عيد "البربارة" أحد الأعياد التي يحتفل بها أبناء وطننا العزيز سورية، وهو عيد متوارث منذ القدم ، ويصادف الاحتفال به يوم الرابع من كانون الأول من كل عام، وذلك بإعداد مأكولات خاصة وارتداء أزياء تنكرية والخروج للشارع من اجل إقامة الاحتفالات، ومن أجل إلقاء مزيد من الضوء على هذا العيد ومعناه ومغزاه، كانت لنا هذه اللقاء التي كانت محطتنا الأولى فيها مع "جميلة يوسف" التي حدثتنا عن مأكولات عيد "البربارة" فقالت: «جرت العادة في هذا اليوم إن نقوم بسلق القمح ويجهز في ليلة العيد، حيث تكون ربة البيت قد سلقت القمح ويقدم مساء لأفراد العائلة محلى بالسكر والقرفة واللوز والجوز والزبيب والملبس والصنوبر وماء الزهر، و ويوضع في أنية صغيرة ويوزع، كما يتم أيضاً زراعة كمية صغيرة من القمح فوق قطن مبلّل بالماء في صحن ليكون نابتاً في عيد الميلاد، حيث يرمز القمح المسلوق إلى الابتهاج والفرح بانتصار هذه القديسة ، وتفسير وجود هذه الأكلة إن بربارة إثناء هربها من وجه والدها دخلت حقلا مزروعا بالقمح فللحال طالت سنابله والتفت عليها وغطتها وحالت دون نجاح والدها في العثور عليها مده من الزمن».

وعن مغزى التنكر في هذا العيد حدثتنا "عايدة ايليا": «جرت العادة بأن يلبس الأطفال في عيد القديسة بربارة الأقنعة، إشارة إلى رؤيتها يسوع الطفل، وينفرد في هذا العيد بتقاليد خاصة، تبدأ في الليلة السابقة أي في ليلة 3 كانون الأول إذ يخرج شباب المالكية وفتياتها والأطفال مساءً في أزياء تنكرية جميلة، ويطوفون الشوارع راقصين مبتهجين، كما تقام الحفلات الموسيقية التي يقبل على المشاركة فيها أبناء "المالكية"».

معلمتنا اليوم حدثتنا عن القديسة بربارة وانا أرتدي اليوم زي الزهرة وامي قامت بتلوين وجهي وسأخرج مع رفاقي في الصف لنشارك في السير في شوارع "المالكية"

وقبل أن ننهي حديثنا ببراءة الأطفال المعهودة قالت "غريتا عبد الله" ذات الأربع سنوات التي استعدت للعيد: «معلمتنا اليوم حدثتنا عن القديسة بربارة وانا أرتدي اليوم زي الزهرة وامي قامت بتلوين وجهي وسأخرج مع رفاقي في الصف لنشارك في السير في شوارع "المالكية"».

جميلة يوسف

أما ختام حديثنا فكان مع الأب "مراد مراد" راعي كنيسة "مارت شموني" للسريان الأرثوذكس بالمالكية الذي حدثنا قائلاً: «أجمعت الكنائس الرسولية عامة والمشرقية منها خاصة على تكريم القديسة بربارة في 4/12، والتشفع لها وذلك تخليداً لذكرى هذه القديسة التي استشهدت عام 235 إبان الإضهاد السابع الذي أثاره الإمبراطور "مكسيمانس الغوثي" ضد المسيحية، لا نعرف تماماً تاريخ استشهاد القديسة بربارة ولا مكان استشهادها، بعض المصادر يجعل ذلك في "مصر" أو "روما" أو "توسكانا" "إيطاليا" أو آسيا الصغرى أو سواها، وفي تاريخ يتراوح بين العامين 235 و313 للميلاد، والرواية التي تناقلتها الأجيال عنها تفيد بأنها كانت ابنة رجل وثني متعصّب ذي ثروة ومجد وجاه، اسمه "ديوسقوروس"، وإذ كانت بربارة جميلة الطلعة فقد غار عليها أبوها من العيون، فأقفل عليها في قصره وجعل لها كل ما تحتاج إليه وما يسليها، وبتدبير من الله التقت بربارة من بشّرها بالمسيح فآمنت به ونذرت له بتولية نفسها لكي لا تلهو عنه بعريس أرضي أو تُفرض عليها الوثنية فرضاً تحت ستر الزواج، فلما اكتشف أبوها أنها قد صارت مسيحية جنّ جنونه وأسلمها إلى "مرقيانوس" الحاكم، حاول "مرقيانوس" باللطف أولاً، أن يستعيد بربارة إلى الوثنية فخاب قصده، وإذ تهددها وتوعّدها لم تتزحزح عن رأيها، فأسلمها إلى عذابات مرّة، جلداً وتمزيقاً بالحديد وسجناً فلم يلق غير الفشل نصيباً، إذ ذاك أسلمها إلى الموت، وقد أبى والدها بعدما امتلأ حماقة وغيظاً، إلا أن يكون هو نفسه جلادها فقطع رأسها بالسيف».

ويضيف الأب "مراد": «وقد ارتبط باسم الشهيدة "بربارة" اليوم اسم شهيدة أخرى هي "يوليانا"، التي لما تأملت في الميدان الرهيب الشهيدة المجيدة بربارة مجاهدة بالجلد والتعذيب المتنوعة وقد تقطع جسدها بجملته تحرّك قلبها، وكانت وثنية فتقدمت واعترفت بأنها هي أيضاً للمسيح فقبض عليها الجنود وعذّبوها حتى الموت فحظيت بإكليل الشهادة، وللقديسة بربارة إكرام مميّز في الشرق والغرب معاً، الكل يعيّد لها اليوم، وقد شاع إكرامها منذ القرن الثامن أو التاسع للميلاد بعدما بانت سيرتها كما نألفها اليوم في القرن السابع، والقديسة الشهيدة بربارة شفيعة الذين في الشدائد والأخطار، ويستجير بها المعرّضون لخطر الصواعق، ربما لأن أباها كما جاء في خبرها قتلته صاعقة إذ قفل راجعاً إلى بيته بعدما فتك بابنته، كذلك يستعين بالقديسة بربارة ذوو المهن الخطرة كفرق المدفعية في الجيش، وصنّاع الأسلحة وعمّال المناجم والبناؤون والنجّارون كما بنيت كنائس كثرة على اسم القديسة بربارة واتخذت اسمها مدن عدّة، و بالنسبة لرفاتها يذكر البطريرك "مكاريوس" الزعيم أن جسدها نقله الملوك المسيحيون من بعلبك إلى مدينة القسطنطينية، وأن الرفات موجودة في دير القديس "ميخائيل" خارج مدينة "كييف"، وأن جسدها باق على حاله ناقص منه بعض الأعضاء، ويقول إنه شاهد الرفات هناك وتبرّك بها».

عايدة ايليا
الاب مراد مراد