تميز المجتمع البدوي عن بقية المجتمعات، بعاداته وتقاليده في كافة مناحي الحياة، والتي أعطته صبغةً خاصة استمدها من بيئة البادية، ومنها ما يخص أعراسهم وأفراحهم.
وللوقوف على أهم العادات والتقاليد التي تتمحور في زواج أهل البادية، التقى esyria السيد "محمد الشمري " من عشيرة "شمر" حيث قال:
يقدم أفراد القبيلة "العنية" للعريس وهي مايعرف "بالنقوط"، ويقدمها كل واحد حسب قدرته"خروف، نعجة أو أكثر من خروف ونعجة، ومن العنيّة قد يتشكل لدى العريس قطيع غنم يعوضه عما قدمه من أجل عرسه وقد يزيد
«الزواج عندنا نحن البدو أمر بسيط ولا يحتاج إلى تعقيدات، ولهذا الزواج عادات وتقاليد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، والذين استمدوها من بيئة البادية، وحافظوا عليها وتميزوا بها عن أهل المدينة والريف، ومحافظين من خلالها على أهم شيء في حياتهم ألا وهي وعودهم التي يقطعونها، وعندنا مقولة مفادها "الرجّال ينمسك من لسانه"، وهذا يخص أيضاً العهود والوعود التي تتعلق بالزواج».
ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن زواج أهالي البادية، التقينا الباحث والأديب "عبد العزيز دروبي" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بـ"دير الزور"، والذي بدأ حديثه معنا بالقول:
«قديماً كان الحيار والعم وابن العم سلطة لاتقهر، وفي ذلك الزمان كانت الفتاة تُزوج لمن يرتضيه أهلها لها، وأخص أباها وتُكره ُعلى الزواج من رجل لا تعرف عنه شيئاً، ولا رأي لها فيه، وقد تحيرّ لابن عمها الذي ربما كان يحبو أو ولداً في سنوات عمره الأولى، وتبقى في الحيار تنتظره حتى يكبر لتتزوجه وقد تشيب أو يدركها الموت قبل أن يبلغ هذا مرحلة الشباب ولا يستطيع أبوها أو إخوتها الحيلولة دون هذا الحيار، بل يكونوا في أغلب الأحيان يؤيدون هذه العادة».
وأضاف:
«كانت فتاة الأمس البدوية أمرها بيد ولي أمرها، أما فتاة اليوم فلا يجبرها أحد على الزواج، ولم يعد ابن العم عائقاً أمامها في الزواج، ولم يعد يملك حق حيارها، فهي تختار من رسمت شخصيته في ذهنها، وهي ككل فتاة تهوى وتعشق وينبض قلبها بالحب ويخفق قلبها لمن تهوى، والمتداول اليوم بين أولياء أمور الفتيات هو ألاّ يجبر أحد ابنته أو يكرهها على زواج لا يتفق ورغبتها».
وتابع "الدروبي" قائلاً:
«وإذا تقدم فتى من البداوة لخطبة فتاة من أبيها، فإن أباها لا يقطع أمراً بشأن زواجها بل يطلب إليه أن يراها هي ويكلمها فيقول له "ياولد انهج وشوفها، وكلمها من راسك لراسها، ترى الشور شورها والكول كولها"، فإن وجدتها تبغاك، أنا ما عندي مانع" فيفعل هذا بتوجيه أبيها ويكلمها، وقد توافق أو لاتوافق، وقد يتكرر الخطباء عليها فلا توافق على أحد منهم».
وهناك مواصفات محددة في فتى الأحلام، أفادنا عنها بقوله:
«الفتاة البدوية توافق على من أحسّت بميل إليه ويخفق قلبها له، ويكون ضمن المواصفات التي اعتمدها، وهي تريد أن يكون زوجها رجل اجتمعت فيه صفات الرجولة والشجاعة والكرم والشهامة، فتىً يرضي غرورها ويلبي طموحها وتحسب له الرجال حساباً، والفتاة البدوية اليوم لا حرج لديها إن اكتشف أبوها وأهلها أمر هواها ومن تهوى، بل ولا يضيرها إن عرفت القبيلة كلها بأمر هواها».
وأضاف: «ويقال في الفتاة البدوية شعر الغزل وهذا مايزيدها اعتداداً بنفسها ويقيناً بأنها أجمل بنات الديرة، وأنّ الفتيان يتنافسون عليها لحسنها وجمالها، وُيغبط من توافق له على الزواج منها وُيعتبر محظوظاً، وتحبّذ الفتاة البدوية أن يفهم ولي أمرها ميلها وهواها، ويتفهم مواصفات من تريده زوجاً لها وشريكاً لحياتها، وتكره أن يُرسَل لها من الخطباء ما هبّ ودب، وعن هذا عبرَّت فتاة مات أبوها وآلتْ كفالتها لعّمها واسمه "عناكه" بأبيات شعر أرسلتها له تقول فيها: يا رِاجِبٍ فوكْ لحّاكــه / حَمرا تِكِلْ واشعهْ دمِّ/ إسْلمْ وْسَلمْ على عناكه ْ / ألّلاشْ لا يِرْسِلَهْ يمِّي/ حَلَفْتْ أنا ما خْذَ العاكهْ/ لو آكلَ الخُبزْعِنْد أمّي/ أريدْ أنا حاميَ السّاكـه ْ/ لا زَرْفلْ الجيشْ والتّمّي ».
والفتاة البدوية تلمح لمن تهواه وتميل إليه نفسها، حيث قال في بهذا الخصوص: «ويحصل أن يميل قلب فتاة إلى فتىً، وتحسُّ بميل منه نحوها، أو تعتقد ذلك، فيطول انتظارها ولا يتقدم لخطبتها أو تلمس منه عدم اهتمام بها، فتذكرة بنفسها وبهواها له ببعض أبيات من الشعر: لْْيا مِتى راحَتْ حياتي وأنا أرْجيكْ / الله لا يْضيَّع رِجَنْ بِكْ رِجيتهْ / إنْ كانْ تِبْغيني مِثِلْ ماني باغيكْ/ لزومْ تاطا بالوعَرْ ما وَطيتَهْ / وإنْ كانْ حالْ الياسْ دونَ الرِّجا فيكْ/ أكَولْ ذا ذنْبٍ لِنفسي جِيتهْ».
ومهر الفتاة البدوية يختلف عن قريناتها من بنات المدن والريف، وفي هذا المحور قال: «الفتاة البدوية غالٍ مهرها، وفي السابق كان المهر حلالاً من "غنم، إبل" يضاف إليه "فرس" و"بارودة" أما في وقتنا الحاضر فإن المهر مال وقد يكون في بعض الأحيان مالاً وحلالاً، وتتم خطوبة الفتاة من قبل والد الخاطب بمفرده أو يصطحب معه شخص آخر أو اثنين لا أكثر، ويقدم المهر ويحدد يوم الزفاف وكل ذلك باللسان دون الورق وقد يأتي الورق لاحقاً».
وللزفاف عند البدو طقوس خاصة أصبحت علامة فارقة انفردوا بها عن بقية المجتمعات، حيث قال: «في يوم الزفاف تنحر الذبائح وتدعى القبيلة وتقدم الولائم، وبعد أن يتناول المدعوون الطعام تُزف العروس وفي وضح النهار، وتقام الدبكات وتعم الأفراح.
وقبل عقود كان الزفاف على الجمل وبالهودج ويزين الجمل ويزخرف الهودج ليليق بالعروس، ويرافق العروس عدد من فتيان القبيلة وفرسانها على ظهور الخيل، ويقومون بمهارات و ألعاب فروسية طوال المسير، ويحمل"زهاب العروس" أي "جهازها " عدد من الجمال، والعريس ينتظر عروسه بين أهله، وأما زفافها اليوم فيتم بالسيارات».
وأضاف بقوله: «وشهر العسل الذي يقضيه أبن المدينة في فندق بمدينة غير مدينته، بديله في البادية ثلاثة أيام في بيت الشعر الذي يسمى"البْراز"، والبْراز يبنى خصيصاً للعروسين في مكان متطرف وبعيداً عن النزل بعض الشيء، ومما يجدر ذكره هنا هو أن فتيان القبيلة بعد أن يعرفوا معشوقة ابن قبيلتهم يحترمونه ويتركونها له، فلا يتقدم أحد منهم لخطبتها أو يسعى لاستمالة قلبها، إلا إذا رغبت هي عنه، فعندها يتقدم من يجد نفسه كفءً لها».
ويحتفل أبناء البادية بالعروسين على طريقتهم الخاصة حيث قال: «يعقد البدو الدبكات التي تقام في مناسبة العرس وهي ثلاث أنواع، لكن أشهرها وأكثرها ذيوعا صيت هي ما تعرف بالدحّة، وبهذه الدبكة يشترك الرجال فقط وأمامهم شاعر يمتدح الناس، ومن ثم ينزل أمام الدحّة متبازران هما فتاة بيدها سيف، وفتى يرتدي عباءة وبدون سلاح، ويبدأ الفتى يتمايل ويحرك عباءته أمام الفتاة بحركات تربكها وهي تؤدي بالسيف حركات رشيقة وسريعة وهدف الفتى نهب عصابة رأسها وهدفها هي نزع عقاله بالسيف عن رأسه، وتشتد الدحة، ويحمى وطيس المبارزة ويعلو تصفيق المشاركين بالدحة ويزداد حماسهم وهم يرددون:إدَّحْ يو...إدَّحْ يو....إدَّحْ يو...."وأظن أن تسمية الدبكة بالدحة أتٍ من هذه العبارة التي يرددونها"، وتستمر الدحة بحماستها إلى أن يتمكن أحد المتبارزيْن من تحقيق هدفه فإمّا يُنزع العقال من رأس الرجل، وإما أن تُنهب العصابة من رأس المرأة، وعند ذلك تتوقف الدحةْ».
هناك هدية تقدم للعروسين والغاية منها تعويضه عن الخسائر التي تكبدها أثناء زواجه، والتي تحدث عنها بقوله: «يقدم أفراد القبيلة "العنية" للعريس وهي مايعرف "بالنقوط"، ويقدمها كل واحد حسب قدرته"خروف، نعجة أو أكثر من خروف ونعجة، ومن العنيّة قد يتشكل لدى العريس قطيع غنم يعوضه عما قدمه من أجل عرسه وقد يزيد».
وفي البادية هناك نوع من الزواج يسمى زواج "البٍدلة" أو "البدائل" أوضحه لنا بقوله:«وفي البادية زواج يعرف بزواج البدائل، وهو أن يتفق اثنان على تزويج كل منهما أخته للآخر وبدون مهر-"واحدة مقابل واحدة"- وهذا الزواج عرفته الأرياف، وأيضاً عرفته المدينة في أزمنة سابقة، ووفاة إحداهن لا يبيح للمترمّلِِ المطالبة بمهر عن أخته التي مازالت على قيد الحياة ليتزوج به، بل يتحمل هو نفسه التكاليف إن تزوج من جديد».
السيد" عبد الله الحامد" من قبيلة العنزة قال:
«الزواج عند البدو من الأمور الأساسية، وهو أبسط مايكون وغير معقد، ودائماً مايتم تزويج الفتية بسن مبكرة، لأن الحياة بسيطة ولا تتطلب التعقيد كما في المدينة أو الريف، حيث أن البدوي يعتمد في رزقه على المواشي، وبيته المصنوع من الشعر صنعه بسيط ولا يكلف مبالغ باهظة».