"الغميضة، والزقطة، وشد الحبل"، ألعاب قديمة للبنات في جبل العرب، وما تزال مستمرة حتى وقتنا الحالي، فهي تحمل بمضمونها الألفة والمحبة والتكاتف، فأصبحت جزءاً من منظومة العادات والتقاليد لألعاب خاصة بالبنات.

عرفت الألعاب منذ القدم بأنها حالة ترفيهية التي تقضي بها البنات أوقاتهن لتفريغ طاقتهن مع بنات حيّهن يلعبن مع رفيقات لهن ويتمتعن بأوقاتهن، ظلت تلك الألعاب ترافقهن لوقت لاحق، إذ إن كثيراً منهن يلعبن بألعاب أصبحت في سجل الذاكرة الجميلة مثل "الغميضة والزقطة" على حد قول الباحث "فوزات رزق" لموقع eSwueda حيث أوضح ماهية تلك الألعاب بالقول:

من خلال تلك الألعاب التي استمرت مع الزمن، وأوجدت نفسها تطرح أفكاراً جديدة حاملة للقيم والمثل الاجتماعية، واستفسارات إنسانية حين يطرح السؤال نفسه، كيف لألعاب الأطفال أن تخلق نوعاً من العلاقات الثقافية الاجتماعية؟.. وتكون براءة الفتيات الصغيرات وحبهن للحياة الجواب على جعل كل ألعابهن عاملاً وحافزاً لتوطيد تلك العلاقات، من جهة والأهم أن الألعاب نفسها نابعة من حالة إبداعية ذات طابع محلي، فكانت عاملاً مهماً في التواصل

«لعبة "الغميضة" التي شكلت حالة اجتماعية في مجتمع البنات حيث تقف الفتيات على شكل دائرة وفي الوسط تقف إحداهن وقد عصبت عينيها، تمسك الفتيات أحجاراً صغيرة، كل واحدة بحجرين، يبدأ اللعب بأن تضرب إحداهن الحجرين أحدهما بالآخر وتتجه المعصوبة باتجاه الصوت لتمسك بصاحبته وما إن تقترب حتى تضرب الحجرين فتاة ثانية فثالثة وفي كل مرة تتجه الفتاة المعصوبة العينين باتجاه الصوت إلى أن تمسك بصاحبته حيث تحل هذه محلها، تلك اللعبة جعلت عوامل الألفة وروابط المحبة تجتمع من خلال أن إحداهن إذا أرادت مساعدة الأخرى تقوم بتنبيهها من خلال صوت أو لغز معين، وهذا نوع من الحرص على أن تستمر الأخرى بمساعدتها كي تحققان الفوز على الباقي من الفتيات».

الاستاذ فوزات رزق

وتابع الباحث "فوزات رزق" بالقول:

«هناك ألعاب تدخل في باب الحركة والخفة، والفكاهة والضحك من خلال عبارات متميزة بجناس كلماتها وهي ألعاب جميلة تدل على الأنوثة بمعناها المجرد، ولها خاصية مثل لعبة الحبل التي تتمثل بأن تمسك لاعبتان بحبل من طرفيه وتحركانه بشكل دوراني من الأسفل للأعلى وبالعكس، وتقوم لاعبة ثالثة بالقفز من فوقه وهي تردد مع كل مرة من دوراته الأسماء الرمزية للفتيات، مثل شمس، قمر، نجوم، نهار، كوكب، غيم، فإذا داست على الحبل أثناء قفزها تدخل محلها صاحبة الاسم الذي وقفت عنده اللاعبة».

الاستاذ هايل القنطار

ربما كان الفن في لعب الحصا أو الأحجار الملساء طريقة تحمل دلالة القوة ورباطة الجأش والحث على الاتفاق أو السعي لبقاء الحجارة مجتمعة بيد واحدة من جهة، واستخدام الفن والخفة والرشاقة في التمكن من رميها بالهواء وتجميعها في لحظة واحدة مجتمعة، وبالنهاية تحقيق الفوز كما في لعبة "الزقطة" وفي هذا الاتجاه يتحدث الباحث "هايل القنطار" عنها قائلاً: «"الزقطة" تتألف أدوات اللعب بها من أحجار ملساء عددها خمسة، تضعها اللاعبة على الأرض وتقوم بدفع إحداها إلى الأعلى، وتمسك بواحدة من الأرض قبل أن تقع العلوية على يدها، وتضعها جانباً وهكذا إلى النهاية ثم تكرر العملية بدفع حجر والتقاط حجرين، ثم ثلاثة فأربعة، بعدها تعقد إصبعيها على شكل قوس وتقوم بإدخال الأحجار الأربعة داخل القوس والحجر الخامس المسمى العروس، يجب أن يدخل بضربة واحدة، ثم تضعها على باطن يدها وتقلبها، وهنا تتساقط الحجارة على الأرض فيحسب لها ما يقع على ظهر يدها، والفائزة هي التي تحصل على نقاط أكثر، تلك الألعاب كانت تجعل البنات يجتمعن وتعمل كل منهن على إظهار رشاقتها وخفتها في التقاط الحجارة، ما ينعكس على ظرفها وخفة دمها ودماثة طبعها في التعامل وشدة انتباهها».

لعل تلك الألعاب التي دخلت التراث الشعبي وأصبحت جزءاً منه جعلت ثقافة اللقاءات الاجتماعية تجد طريقها في علاقات ذات الصلة الواحدة بين فئات المجتمع، وتابع الأستاذ "فيصل نفاع" رئيس جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث بالقول: «من خلال تلك الألعاب التي استمرت مع الزمن، وأوجدت نفسها تطرح أفكاراً جديدة حاملة للقيم والمثل الاجتماعية، واستفسارات إنسانية حين يطرح السؤال نفسه، كيف لألعاب الأطفال أن تخلق نوعاً من العلاقات الثقافية الاجتماعية؟..

الاستاذ فيصل نفاع

وتكون براءة الفتيات الصغيرات وحبهن للحياة الجواب على جعل كل ألعابهن عاملاً وحافزاً لتوطيد تلك العلاقات، من جهة والأهم أن الألعاب نفسها نابعة من حالة إبداعية ذات طابع محلي، فكانت عاملاً مهماً في التواصل».