصور الشخصية، والطبيعة "جبال دولوميت الإيطالية، تحت الماء"، والمعالم الأثرية "مدينة بروج البلجيكية، قرية ريوماجوري الإيطالية"، ولوحات عالمية "شقيقتان على الشرفة للرسام بيير رينوار"، وبجانب كلٍّ منها، وَضعَ عدة ملاحظاتٍ، تُوضح عدد القطع وفترة الإنجاز واسم الشركة المصنعة للبازل، مع عدة تفاصيل أخرى، يقول عنها: "من الضروري أن يعرف المُتفرج كيف أصبحت القطع الصغيرة وكبيرة العدد، لوحةً قائمة، وفي مُتحفي أحجامٌ مختلفة، تبدأ من 500 قطعة، وتصل إلى 13200 قطعة، في حين تتحدد صعوبة التركيب بنقطتين، الأولى ترتبط بعدد القطع، بحيث يصبح التركيب أصعب بازدياد العدد، والثانية مرهونة بموضوع اللوحة وكم الألوان فيها، إذا كانت مكوّنة من لونين مثلاً، فهذا صعب جداً، أما إذا كانت الألوان أكثر فالتركيب أسهل نوعاً ما".

أكبر لوحات البازل في المتحف "جبال دولوميت الإيطالية"، قياس 293.5×136 سم، وصل عدد القطع فيها إلى 13200 قطعة، يصف الأمير تركيبها بالصعب جداً، حتى إنها احتاجت 650 يوماً، وفي لوحة بعنوان "الخطوط" تشبه عدة شبكات عنكبوت مُتداخلة، بقياس 61,5×61,5 سم، و1000 قطعة، تطلّب إنجازها 98 يوماً، أيضاً يصفها بالصعبة جداً، بسبب محدودية الألوان "أسود وأبيض"، وتشابكهما الكبير.

أكثر من لُعبة

الخطأ في التركيب أو اكتشاف بأن قطعةً في غير مكانها، لا يزعج الأمير بل يدفعه لإعادة التفكير والتخطيط، وفي ذلك متعة وإرادة، تغيبان عن أولئك الذين يسألونه عن جدوى البازل، يُضيف للمدوّنة: "أحياناً أعجز عن تركيب قطعة لمدة ثلاثة أيام، ولا يمكن أن تكون قطعة بديلاً عن أخرى، كما لا يمكن أن تحل واحدة مكان غيرها، ولهذا يشعر محبو هذا النوع من الألعاب بأهمية الإنجاز، أن تبدأ من الصفر وتصل إلى خط النهاية، متجاوزاً كل العقبات، وهو ما انعكس على حياتي، بتُ أُتقن التحكم بأعصابي وانفعالاتي".

كما يُؤمن الأمير بأن البازل ليست لعبة صبرٍ ودقة فحسب، بل نوع ومشروع فني قائم على تقنيات معينة، أهمها الخيال والتفكير المُتزن والقدرة على التخطيط، وهي أشياء يُنميها الإنسان في نفسه عبر خطواتٍ ومراحل، ولهذا كان قراره مُشاركة هوايته مع الناس، لِينقل إليهم ما وجده من إيجابيات، يقول أيضاً: "أنصح الجميع ومن مختلف الأعمار، بتجربة تركيب البازل، لاكتساب صفاتٍ وأخلاقياتٍ نحتاجها جميعاً، الهدوء وإعادة الحسابات والتمعّن، وإمكانية البدء دائماً، أشياء ثمينة، بعض اللوحات تحتاج خمسة أيام، وبعضها احتاج عامين مني، لكن النتيجة مبهرة جداً، وأهم بكثير مما يفعله البعض ممن يضيع وقتهم في التسلية عبر الموبايل، مثلاً".

فكرة العَرض

الفنان التشكيلي بشير بشير، وهو صاحب اقتراح العرض، استعاد في لقائه مع المدوّنة، زيارته إلى منزل طوني الأمير، وإعجابه باللوحات المشغولة بجهدٍ وحرفيّة، وقال أيضاً: "عندما عرفت الوقت والجَلَد اللذين تحتاجهما هذه الأعمال، اقترحت عليه مشاركتها مع الناس، لا سيما أنه لم يسبق إقامة مُتحفٍ من هذا النوع".

ورأى بشير أن لوحات البازل التي عمل عليها الأمير خلال فتراتٍ من حياته، دليلٌ على إبداعٍ قِوامه طاقةٌ كبيرةٌ ورؤيةٌ بصريةٌ عالية، اتكأ عليهما لتوظيف إمكانياته بشكلٍ مميز، وربما تكون فكرة العرض بوابة لأفكارٍ واقتراحاتٍ قادمة.

الفنانة دعاء بسطاطي، وجدت في فكرة البازل، جرأةً وتميزاً سيكون لهما أثر عند المتلقي، وقالت للمدوّنة: "الجمهور يحبّ الأفكار الغريبة والخارجة عن المألوف، وهو قادرٌ على تجاوز الاهتمام بالموضوع نحو التقنية"، وأشارت كذلك إلى التنوّع في مواضيع اللوحات، وهو أمرٌ مطلوب في بداية أي مشروعٍ فني، حتى تجد الفكرة قبولاً وانتشاراً، لكن مع الزمن لا بد من التوجه نحو تقديم موضوعٍ واحد، والتوسّع فيه.