بين عدة تلال جبلية تربعت قريةٌ كثر فيها نبات الطيون البري ومنحها شيئاً من اسمه، وتميزت بزراعتها المروية لبساتين الحمضيات حيث تعددت فيها الينابيع المعدنية، وأصبحت بموقعها الجغرافي المميز نقطة عبور مهمة ما بين الساحل والداخل.
تعد قرية "بيت طيون" التي تبعد عن مدينة "صافيتا" حوالي ستة كيلومترات من الجهة الشرقية الشمالية لها، بداية القرى الجردية لمنطقة "صافيتا"، وتملك العديد من المقومات الجغرافية والاجتماعية الجيدة، وهنا يحدثنا الأديب "غانم بو حمود" من أبناء القرية خلال لقاء موقع مدونة وطن eSyria بتاريخ 28/1/2013: «ضمن مساحة سهلية منبسطة تحيط بها التلال الجبلية المرتفعة استوطن الإنسان القديم بجانب نهر "الغمقة" شرقي مدينة "صافيتا" بين أحضان الطبيعة البكر ليشكل مع تتابع الزمن قرية صغيرة أطلق عليها قرية "بيت طيون"، وهي قرية تشتهر بزراعة بساتين الحمضيات من برتقال وليمون وكروم الزيتون، إضافة إلى زراعة الخضراوات البلدية، وهذا لتوافر مصادر المياه فيها وأهمها الينابيع الدائمة الجريان ومنها نبع "عين قرين"، المصدر الأول لري الحقول الزراعية في المنطقة، إلى جانب بعض الينابيع التي تنبع من سفوح التلال المحيطة به وتدعمه عبر سواقٍ متعددة.
لصغر القرية لم تكثر فيها تسمية العائلات ولكنها تفرعت من بعضها، ومنها "آل حمدان" و"آل خضر" و"آل حمود" و"آل بو حمود" و"آل سليمان"، وتربعت هذه العائلات على مساحة جغرافية لا تزيد على /225/ دونماً
ومن الينابيع الأخرى المعروفة في القرية نبع "عين درويش" الذي ينبع من تلة تقطنها عائلة "آل درويش" ونبع "عين صالح" أيضاً، وبفضل حنكة أبناء القرية وإيمانهم بأهمية المياه لاستمرار حياتهم عملوا على استثمار مختلف الينابيع الصغيرة جداً التي لا يمكن أن تصل مياهها إلى أي حقل زراعي، وأقاموا على منابعها بركاً لتجميع المياه ومن ثم تحويلها إلى الحقول».
وعن موقع القرية الجغرافي قال: «لموقع القرية أهمية تاريخية إلى جانب قرية "المآب" أو المعروفة بقرية "أوبين" وقرية "كرم مغيزل" المجاورتين لها، بوقوعها ضمن منطقة سهلية منبسطة تسمى "الميدان" وهذه المنطقة حصل فيها الكثير من المعارك التاريخية الطاحنة مع الفرنجة والصليبيين عندما قام العرب بتحرير "برج صافيتا"، وقد سالت فيه الكثير من الدماء الزكية الطاهرة التي رفضت الذل والهوان، وما يدل على هذا وجود الكثير من المقابر التاريخية القديمة جداً المحيطة بنا من كل حد وصوب، أضف إلى هذا كانت الجيوش الحمدانية القادمة من مدينة "حلب" لمحاربة الأعداء تنطلق من جوار هذه القبور لقدسيتها بالنسبة لهم ولتكون محفزة لمقاتليها.
ومن هذه المقابر قبور ومقامات "السلاطين" وقبور ومقامات "العجمي" ومنهم الشيخ "محمد العجمي" وهذه التسمية نسبة للمكان البعيد الذي قدم منها هذا المجاهد أي البعيدة عن منطقتنا، ومقامات وقبور "الحلبي" نسبة لمن قدم من مدينة "حلب" أيضاً ومنهم المجاهد "محمد الحلبي" جنوب غرب القرية».
ويتابع الأديب "غانم" في توضيح أهمية القرية وموقعها وفق رأيه: «تأخذ القرية أهمية إضافية بكون أنه على حدودها وحدود قرية "الشماميس" وقرية "عين غليم" يوجد مشروع حيوي هام جداً قائم منذ عدة سنوات يقوم برفع مياه نهر جوفي إلى سطح الأرض لري العديد من القرى والمناطق التابعة لمدينة "صافيتا"، وهذا النهر الجوفي يقع فوق نهر "الغمقة" الموسمي الذي يصب في البحر ضمن مدينة "طرطوس".
وللقرية أهمية جغرافية أخرى تكمن في أنها تقع ضمن نقطة عبور مواصلاتية حيوية هي خط سير قديم جداً حُدث في وقتنا الحالي، ويخترق القرية من الشرق إلى الغرب ويربط محافظة "طرطوس" في الساحل بمحافظة "حماة" في الداخل وبالعكس ومنها إلى بقية المناطق والدول، وهذا الخط أنشئ هنا في المنطقة لسهولة تجهيزه مقارنة مع الجغرافية المحيطة بنا، ويتميز بتقليل مسافة وزمن الوصول عبره إلى الداخل وبالعكس».
وعن حيوية القرية وأعمال أبنائها قال: «لقد لجأ أبناء القرية منذ القدم إلى الأعمال الحرة فكانت نسبة المتعلمين فيها متوسطة، وهو ما دفع بالفئة الشابة إلى الاغتراب خارج القرية وحتى خارج البلد في فترات سابقة، وهذا انعكس على حالة النساء في القرية حيث يمكن تمييز مجموعتين منهن الأولى تكافح وتعمل بتربية الموشي والزراعة لتعيل بيتها والأخرى بقيت على حالها كربة منزل».
وفي لقاء مع المختار "عز الدين خضر" قال: «القرية القديمة تقع على هضبة صغيرة بجوار ضريح الشيخ الشهيد "أحمد العجمي" وإلى جانبه ضريح الشيخ الشهيد "محمد الحزوري" الذي قيل عن لسان القدامى والمسنين في القرية إنه من مؤسسي القرية في الزمن الغابر.
وقد تميزت القرية سابقاً بوجود طاحونة ماء قديمة استخدمها الأهالي لطحن القمح والحصول على الطحين، ولكنها اندثرت في وقتنا الحالي، وكان يوجد أيضاً دولاب لحل الحرير وأماكن لتربية دودة القز، وهي مهن توارثها أبناء القرية عقوداً من الزمن ومن ثم اندثرت.
القرية تتبع تنظيمياً وإدارياً إلى بلديتين الأولى بلدية "الصومعة" ويتبع لها القسم الشمالي من القرية، والثانية بلدية "صافيتا" ويتبع لها القسم الجنوبي منها، ويفصل بين القسمين "نهر الغمقة" الموسمي، وهذا الأمر يشكل هاجساً بالنسبة للأهالي ويتمنون حله وأن تصبح القرية لها تبعية إدارية واحدة. ويتميز مناخ القرية بالمعتدل صيفاً والبارد شتاءً، ويتحكم بهذا المناخ الطبيعة الجغرافية للمنطقة والتلال المحيطة بنا».
وعن حدود القرية يقول المختار "عز الدين": «يحد قرية "بيت طيون" التي يبلغ عدد سكانها حوالي /780/ نسمة، من الجهة الشرقية قرية "الشماميس" وقرية "سنديانة أوبين"، ومن الجهة الشمالية قرية "أوبين"، ومن الجهة الغربية قرية "بيت الخرنوبة" وقرية "الصومعة" وقرية "كرم مغيزل"، ومن الجهة الجنوبية جزء من قرية "كرم مغيزل" وجزء من قرية "أوبين" وجزء من قرية "سنديانة أوبين".
وترتفع القرية عن سطح البحر حوالي /350/ متراً لكوننا في وادٍ مقارنة مع ارتفاع مدينة "صافيتا" الذي يتعدى /500/ متر».
أما عن سبب تسمية القرية "بيت طيون" يقول المختار: «لتسمية القرية بهذا الاسم روايتان تقول الأولى بأنه يكثر في القرية وينتشر نبات بري له فوائد طبية كثيرة يسمى "طيون"، ومنه حصلت القرية على تسميتها.
أما الرواية الثانية فتقول إنه في الزمن الغابر البعيد كانت هذه المنطقة معبراً برياً لسكان الداخل إلى الساحل ومنه إلى الدول المجاورة وبالعكس، وهو ما أطلق عليه طريق الحرير سابقاً، وفي هذه المنطقة بالذات سكن رجل في عام /600/ هجري وبنى منزلاً من الطين على هيئة كوخ وجعل سقفه من نبات الطيون المنتشر في المنطقة، ومن حينها عرفت المنطقة بالنسبة للمسافرين بـ"بيت طيون" أي البيت الطيني، كنقطة علام على هذا المعبر البري الهام».
ويختم المختار حديثه بالتعريف بعائلات القرية فيقول: «لصغر القرية لم تكثر فيها تسمية العائلات ولكنها تفرعت من بعضها، ومنها "آل حمدان" و"آل خضر" و"آل حمود" و"آل بو حمود" و"آل سليمان"، وتربعت هذه العائلات على مساحة جغرافية لا تزيد على /225/ دونماً».