تستند المجموعة القصصية "بنكنوت" الصادرة عن دار الغانم للثقافة إلى وقائع حقيقية عايشها أنس الفيومي خلال عمله في المصارف حيث شهد ردّات فعل الناس تجاه أحداث مفصلية سياسية واقتصادية بدءاً من التزاحم على أبواب البنوك قبل عشرة أعوام خوفاً من إعلانها إفلاساً مُفاجئاً، مروراً بما كانت تتناقله نشرات الأخبار عن ارتفاع سعر الصرف والتضخم وسعر الفائدة، إلى ما سُمي قبل فترة وجيزة "حملات دعم الليرة السورية".
يرى الفيومي أن العمل المصرفي قريبٌ من الناس، قرب اليد لجيب السروال وبعيدٌ جداً عندما تكون هذه الجيب فارغة، لذلك تبتعد بعض الأحداث في مجموعته عن الطابع القصصي كونها أقرب للرصد والمتابعة والتوثيق، وبعضها تتعدد الأزمنة فيه لتقارب 35 عاماً من عمره المهني، يقول لـ "مدوّنة وطن": استهوتني الكتابة منذ الصغر وكنت أميل إلى الأسلوب الإنشائي لكن عملي في الجانب الاقتصادي أبعدني عن هذا العالم، وحين أثارتني عبارة (أدب المهنة) التي سبقنا إليها أطباء ومحامون وغيرهم، قلت من باب أولى أن يكون للمصرفيين حصتهم.
انتقى المصرفي قصصاً ونماذج لحالات غير اعتيادية، غايته دفع القراء نحو مزيد من التفكير والحذر في معاملاتهم المصرفية مهما بدت الأمور طبيعية ومُطمئنة، يضيف للمدوّنة: كنت جزءاً من حكايات كثيرة لكنني فضلت الاهتمام بما هو خارج عن المألوف ولا سيما بين الأهل والأصدقاء فيما بتعلق بالقروض والكفالات والودائع، بعض القصص مؤلمة وفيها من الظلم والإجحاف الكثير، لكن هذا ما يميز العمل المصرفي شموليته لنواحي قانونية واقتصادية واجتماعية، تصب كلها في يوميات الناس.
استغرقت كتابة المجموعة عامين، حرص فيها الفيومي على إعادة القراءة والتنقيح والاستماع إلى آراء عدد من الأصدقاء والمقربين في منتجه الأدبي، مستفيداً من المساحة التي وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي للكتابة بمختلف أنواعها، ثم جمع قصصه تحت عنوان "بنكنوت"، مصطلح يُستخدم في التعاملات النقدية "أوراق مالية"، وفي الغلاف تصميم لعملات معدنية، يقول المصرفي: مستعدٌ لتقبل الملاحظات والانطباعات أيّاً كانت، سعيدٌ بما قدمته وأعمل حالياً على رواية ومجموعة قصصية بعيداً عن المهنة.
حاول الفيومي نقل حكاياته بصياغة أدبية، وإن بدت حقيقة أقرب للمباشرة والوضوح، فيها الكثير من التعابير الاقتصادية الشعبية، مثل "يا آخذ القرد على ماله"، "سرقة مال الدولة حلال"، مال الخسيس" وظفها في سياقات مناسبة، لتخدم وتوضح العديد من المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية المغلوطة أو المبطنة، مع الإشارة إلى أعراف وقوانين لم تفسّر بشكل صحيح أو لم تكن كافية إضافة إلى ما تمّ تشويهه والانتقاص من قيمته في التعاملات القانونية على تنوعها، مرّات بأسلوب السرد أو من خلال حوارات هادئة ونقاشات حادّة تطورت أحياناً إلى مشاجرات وخلافات تستوجب اللجوء إلى القضاء.
يلتقط المصرفي تفاصيل مختلفة للشخصيات، يطغى عليها أحياناً الجانب الأخلاقي كونه الأبرز في التعاملات الاقتصادية من دون أن يهمل ما هو شكلاني، كما في قصة "حريصة وواعية"، وينقل فيها موقفاً مع سيدة غاضبة تقتحم مكتبه في المصرف وتلومه بسبب انخفاض قيمة الليرة، واللافت أنها تقدم له ورقة بخط يدها، قامت فيها بحساب خسارتها من فوارق سعر الصرف مطروحاً منه سعر الفائدة التي يقدمها البنك لها أي أنها قامت باحتساب خسارتها بدقة محاسب تجاري محنك، يقول عنها "أين أنا وأين هي في المقدرة على الردح!".
وفي بعض القصص يضعنا الفيومي أمام جزئيات لم يكن لزائر أو زبون أن يلحظها خلال إنجاز معاملة ما، أجملها ما يحكيه في قصة "الباب الآلي" عن العم أبو سمير، والذي يستغني المصرف عن خدماته مع تركيب باب آلي رغم تفانيه وإخلاصه.
نشير إلى أن المصرفي أنس الفيومي أطلق باكورة أعماله الأدبية "بنكنوت" في حفل توقيع استضافه المركز الثقافي في أبو رمانة بتاريخ 2021/7/1، تضمن إضاءات على المجموعة القصصية لكل من: صاحب دار نشر الغانم الروائي غانم بوحمود، الإعلامي الاقتصادي الزميل زياد غصن، المحامي بسام فاعور.