طبيعة "القلمون" الزراعية فرضت عليه أن يكون محمية طبيعية يستخرج منها كل مستلزمات الحياة، ولعل منها صناعة غزل الشعر ونسجه.
موقع "eDamascus" وللوقوف على هذه الصناعة التقليدية القديمة التقى السيد "عبد الحميد أحمد" من "القلمون" وهو أحد مقتني ومستخدمي هذه الصناعة: «مازالت لهذه الصناعة مكانة كبيرة لدينا حيث نحصل على الخيم التي تلزمنا من "القلمون" ونسوقها للمناطق الأخرى، وهي ذات مردود كبير لنا وتعبر عن تراث المنطقة وتاريخها الحضاري».
مازالت لهذه الصناعة مكانة كبيرة لدينا حيث نحصل على الخيم التي تلزمنا من "القلمون" ونسوقها للمناطق الأخرى، وهي ذات مردود كبير لنا وتعبر عن تراث المنطقة وتاريخها الحضاري
الباحث "نور الدين عقيل" باحث في التراث يقول: «من أهم مناطق صناعة خيام البدو في بلاد الشام "يبرود، وأريحا، وجسر الشغور"، وقد وجدت صعوبة في تحديد تاريخ هذه الصناعة في "يبرود"، ولكنه من المؤكد أنها تعود لعدة قرون مضت، حيث إن هذه الحرفة تعتبر من أهم وأقدم صناعات المدينة، وكانت تلي حرفة الزراعة من حيث النشاط الاقتصادي لسكان "يبرود".
حيث تعتمد بالدرجة الأولى على المادة الأساسية لها وهي شعر الماعز المحلي أو المستورد كمادة أولية للغزل والنسيج، حيث يقوم حرفيو هذه الصناعة بتوضيب الشعر الخام وغزله ونسجه ليتحول إلى نسيج يصلح أن يكون خياماً لسكان البوادي والصحارى، حيث كانت هذه الخيام تقيهم قر الشتاء وحر الصيف».
وعن مرحلة غزل الشعر يقول: «قبل أن يتم نسج الشعر يجب أن يمر بعدة مراحل وأهمها غسل الشعر الخام بالماء لإزالة ما يعلق به من أتربة أو شوائب ثم نشره وتجفيفه في أشعة الشمس، وثانياً صباغ الشعر بتغطيسه بصباغ أسود مرتفع الحرارة ثم نشله بعد عدة دقائق وإعادة نشره في أشعة الشمس ليجف تماماً ويتم بعد ذلك ندف الشعر بطريقة يدوية تستعمل فيها حبال القنب الرفيعة المشدودة إلى عصا تضرب الشعر فتجعله أقل تماسكاً عما كان ليسهل غزله وبعد عملية الندف يملأ الشعر في جراب يربطه عامل الغزل على خصره من الأمام ليكون في متناول يديه حتى يسهل عليه تلقيم الشعر للمغزل، فيتم غزل شعر السدى بطريقة يدوية وبواسطة مغزل خاص يغزل خيطين في وقت واحد حيث يستعمل العامل كلتا يديه وبعد أن يغزل العامل الخيطين الأولين يربطهما معا ليلتفا ويشكلا خيطاً مزدوجاً متيناً، فيغزل العامل حوالي خمسة كيلو غرامات من الشعر يومياً، كما يتم غزل الشعر الناعم والقصير والذي يسمى "شعر الكنبك" على دولاب غزل يدوي صغير يدعى "دولاب الكنبك" وتعمل عليه النساء خاصة وهن جالسات على الأرض أمامه، وهنا تستطيع المرأة الماهرة أن تغزل يومياً حوالي ثلاثة كيلوغرامات من شعر "الكنبك"، وعندما يتم غزل شعر السدى واللحمة ينتقل إلى مرحلة نسج خيوط الشعر».
وعن حياكة أو نسج الشعر تقول السيدة "فاطمة أحمد" من "القلمون": «هذه المرحلة تلي مرحلة غزل الشعر، حيث يقوم عامل الحياكة أولاً بفرد خيوط الشعر على آلة قديمة تسمى "النول" ويصنع النول من الخشب القاسي وهو أشبه بنول صناعة السجاد اليدوي، حيث إن فرد خيوط الشعر على النول والقلاب يكون بحسب طول "الشقة" وعرضها، ويمكن أن تقسم أطوال الشقة إلى ما يلي: شقة بطول 12 متراً تقريباً ويطلق عليها اسم ثلاثينية أي بطول ثلاثين قدماً تقريباً، شقة بطول 16 متراً ويطلق عليها اسم أربعينية أي بطول أربعين قدماً، وشقة بطول 20 متراً ويطلق عليها اسم خمسينية أي بطول خمسين قدماً».
أما عن أهم الأدوات المستخدمة في هذه الصناعة فيخبرنا الأستاذ "نور الدين عقيل": «هناك "المشط" ويكون مصنوعاً من الحديد ويتراوح وزنه ما بين 4-8 كغ تقريباً ومهمته رص خيط اللحمة مع خيوط السداة، أما "السيف" فيصنع من الخشب القاسي ويتراوح طوله من 80 سم إلى متر تقريباً ومهمته فرد خيوط السداة ليستطيع العامل إدخال قضيب اللحمة، و"الكابس" عمله إبعاد خيوط السداة بعضها عن بعض ليتمكن العامل من إدخال السيف بين الخيوط وتهيئة إدخال اللحمة من جديد ورصها بالمشط، و"الشوكة" هي قطعة خشبية قصيرة مدببة الرأس لا يزيد طولها على 15 سم وتسمى "الخلال" ويمررها الحائك على خيوط السداة لفصل الخيوط والشعرات عن بعضها.
وقد وصف لنا أحد الشعراء واسمه "دريد بن الصمة" سقوط الرماح والسهام على أخيه الشجاع في ساعة المعركة بشوكة الحائك التي تسقط على خيوط الشعر حيث قال:
"غداة دعاني والرماح تنوشه كوقع الصياصي في النسيج الممدد".
أما "القانونة" فهي اسطوانة معدنية وتوضع على فخذي النول وتلف عليها خيوط النيرة مرتبطة بنصف خيوط السداة، وعملها جعل خيوط السداة متخالفة، في حين تأتي "قضبان اللف" وهي عيدان من الخشب تلف عليها خيوط اللحمة وهي أشبه بالمكوك بالنسبة إلى الصناعات النسيجية الحديثة، أما "خيط النيرة" فهو خيط من القطن يلتف حول القانونة ومهمته أن يتخلل خيوط السداة ويخالفها مع بعضها، وتأتي مهمة "الشمع العسلي" حيث يمرر على الكابس والسيف بين الحين والحين لتسهيل فصل خيوط السداة عن بعضها».
وعن فوائد هذه الصناعة التقليدية القديمة يقول الباحث نور الدين عقيل": «إن أهل البادية لا يسكنون إلا في بيوت الشعر لأنها تتلاءم مع البيئة التي يعيشون فيها ويتم تصنيع هذه البيوت بتجميع عدد من الشقق المنسوجة وزركشتها بألوان متعددة تناسب الذوق، ويتم نصبها أو رفعها على أعمدة من الخشب، إن هذه البيوت دافئة شتاءً وباردة صيفاً، لذلك فضلها أهل البادية».
عن المشغل وهو مكان النسج يقول: «مشغل غزل ونسج الشعر عبارة عن بناء بطول حوالي خمسة وعشرين متراً تقريباً وعرض يتراوح بين أربعة إلى خمسة أمتار وسقفه يرتفع حوالي ثلاثة أمتار ونصف، محمول على عدة أقواس حجرية، ويحتوي هذا المشغل على نول الحياكة الذي يثبت في مقدمة البناء ومغزلين أو ثلاثة مغازل لشعر السدى يعمل عليها الغزالون، حيث تثبت هذه المغازل في صدر البناء ويعقد عامل الغزل مقدمة الخيط الذي يغزله فيه وبإمكانه أن يذهب ويأتي من صدر المشغل إلى مقدمته وهو يقوم بعملية غزل خيوط الشعر».