رغم أنّها وُلدت كفيفة ولم تنعم بحاسة البصر، إلا أنّ "طيبة العلوش" لم تنكسر أمام إعاقتها، ومضت في حياتها متفائلة متفانية، وواصلت مشوارها في الحياة لتجني ثمار جدّها واجتهادها، بعد أن تمّ اختيارها بعد سنوات من المثابرة والدراسة، كأوّل مدربة لتعليم المكفوفين لغة "برايل" في محافظة "الحسكة".

مشوارُ الأمل

تركت "طيبة" قريتها الريفية التابعة لمدينة "القامشلي" وهي في سن مبكرة، متجهة إلى "دمشق" إذ لم تتوفر في محافظتها مدرسة خاصة بالمكفوفين، ورغم الصعوبات والتحديات، لكن إرادة الحياة لديها كانت أكبر من كل التحديات.

يسعى مركز "بيسان" في مدينة "القامشلي" لاعتماد هذه التجربة وهي تعليم المكفوفين ضمن مركزهم، التجربة هي الأولى لي وللمنطقة، لم أتردد لأنني أجد فيها فائدة كبيرة للمكفوفين، باشرتُ كأول خطوة بتعليم امرأتين اثنتين لغة "برايل"، وعن طريقهما سيتم تعليم الأطفال المكفوفين بإشرافي، ونحن قادرون على تحقيق نتائج متميزة في هذا المجال

في "دمشق" قضت كل المراحل الدراسية، أخذت تلك الرحلة من حياتها سنوات عدّة، لكنها عادت متوّجة بشهادة جامعيّة، ليتم اختيارها لتكون أول مدربة في منطقتها تعلم لغة "برايل" للمكفوفين.

لغة برايل

تقول "طيبة": «ابتعدتُ وأنا صغيرة عن أهلي وناسي وقريتي، كانت سنوات صعبة جداً خاصة في الفترة الأولى، لكن لا بدّ من تضحية، العلم يستحق ذلك، تجاوزتُ كافة المراحل الدراسية، بدءاً من الابتدائيّة، مروراً بالإعدادية والثانوية، انتهاء بالشهادة الجامعيّة في كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة، قسم اللغة العربيّة في جامعة "دمشق"، بذلت قصارى جهدي للتفوق والتميز، وأشاد بذلك المدرسون في مختلف المراحل».

أوّل مدربة

لم تقف الإعاقة يوماً في طريق حياتها بل كانت دافعاً لها لتحقيق طموحاتها، فبالتزامن مع دراستها، جرى تعيينها في جامعة "دمشق" ضمن مركز للمكفوفين، اختصت بكتابة المحاضرات وتوزيعها على الطلاب المكفوفين، بعد أن خضعت لدورة لتعلم الكتابة على "التاب" والطابعة بإشراف مدرب من "مصر".

التدريب في مركز بيسان

وتضيف: «لم أكن في يوم من الأيام ضعيفة أمام إعاقتي، حققتُ كل أهدافي في الحياة، أثبتُ للمجتمع والمكفوفين بأن طريق العلم وتحقيق النجاح سالك لنا ولأمثالنا، فقد تأهلتُ من زوج سليم ولديّ ثلاثة أطفال، اثنان منهم مكفوفا البصر أيضاً، انضما إلى مركز تعليم المكفوفين في مدينة "القامشلي" لأكون أول مدربة لتعليم هذه الشريحة على مستوى المنطقة لغة "برايل"، وهي نظام الكتابة المستخدمة للمكفوفين أو ضعاف البصر عن طريق اللمس، ليست لغة بمعنى الكلمة، إنما طريقة في الكتابة لتسهيل القراءة للمكفوفين وضعاف البصر».

فائدةٌ متبادلة

وتتابع بالقول: «يسعى مركز "بيسان" في مدينة "القامشلي" لاعتماد هذه التجربة وهي تعليم المكفوفين ضمن مركزهم، التجربة هي الأولى لي وللمنطقة، لم أتردد لأنني أجد فيها فائدة كبيرة للمكفوفين، باشرتُ كأول خطوة بتعليم امرأتين اثنتين لغة "برايل"، وعن طريقهما سيتم تعليم الأطفال المكفوفين بإشرافي، ونحن قادرون على تحقيق نتائج متميزة في هذا المجال».

طيبة العلوش

ويعرب "ماهر الجلعو"، وهو مدير مركز "بيسان" لأطفال التوحّد، في حديثه مع مدوّنة وطن، عن سعادته بتحقيق حلمه بافتتاح قسم ضمن المركز لتعليم المكفوفين بعد موافقة السيدة "طيبة" على العمل، فالإشادات بها -حسب ما يقول- كبيرة وكثيرة خاصة عندما كانت في مرحلة الدراسة بمدينة "دمشق"، وأخذت صدى طيباً في مركز المكفوفين أثناء عملها في طباعة الأسئلة، وبعد فترة قصيرة من تجربتها مع مركزنا، حضرت الفائدة بشكل متسارع.

"طيبة العلوش" من أهالي قرية "التنورية" في ريف "القامشلي"، مولودة عام 1977.