بكل انتباه وفطنة يتابع "وحيد أبو عاصي" مراقبة شفاه زبائنه من أصحاب المعدات الكهربائية وهم يصفون له المشكلة ليقوم بإصلاحها، وإذا لم يتمكن من فك رموز التمتمة يستعين بزوجته لتعيد عليه ما قالوا وينجز المهمة بدقة وذكاء، بعمل أتقنه دون تعليم أو اتباع دورات أو العمل في ورشة.

مهارات الإصلاح

اكتسب "أبو عاصي" مهارة إصلاح الساعات والمعدات الكهربائية، فكها وركبها مرات عدة، يعرف أعطالها وكيفية الإصلاح، وهو الذي علم نفسه بنفسه، وصمم يافعاً نموذجاً لأفران الكهرباء القديمة مما توافر بين يديه، تعلم تركيب كهرباء المنازل ومد شبكات بجهده الخاص وعمل لسنوات قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية في ورشته لإصلاح الساعات بمدينة "شهبا" وحقق شهرة جيدة في عمل ساعده على تلبية متطلبات الحياة.

هو سريع بالعمل ودقيق تظهر بمنزله هوايته بتدوير الأجهزة والقطع القديمة بذكاء واضح، أجوره منطقية وقد امتلك ثقة كل من أحاط به بإتقان العمل والصدق، ومع أنه يقوم بعمل على أكمل وجه لا يطلب أجوراً مرتفعة لأنه يقدر أوضاع أهالي بلدته، أتمنى دعمه من إحدى الجهات بقرض ليتمكن من الحصول على رأس مال ليؤسس ورشة كبيرة ولا يضطر للتنقل إلى دمشق للحصول على عدد بسيط من القطع لينتج منظم أو اثنين للكهرباء أرباحها فيها محدودة للغاية

ولد "أبو عاصي" عام 1965 في قرية "مردك" شمال "السويداء"، ظهر لديه ضعف السمع في الصف الأول وخسر السمع بشكل كامل في الصف الثاني ليترك المدرسة بعد أن عجز أهله عن العلاج، لكنه لم يعجز عن التعلم بمساعدة أحد الاصدقاء في قريته الذي اهتم به ليتقن القراءة والكتابة، واهتدى إلى الكهربائيات لإيجاد ما يسليه وما يكسب منه لقمة العيش ويعرف بقريته من خلال عمله بإصلاح الساعات والمعدات الكهربائية التي لم يتمكن يوماً من سماع صوتها، واعتمد على حواسه الأربع الباقية ليمتلك خبرة طورها بتجارب متكررة على سجيته.

وحيد أبو عاصي يصلح الساعات اليدوية

بكلمات بسيطة يخبرنا أنه لا يستطيع هدر الوقت ولا يشعر بالعجز عن إصلاح كل المعدات الكهربائية، وعن إيجاد البدائل وتدوير القطع وإعادة استخدامها، كأن يصمم مروحة ثابتة شفراتها قطع معدنية من رفوف قديمة وخفاقة للبن، واستخراج السمن من عدة أجهزة قديمة تلبي حاجة المنزل.

بالممارسة

يقول "أبو عاصي" : "أجد متعة في كشف أسرار الأجهزة المعقدة والتعلم باستمرار من التجربة الخاصة في إصلاح الأعطال خلال ثلاثة عقود عملت فيها إلى جانب إصلاح الساعات مع ورش البناء في مد التيب وإيصال الشبكة للمنزل، ومنها تعلمت مهارات عديدة ساعدتني على متابعة العمل وخدمة أهل قريته والإصلاح بأجور مقبولة".

منظم كهرباء من إنتاجه

بعد الحصول على وظيفة حارس بشركة الإسكان العسكري، تابع العمل في أوقات الراحة واستمر بالتنقل بين "دمشق" و"السويداء" للحصول على قطع التبديل ومتطلبات عمله دون أن يرافقه أحد، مع تكرار التعامل مع المعدات بات يصمم معدات مثل شواحن البطاريات و(الإنفيرتر)، تلك القطع التي يحتاجها الأهالي بسبب انقطاع الكهرباء مستعيناً بـ(الإنترنت) ليصلح ويصمم نماذج أخذت تطلب منه بشكل دائم بفعل زيادة الطلب وجودة عمله الذي ينجزه بدقة.

"أبو عاصي" الذي يعيش حياته البسيطة عمل وكد لسنوات طويلة لم يقم باستئجار ورشة خاصة وبقي يعمل بمنزله الذي حوله لورشة صغيرة يجد فيها كل متطلبات عمله، ولأنه تعلم القراءة بشكل بسيط والكتابة، استطاع التعامل مع (الإنترنت) والتواصل مع غيره والدخول إلى عالم اليوتيوب الذي شكل نافذة جديدة للتعلم والابتكار، ليتقن مهارة تصميم وتطبيق جهاز منظم الكهرباء ويطبق عدة أجهزة بطريقة حرفية ومتميزة.

بكل هدوء

ترد إلى "أبو عاصي" معدات من قرى مجاورة يزوره أصحابها ويحاولون وصف العطل، ومن استعصى عليه فهم تمتمته يستعين بالورقة والقلم أو تقوم زوجته بمهمة الشرح، لكنه في أحيان كثيرة يفحص الجهاز ويتمكن من إيجاد العطل والإصلاح بهدوء وسرعة، بقي على عادته بزيارة "دمشق" للحصول على قطع بديلة، وحالياً يسخّر الكثير من وقته لتصميم المنظمات الكهربائية التي تطلب منه بشكل واسع، وقد أتقن صنعها من مختلف القياسات والأحجام، ويخبرنا بأن لديه طموح في هذا العمر -بعد كل ما قام به من أعمال رائعة يلمسها كل من زاره ومن استفاد من خبرته- أن يتقن التعامل مع المعدات الإلكترونية واللوحات المعقدة ويستفيد في ذلك من (الإنترنت) بالاطلاع على أفلام متخصصة ويثق بأنه قادر على التقدم وامتلاك مهارات جديدة ولن يمل.

بدورها تقول "سلوى أبو عاصي" زوجة "وحيد" إن أهالي القرية يطلبون خبرته لتجديد وإصلاح العديد من المعدات الكهربائية القديمة التي يسخر لها وقتاً طويلاً في العمل دون كلل، لتجد لديه مكواة قديمة يعيد إصلاحها بما توافر من القطع واستبدال قطع أخرى لتعود للخدمة، عدا عن الأفران والسخانات وكل ما يقع بين يديه بصبر وعمل طويل مجهد يشعر فيه بكثير من المتعة.

"سوسن الشحف" من أهالي قرية "مردك" تعمل كوافيرة في القرية، توقف عملها ليومين بسبب عطل مصفف الشعر الذي استطاع "وحيد أبو عاصي" إصلاحه، وتشير كيف حملت الجهاز إليه وخشيت أن لا يعرف العطل لأنه يظهر من خلال صوت الجهاز، ورغم ذلك اهتدى وحيد للعطل وأصلحه، وأخبرته أن لديها عدة أجهزة قديمة تم تنسيقها بسبب العطل عاد وأصلحها لها بأجور بسيطة.

تقول: «هو سريع بالعمل ودقيق تظهر بمنزله هوايته بتدوير الأجهزة والقطع القديمة بذكاء واضح، أجوره منطقية وقد امتلك ثقة كل من أحاط به بإتقان العمل والصدق، ومع أنه يقوم بعمل على أكمل وجه لا يطلب أجوراً مرتفعة لأنه يقدر أوضاع أهالي بلدته، أتمنى دعمه من إحدى الجهات بقرض ليتمكن من الحصول على رأس مال ليؤسس ورشة كبيرة ولا يضطر للتنقل إلى دمشق للحصول على عدد بسيط من القطع لينتج منظم أو اثنين للكهرباء أرباحها فيها محدودة للغاية».

يتعامل "وحيد أبو عاصي" مع جهاز الموبايل، يتواصل مع أولاده المسافرين من خلال الواتس أب، ويخطط باستمرار لتطوير عمله، مع العلم أنه قارب على التقاعد لكنه لم يخطط أبداً للتقاعد من عمله الخاص وحرفة الإصلاح وهوايته بالابتكار والتطبيق لتلبية حاجته وحاجة من يحيطون به.