"الفريفور" ودقة الحنطة والبرغل مكونات وجبات تراثية تنتجها ربة المنزل ضمن خلية عمل حقيقة تبدأ بالجاروشة وتنتهي بعملية التدرية مع نسمات الهواء العليلة.
فأغلب المنتجات الريفية الخاصة بالمؤونة الشتوية تصنع بطرق تقليدية بسيطة وخطوات متتالية أهمها "جرش القمح" و"تدرية البرغل"، السيدة "نوال العقيبي" ربة منزل في قرية "بعمرائيل" تحدثنا عن أهم خطوات صناعة المكونات الأساسية لمؤونة الشتاء: «بعد عملية سلق القمح وتشميسه حوالي خمسة عشر يوماً على سطح المنزل، يحين موعد جرش القمح على الطاحونة الكهربائية الحالية، حيث كانت تقوم بهذه العملية سابقاً طاحونة تعمل بقوة الماء، فيكون لها مجرى مائي مجهز ليؤمن حالة سقوط حر للماء من ارتفاع عالٍ كما الشلال على فراشات خشبية مركبة مع بعضها بعضاً في الأسفل مما يؤمن حركة دائرية مستمرة لقطعتين حجريتين متوضعتين إحداهما فوق الأخرى كما الرحى المنزلية الصغيرة، يمكن التحكم بحجم الفراغ فيما بينهما للحصول على أحجام مختلفة لحبة القمح ما بعد تعرضها للطحن.
إن دقة الحنطة من أهم المنتجات التي تسعى ربة المنزل للحصول عليها بعد عملية سلق القمح وتشميسه، حيث تحدد ربة المنزل الكمية المطلوبة والمقدرة بـ"التنكة" أو "جرن الحنطة" وهما بمثابة أوزان تعتمد عليها السيدة، فدقة جرن الحنطة تقدر بوجبة واحدة تكفي العائلة مهما كان عدد أفرادها، وجرن الحنطة هو الأداة الحجرية التي تستخدم لقشر حبة القمح لزوم الطهو
وفي وقتنا الحالي لم تختلف الأمور كثيراً وإنما استعيض عن قوة الماء نتيجة السقوط بقوة الكهرباء، وهذا ما كنا ندركه ونحن صغار.
فبعد حجز الموعد الخاص عند العامل على الجاروشة والحضور على الموعد نتيجة الازدحام الكبير، نقدر الكمية التي نحتاجها من البرغل والبرغل الناعم ونعطي التعليمات للعامل ليبدأ بعملية الطحن، وخلال هذه العملية ينتج بشكل ثانوي ما يعرف بقش البرغل ونستخدمه لصناعة وسائد النوم التقليدية.
وبعد الانتهاء مع عملية الجرش ووضع المنتجات في أكياس خاصة، نسارع بالعودة إلى المنزل لفرش المنتجات على سطح المنزل وتعريضها للهواء وأشعة الشمس خوفاً من تلفها، وهنا نقوم بفصل البرغل الناعم عن البرغل الخشن، وبعد عدة أيام نبدأ بعملية فرز للمنتجات بواسطة عملية التدرية وهي عملية نحتاج فيها إلى نسمات عليلة من الهواء الخفيف لتحمل أصغر حبات البرغل إلى جانب رفاقها التي أحجامها جيدة، وهذه الخطوة لنوعي البرغل الخشن والناعم، حيث نملأ الوعاء بالبرغل ونرفعه إلى اعلى يدينا ونبدأ بهز الوعاء حتى تتساقط حبات البرغل بهدوء تام، فتحمل نسمات الهواء الحبات الصغيرة الخفيفة وتبقي الكبير إلى جانبها، مما يؤدي إلى عملية فرز جيدة ينتج عنها برغل ناعم وخشن وبرغل فريفور».
أما السيدة "نجلاء علي" ربة منزل من قرية "بعمرائيل" فتحدثنا عن دقة الحنطة: «إن دقة الحنطة من أهم المنتجات التي تسعى ربة المنزل للحصول عليها بعد عملية سلق القمح وتشميسه، حيث تحدد ربة المنزل الكمية المطلوبة والمقدرة بـ"التنكة" أو "جرن الحنطة" وهما بمثابة أوزان تعتمد عليها السيدة، فدقة جرن الحنطة تقدر بوجبة واحدة تكفي العائلة مهما كان عدد أفرادها، وجرن الحنطة هو الأداة الحجرية التي تستخدم لقشر حبة القمح لزوم الطهو».
الباحث التراثي "حسن اسماعيل" يحدثنا عن طقوس التعامل الريفي مع سلق القمح بقوله: «يوجد الكثير من المنتجات التي تستخلصها المرأة الريفية من عملية سلق القمح، وتعمل عليها بطرق متعددة للحصول على مكونات أساسية لوجبات تراثية تصنع منها، ولكن هذه المكونات تحتاج في الحقيقة لخطوات متعددة تأتي بعد عملية سلق القمح للحصول عليها وفق طرقها التقليدية، وهي تبدأ من عملية التشميس الجيد لحبات القمح ومن ثم عملية جرشها على الطاحونة المائية سابقاً والكهربائية حالياً، وبعدها عملية التشميس و"تدرية البرغل" التي تعتبر بمثابة عملية فرز للمنتجات وهي الأهم.
ففي القديم كانت الأسرة الريفية تعتمد على منتجات حقلها الزراعي لتأمين مختلف مؤونتها الشتوية التي تعد عصب الاستمرار في الحياة، وخاصة في المناطق الريفية البعيدة حيث الشتاء والبرد القاسي، فكانوا يصنعون مختلف المكونات الأساسية لصناعة الوجبات التي يعتمدون عليها في حياتهم اليومية نتيجة سلق القمح الذي يزرعونه، كدقة الحنطة لصناعة أكلتي "المتبلة" و"الهريسة" والبرغل الناعم لزوم "التبولة" و"الفريفور" لزوم أكلة "المنيقيعة"، وجميعها يحصلون عليها بعملية "جرش القمح" ومن ثم "التدرية" في الوقت المناسب».