يُعتبر "البرغل" من الأكلات الشعبيّة المتوارثة في "طرطوس"، وهو أحد منتجات "القمح"، ولا يخلو بيت في "طرطوس" من "برغل المونة" أي البرغل المخزّن للشتاء، وبينما تحوّلت المناطق الساحليّة إلى "الزراعات المرويّة" بقيت "الجبال الساحلية" تزرع القمح بعلاً للحصول على مشتقّاته ومنها "البرغل".
في منطقة "القدموس" يزرع الناس "القمح" كأحد المحاصيل الرئيسيّة، لذا حاولنا التعرّف إلى صناعة البرغل في هذه المنطقة عبر اللقاء مع السيّد "عدنان معلّى" وهو مزارع من قرية "الديّ" والذي يقول: «ليست زراعة "القمح" لدينا "للبرغل" فحسب، فنحن نزرعه منذ القديم لتأمين حاجاتنا من "الطحين والقمح المقشور"، ففي قريتي "الديّ" مثلاً نزرع القمح بمساحة تتراوح بين 2 إلى 10 دونمات للعائلة الواحدة وهو من القمح القاسي الأصفر المُحمرّ، نبيع منه الكميّة الزائدة لمكاتب الحبوب التابعة للدولة والباقي نخزّنه، وسبب التخزين هو انقطاعنا عن محيطنا لمدّة أسبوع أحياناً بسبب الثلوج شتاءً، فنقوم بتحويله إلى عدّة أشكال أهمّها " البرغل"، أمّا عن صناعته فنقوم بعد حصاد "القمح" بغسله بالماء جيّداً ونضعه في وعاء كبير نسمّيه "جعيلة" ونغمره بالماء ونغليه على نار الحطب ما يقارب الساعتين، لنضع "القمح" المسلوق بعد ذلك على سطح المنزل لمدّة أسبوع يتم خلاله تنقيته من الشوائب، وبعد عملية "التشميس" يمكن وضع القمح في "طاحونة الرحى" لصنع الطحين يدويّاً، أو وضعه في "الجرن" لدقّه والحصول على "القمح" المدقوق لصناعة أكلة "المتبلة"، لكن القسم الأكبر نطحنه "بالطاحون الآلي" المتنقّل للحصول على "الطحين والبرغل".
يُغسل "البرغل" جيّدا ثم يوضع في وعاء فيه ماء ويُغلى على النار حيث يُضاف إليه "الحمّص" الناضج الذي تم غليه سابقا ويُغلى المزيج حتى ينضج البرغل ويمكن إضافة اللحم إليه في أوّل مرحلة عند غلي "الحمّص"، ليكون بعدها البرغل جاهزاً للتناول ولاأذكر أنّ أحداً قط امتنع عن تناوله وإن اختلفت الأذواق بعكس إي طعام آخر، وقد تكون العادات الاجتماعية أحد أسباب ذلك، وفي نفس المجال نوم كثيرا بطهي مشتقّات "القمح" الأخرى ومنها "المتبّلة" خاصّة في فصل "الصيف"، و"الجريش" و"المعجّنات" بأنواعها من "الطحين"
بالنسبة لعملية تحويل "القمح" إلى برغل فقد اختلفت بين عشرين سنة مضت والآن من حيث تقنيات "الجرش" والتحويل، يُخبرنا عنها السيّد "عزّو محمد دلاّ"، فيقول: «سابقا كان القمح يوضع على "البيدر" وهو مكان غايته فصل "القمح" عن "السنابل" بعد حصاده عبر أداة تسمّى "المرج" تجرّها "البغال" لتصل سنابل "القمح" إلى درجة التفتت والنعومة، نستخدم بعدها "المدراية" لفصل "حب القمح" عن "التبن" وهو بقايا الضلوع والورق، ثمّ نضعه في أكياس ونأخذه إلى "المطحنة" التي تعمل إمّا بالماء أو بالنار أو تدوير الطاحونة "بالبغال"، كل هذه العمليّة فقط لصنع "البرغل" و"الطحين" و"القمح المجروش"، وبهذه الطريقة قضى أبناء الجبل قرونا يصنعون نواتج "القمح"، ومن عدّة سنين مضت تغيّرت الطريقة كليّاً فظهرت الطاحونة الآليّة التي تعطي كميّة إنتاج أكبر وبجودة أفضل فضلاً عن ظهور"الدرّاسات" الآليّة التي تفصل "القمح" عن "التبن".
وبما أن شهور الصيف هي موعد حصاد "القمح" فقد شاهدنا "الجاروشة" الصغيرة التي تعمل على قوّة "الجرّار" وهي تدور بين منازل القرية، فحدّثنا السيّد "معين أحمد خضّور" عن عمله على "الجاروشة"«في هذه الفترة من السنة أذهب إلى المنازل التي يوجد لديها كميّة صغيرة من "القمح" وتريد تحويلها إلى "برغل وطحين وجريشة"، ويوجد "للجاروشة" عدّة مستويات لتحويل "القمح" الى نواتجه المختلفة، وعن تفاصيل عملها: نقوم بوضع "القمح المسلوق" في "الجاروشة" ونضع الماء عليه في حال أردنا نزع قشرته عنه وبدون ماء إذا ما أردنا بقاء القشرة، وهي تتسع ل60 كغ، وبالإضافة للقمح تطحن "الجاروشة" "الحمّص والفاصولياء و.." فهي لا تختلف عن الطاحونة الكبيرة إلا في كونها متنقلة وتتسع لكميّات قليلة، بهذا الشكل يحصل معظمنا على مادّة "البرغل" كأقدم الأطعمة التي اشتهرت بها مناطقنا الجبليّة».
أمّا السيّدة "حسنا أحمد" فتحدّثنا عن طبخ "البرغل"، فتقول: «يُغسل "البرغل" جيّدا ثم يوضع في وعاء فيه ماء ويُغلى على النار حيث يُضاف إليه "الحمّص" الناضج الذي تم غليه سابقا ويُغلى المزيج حتى ينضج البرغل ويمكن إضافة اللحم إليه في أوّل مرحلة عند غلي "الحمّص"، ليكون بعدها البرغل جاهزاً للتناول ولاأذكر أنّ أحداً قط امتنع عن تناوله وإن اختلفت الأذواق بعكس إي طعام آخر، وقد تكون العادات الاجتماعية أحد أسباب ذلك، وفي نفس المجال نوم كثيرا بطهي مشتقّات "القمح" الأخرى ومنها "المتبّلة" خاصّة في فصل "الصيف"، و"الجريش" و"المعجّنات" بأنواعها من "الطحين"».
قد يكون جو الحياة في القرية سببا في جمالية بعض الأطعمة وانتشارها وهو ما تلمسه في الزيارة لأي قرية في "طرطوس"، في نفس الوقت تجد هذه الأطعمة غير ذات أهميّة في المدينة وإن كان أصل سكّانها من القرية، وبكل الأحوال فقد صار "البرغل" وغيره من الأكلات عبارة عن تقاليد أكثر مما هو طعام يومي.