إنه لتلاق غريب من نوعه حقاً، هندسة، فيزياء ومركبات فضائية من جهة، و"يا رجائي"، "يا أم المحرمة"، و"رشرش حبك يا جميل" من جهة أخرى. فِكره في الفن هو من أوصله إلى ما هو عليه اليوم وإيمانه ببلده وغيرته عليها لم يسمحا له بنسيانها. هو الأستاذ المهندس "فتحي الجراح" الذي نشأ من عائلة تتنفس الفن وتقدسه ليوازي بخطاه الفنية مسيرة عائلته.

فوالده المحامي الأستاذ "نجدت الجراح" هاوٍ قديم للطرب ومستمع نهم للموسيقا. وأعمامه وعماته عازفون لكنهم ليسوا محترفين ومن "السميعة الحلبية" أيضاً. وإخوته: "حلمي" عازف على آلة الكمان ومقيم في كندا. و"فهمي" عزف على آلة "الأكورديون" فترة زمنية لا بأس بها. وأخته الراحلة "جيداء" كانت تعزف على آلتي "العود" و"البيانو" وكانت مدرّسة في معهد إعداد المدرسين "قسم التربية الموسيقية" ومن تحت أيديها تخرج كثير من أساتذة الموسيقا في مدارسنا اليوم. وجميع الإخوة خريجو المعهد العربي للموسيقا بحلب.

بدأت بتعلم الموسيقا في مراحل مبكرة جداً من حياتي بحكم أنها ملازمة للأهل وهي الحديث اليومي الشاغل بعد الدراسة، ولذلك لا أدري فعلاً متى وكيف بدأت؟. لقد كنت أتخيل أن الموسيقا شيء بديهي وتعلمها مفروض على الجميع. نعم إلى هذه الدرجة كان تعلقنا بها قوياً وشديداً. لكني أذكر أني بدأت بتعلم العزف على آلة "الكمان الغربي" في المعهد العربي للموسيقا عند الأساتذة "أواديس مانوكيان"، "رياض القدسي"، "نجمي السكري" والخبير "جورجي خوجايير" لكني لم أجد نفسي في الموسيقا الغربية وأحسست أن لدي ما أقوله ولا تستطيع أنصاف الأبعاد الغربية استيعابه وترجمته، فعكفت على الموسيقا الشرقية بشكل شخصي ونظراً لغياب منهاج تعليم الكمان الشرقي حتى اليوم بدأت بتعلمه منفرداً مع "العود" في آن معاً مستفيداً من خبرتي في العزف الغربي

وخلال الإجازة التي كان يقضيها في سورية التقى موقع eSyria الأستاذ "فتحي" ليحدثنا ويعرفنا ببداياته. يقول: «بدأت بتعلم الموسيقا في مراحل مبكرة جداً من حياتي بحكم أنها ملازمة للأهل وهي الحديث اليومي الشاغل بعد الدراسة، ولذلك لا أدري فعلاً متى وكيف بدأت؟. لقد كنت أتخيل أن الموسيقا شيء بديهي وتعلمها مفروض على الجميع. نعم إلى هذه الدرجة كان تعلقنا بها قوياً وشديداً. لكني أذكر أني بدأت بتعلم العزف على آلة "الكمان الغربي" في المعهد العربي للموسيقا عند الأساتذة "أواديس مانوكيان"، "رياض القدسي"، "نجمي السكري" والخبير "جورجي خوجايير" لكني لم أجد نفسي في الموسيقا الغربية وأحسست أن لدي ما أقوله ولا تستطيع أنصاف الأبعاد الغربية استيعابه وترجمته، فعكفت على الموسيقا الشرقية بشكل شخصي ونظراً لغياب منهاج تعليم الكمان الشرقي حتى اليوم بدأت بتعلمه منفرداً مع "العود" في آن معاً مستفيداً من خبرتي في العزف الغربي».

فتحي الجراح في منزله

تابع "الجراح" تطوير نفسه والعمل على إغناء مخزونه الفكري، حتى انتسب لنادي "شباب العروبة" وهناك التقى فناني "حلب" والرباعي الغنائي المعروف الأقوى آنذاك. فتسلم الإدارة الفنية للنادي في عام /1980/ وقاد فرقة الكورال التي أنشأها المرحوم "عبد القادر حجار". وتعرف أيضاً على الأستاذ المرحوم "أنطوان مبيض" الذي يعترف أنه من أهم الناس الذين صاغوا فكره الموسيقي. ذلك ما وسع حلقة معارفه في الوسط الفني وانتقل بعد ذلك نحو التجارب التلحينية.

وعن نظريته في التلحين وأهم ما لحنه يتابع الأستاذ "فتحي" قائلاً: «إن عملية التلحين هي "فكر" قبل أن تكون إبداعاً، وهي طريقة مختلفة للتفكير بعيدة عن السائد والمطروق. فالصبر فيها شيء أساسي لتتمكن بعده من أن تضع بصمة لنفسك تحفظها الأيام. أضف إلى ذلك فإنه يجب أنت تكون فناناً في كل شيء قبل أن تكون موسيقياً، بمعنى أن تعالج الأمور بوجهة نظر فنية وجمالية. هذه هي نظرتي الشخصية في الفن عموماً. واعتماداً عليها نظرت إلى الساحة الفنية ووجدت عدة مشاكل وحلقات مفقودة. أولها أن معظم الملحنين في تلك الفترة كانوا قد تأثروا بالخط المصري وأخذوا يبتعدون عن اللون السوري، وثانيها أن الشعب السوري بشكل عام والحلبي منه خاصة معتاد على سماع ما هو أصيل فقط دون سواه ما أدى بنا إلى الاقتصار على ما كان دارجاً حينذاك من أغانٍ تراثية قديمة والركود وعدم التجديد. فرأيت أن الأصح لمعالجة هذا الوضع هو محاولة إيجاد شيء جديد لكن بروح القدم والعراقة. وفعلاً كان أن تعاونت مع الفنان "شادي جميل" حيث التقيته في كندا حيث كنت أكمل دراستي للفيزياء وقدمت له عدة أغان مثل "يا أم المحرمة"، "رشرش حبك"، "قالولا لونك أسمر"، "سلطان العاشقين"، "يا حبيب" وهي من كلماتي وألحاني. وبعضها كتب كلماتها الشاعر "عمر البابا" مثل "سلطان زماني"، "عايل"، "اسمك يا شهبا" وغير ذلك الكثير من الأغاني. واليوم نسبة كبيرة من الشعب لا تعرف أن هذه الأغاني لا تنتمي للتراث، وعلى هذا الأساس تجدونها اليوم تطلب من كبار المطربين بوصفها موروثاً فنياً. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عراقة فكرنا كشعب عربي سوري وعلى ضرورة الاستفادة من التاريخ والفلكلور لكن بشكل يبعدنا عن الجمود والرجوع السلبي إلى الخلف».

فتحي الجراح

كانت تلك التجارب أولى ما قدمه "فتحي الجراح"، وتتالت بعدها الأغاني إذ قدم للفنان "نهاد نجار" أغاني: "رسالة من الجنة"، "بياع حب"، "غصب عني". ولصديق الطفولة الأستاذ "نور مهنا" قدم "يا ليالي"، "أم الشهيد"، "ظلم البشر"، "لما الحبيب حكم علينا"، ومن كلمات الدكتور "مانع سعيد العتيبي" لحن له أغنية "مشيب الأيام". كما لحن أيضاً للفنان "مصطفى هلال" أغنية "شيخ المشايخ"، وللفنان "سمير جركس" عدداً كبيراً من الأغاني نذكر منها: "قومي ورجيني على طولك"، "يا زارع الريحان"، "مالي مالي"، "يا خاطف قلبي وليفك". وأيضاً للفنانة "أمل عرفة" لحن أغنية "بلاك". كما لحن للفنانة "ميادة بسيليس" أغان عدة منها: "الله يخليك"، "يا رجائي"، "يا نديمي"، "الله عليك". وكان له تعاون مع المطرب "وديع مراد" فقدم له مجموعة أغانٍ مدمجة "كوكتيل من تراث الجزيرة السورية". ومن نوع مختلف قدم للفنان "محمد خير الجراح" مجموعة أغان نقدية توجيهية. أما بالنسبة لآخر النشاطات فهناك مشاريع تعاون قائمة مع المطرب "مهند مشلح" والمطربة "ناديا جميل" كما شارك في فرقة "فن وبس" وقدم أغنية ناقدة أيضاً بعنوان "لا تظن حالك بالسما" وهي من كلماته وألحانه.

ومن وجهة نظر فنية موسيقية لا بد أن يكون للأستاذ "فتحي" رأي بالغناء العربي اليوم وما آلت إليه "الساحة الفنية" يقول حيال ذلك: «بصريح العبارة لا شأن لي فيما يدعى اليوم "الساحة الفنية العربية" لأن الكلام أصبح فيها مباحاً للجميع وما سأقوله معروف ومطروق. لكن اهتمامي الأكبر يكون بالحالة الفنية في سورية. وأقول باختصار إننا بحاجة فعلية لوجود شركات الإنتاج الغنائية أسوة بالدرامية. وهنا لابد من توجيه الشكر للدراما السورية بشكل عام لأنها روجت للّهجة السورية التي كادت تنسى في العالم العربي. والدراما السورية ما كانت لتنطلق بهذا الشكل الكبير لولا وجود شركات الإنتاج الداعمة والمسوقة لأعمالها - طبعاً دون إغفال أهمية نجومنا الدراميين ومواهبهم الكبيرة- فالدعم الإعلامي اليوم يتمتع بسطوة كبيرة في كل النواحي. أضف إلى ذلك الغياب الملحوظ لبرامج المسابقات للموهوبين. فماذا ينقصنا في سورية كي نطلق نجومنا -على الأقل- من بلدهم بدلاً من أن ينطلقوا من بلدان أخرى وبعقود احتكار ظالمة؟. إن غياب كل هذه الأمور أدى إلى قلة المبادرات الشعرية واللحنية المقدمة للفنانين وبالتالي اتجاه معظمهم لغناء ألوان غناء عربية أخرى. أو الانجراف مع التيار الفني الفضائي الذي يعتمد فقط على صورة المغني ويغفل ما تبقى. فالكلمة واللحن هما عماد العمل الفني قبل الصوت الجميل ووجود الأغنية واستمرارها مرتبط بجودة الكلام وجمال اللحن، وهذا لن يتحقق قبل أن يقدم الدعم الجاد لصناعة الأغنية السورية».

وهو يعزف على الكمان

ومن الجدير ذكره أن الأستاذ "فتحي" سبق أن تعاون مع الباحث الأستاذ "نوري اسكندر" في تجربة تكللت بالنجاح لجمع التراث السرياني وتسجيل خمس عشرة ساعة مما تم جمعه، وهذه التسجيلات موجودة اليوم في الفاتيكان. ويقول إن الترابط الذي وجده بين السريانية والعربية- وخاصة السورية منها- عزز إيمانه بعراقة المدرسة السورية في الفن وثبت أقدامه لخدمة اللون السوري الذي يأمل أن تتطور أموره ويأخذ مكانه الحقيقي في العالم العربي.

بقي أن نذكر أن الأستاذ "فتحي" من مواليد مدينة "حلب" عام /1961/. وهو خريج هندسة فيزيائية، ويعمل في شركة "لورال" لهندسة وصناعة المركبات الفضائية والأقمار الصناعية. متزوج وأب لطفلين هما "جوليان" وعمره تسع سنوات و"أوراين" ومعنى اسمه "نجم سهيل" عمره أحد عشر عاماً، والطفلان عازفان على آلة البيانو. مقيم في أميركا، وإضافة لتمتعه بالجنسية العربية السورية فهو يحمل الجنسيتين الأميركية والكندية أيضاً. لكنه يقول إنه مرتبط بوطنه ارتباطاً وثيقاً جداً ولا يستطيع المكوث في أميركا لمدة طويلة فلا بد أن يزور وطنه ومدينته التي نشأ فيها ويلتقي فيها أهله وأصدقاءه القدامى الذين لا يفارقون ذاكرته أبداً.