فقد المشهد الفني والحركة التشكيلية السورية قامة كبيرة من قاماتها، وهو "الياس الزيات" الملقب بالمعلم، والذي يعدُّ أحد الروّاد الأوائل وله الفضل في تأسيس البداية الحقيقية للفن التشكيلي في "سورية"، وهو ممن كانت لهم بصمة مميزة ومدرسة فنية خاصة، وتتلمذ على يديه عدد كبير من الطلاب وتأثروا به وبمدرسته الفنية.

مسيرة فن

الباحث والناقد "سعد القاسم" يسلّط في حديثه للمدوّنة الضوء على المسيرة الفنية الراحل "الزيات" ويقول: «تفتحت عينا "الياس الزيات" في منزل عائلته بـ"دمشق" القديمة، على الزخارف التي يضمها لتؤسس الأشجار والنباتات الصور الأولى لذاكرته البصرية، ثم وجدت موهبته طريقها إلى الهوامش البيضاء على صفحات الجرائد، كاشفة عن موهبة الطفل التي وجدت من يرعاها وينميها في شخص الفنان الرائد "ميشيل كرشه".. كان خياره دراسة الفنون نتيجة طبيعية لإدراكه لموهبته وإمكاناته، وفي "بلغاريا" وجد مرة جديدة معلماً يؤمن بموهبته، فيمنحه اهتمامه وينقل إليه خبرته، وهو الحال ذاته تقريباً الذي تكرر خلال دراسته في "مصر" مع الفنانين المعلمين"عبد العزيز درويش" و"حسن البناني" اللذين رغم اختلاف توجهاتهما الفنية، تشاركا معاً في تعميق توجه الفنان الشاب نحو الحداثة الفنية».

بعد حصولي على دبلوم الدراسات، افتتح في كلية الفنون الجميلة درجة الماجستير قسم التصوير الزيتي، وبسبب الدكتور "الياس الزيات" تشجعت وسجلت في الماجستير، وطلبت منه أن يكون مشرفي الخاص، وقدمت له بحثين الأول عن الفن المعاصر والثاني عن الفن التدمري، ليختار هو البحث الذي أتابع به رسالة الماجستير، ولكن للأسف تعرض لعارض صحي وذهب للجامعة الأمريكية في "بيروت" للعلاج، ثم اعتذر عن متابعتي ولم أقبل سواه مشرفاً على رسالتي وانسحبت من متابعة دراسة الماجستير

تأريخ الفن السوري

ويضيف "القاسم": «اهتم"الياس الزيات" بشكل عميق بالتراث الفني لـ"سورية"، وكان لمساهمته الأساسية في مهرجان الأيقونة السورية، دور بالغ الأهمية في توثيق ودراسة هذا الفن السوري الأصيل، إلى جانب اهتمام المعلم "الزيات" بالتراث الفني السوري، وحضوره المؤثر في كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق" كمدرس ورئيس قسم التصوير فيها ووكيل علمي لها، وأستاذ الدراسات العليا، فقد أنجز الكثير من البحوث النظرية بالغة الأهمية، ومنها ما يمكن عدّه تأريخاً موثوقاً وعارفاً للفن السوري، وموثّقاً له، وقد ربطت الفنان"الزيات" صلات وثيقة بكبار التشكيليين السوريين، ومعرفته الواسعة بخبراتهم، وتجارب الأجيال التي تلتهم، وبالحركة التشكيلية السورية بشكل عام، كل هذه الأمور أتاحت له أن يمتلك رؤيةً شاملةً للمشهد التشكيلي السوري تتسم بمصداقية مطلقة، وإذا أضفنا إلى ما سبق إسهاماته الإبداعية في هذا المشهد، وفي الحياة الثقافية السورية بشكل عام، يبدو طبيعياً حصوله عام 2013 على جائزة الدولة التقديرية».

لوحة للفنان الزيات

الأستاذ والمعلم

من لوحات الزيات

بدورها تقول الفنانة التشكيلية ومديرة المركز الثقافي بأبو رمانة "رباب أحمد": «هو أستاذي، عندما كنت طالبة في دبلوم الدراسات العليا قسم التصوير الزيتي لمادة "تقنية التصوير ومواده"، وكان هو المشرف في القسم العملي في تقنية المواد، وأذكر أني اخترت أن أرسم بالألوان الترابية لوحة "تورنر"، وهو كان المشرف على إنجازي لهذا العمل الفني، كان قريباً وزميلاً وصديقاً محباً لكل طلابه رغم فارق العمر بينه وبين الطلاب، احتضننا كأب معطاء، كان مع طلابه كخلية النحل، يجتمع حوله الطلاب لأنهم أدركوا فيه الإنسان الممتلئ والكبير بتواضعه ومعرفته، يقدم يد العون لجميع طلاب دراسات التصوير الزيتي وطلاب كلية الفنون الجميلة».

وتتابع بالقول: «عندما أصبحت مديرة للمركز الثقافي بأبو رمانة، حرصت أن يكون هناك تكريم لكل القامات في حياتهم لأنني كنت أحزن عندما يكرم الفنان بعد وفاته، وأن يكون هناك فعالية شهرية تكريمية للفنانين التشكيليين، ومن ضمنها أن يكون أستاذي الذي أحب وأجل "الياس الزيات" مكرماً في معرض جماعي لفنانين ورواد ومعاصرين وأسماء مهمة، وأن يكون لصاحب التكريم حيز مهم من أعماله لمختلف مراحل فنه وعمره، وأن تعقب المعرض ندوة لتضيء على حياة وأعمال وإنجاز المكرم، وأن يكون اجتماع محبة لإقامة مداخلات لتكريمه معنوياً وليأخذ حقه بشكل كامل، وأن يكون مشاركاً في الندوة قامات في الفن التشكيلي وكان تكريم لي بأن يقبل أن تكرمه طالبته التي تفخر به».

الفنانة التشكيلية رباب أحمد

ترميم الأيقونات

رغم تقدمه في العمر كان الراحل يعمل في ترميم الأعمال الفنية، اختص بترميم الأيقونات في العالم وخاصة الأيقونات الشرقية، وله أسلوبه الخاص، إن كان في أعماله الزيتية التي تأثرت بأسلوب الأيقونة وهذه الهالة التي تحيط بالوجوه السمحة، وكانت له بصمته الخاصة حيث جمع بين الثقافة والموروث.

تقول "أحمد" : «بعد حصولي على دبلوم الدراسات، افتتح في كلية الفنون الجميلة درجة الماجستير قسم التصوير الزيتي، وبسبب الدكتور "الياس الزيات" تشجعت وسجلت في الماجستير، وطلبت منه أن يكون مشرفي الخاص، وقدمت له بحثين الأول عن الفن المعاصر والثاني عن الفن التدمري، ليختار هو البحث الذي أتابع به رسالة الماجستير، ولكن للأسف تعرض لعارض صحي وذهب للجامعة الأمريكية في "بيروت" للعلاج، ثم اعتذر عن متابعتي ولم أقبل سواه مشرفاً على رسالتي وانسحبت من متابعة دراسة الماجستير».

مسيرة حياة

يذكر أن الراحل شارك في تأسيس كلية الفنون الجميلة، وقام بالتدريس فيها منذ تأسيسها، وحصل على رتبة أستاذ عام 1980 وشغل منصب رئيس قسم الفنون، ووكيل الكلية للشؤون العلمية، وألف كتاب تقنية التصوير ومواده، وعمل خبيراً في هيئة الموسوعة العربية في "سورية" لتحقيق موضوعات العمارة والفنون عام 1995 و2001، وعضواً في مجلس إدارة احتفالية "دمشق" عاصمة العربية عام 2008 كمسؤول عن معارض الفن التشكيلي، وهو رسام ومصور يدوي وباحث في الفن التشكيلي، درس الرياضيات في جامعة "دمشق" ثم تعلم في أكاديمية الفنون الجميلة في "صوفيا"، ودرس تاريخ الفن في كلية الفنون في "القاهرة" ، وتدرب على ترميم اللوحات بأكاديمية الفنون في "بودابست"، وقام بدراسات على كيمياء الألوان وتحليل المواد في متحف الفنون التطبيقية، وشارك في العديد من المعارض المحلية والعربية.

وهو من مواليد "دمشق" عام 1935، وتوفي عن عمر 87 عاماً.

تم اللقاء مع"رباب أحمد" بتاريخ 6 أيلول 2022، وتم التواصل مع الباحث والناقد"سعد القاسم" بتاريخ 8 أيلول 2022.