الحديث عن عشيرة "البوليل" حديث طويل يكاد لا ينتهي، فهي إضافة إلى كونها عشيرة عربية الأصل حيث ينتهي نسبها إلى قبيلة "شمر عبدة" في قلب الجزيرة العربية، إلا أن صفة الكرم والتواضع هي الصفات الأكثر شيوعاً عنها. تنتشر عشيرة "البوليل" في مناطق مختلفة في كل من سورية ولبنان والعراق مشكلة جماعات صغيرة يجمعهم الدم وتبعدهم المساحات.
في قرية "رأس العين" التي تبعد عن "حلب" حوالى /60/ كيلو متراً في الجنوب الشرقي منها، التقينا الشيخ "حميدي الشيوخ" شيخ عشيرة "البوليل" في هذه المنطقة ليشرح لنا عن سبب التسمية وأصل العشيرة وتوزعها فقال: «يعود أصل عشيرة "البوليل" إلى العشائر العريقة التي يرد نسبها إلى قبيلة "شمر عبدة" من "طيء"، والبوليل" فخذ من "جعفر" من "العلي" أولاد عم "الرشيد" حكام منطقة "حائل" في الجزيرة العربية قبل مجيء آل سعود للمنطقة ذاتها.
تربط عشيرة "البوليل" علاقة صداقة أخوية وروابط متينة بالعشائر الأخرى التي تعيش معها، والمعروف عن "البوليل" أنها عشيرة متسامحة ومحبة لكل من استجارها وجاورها وهذه الصفة مشتركة عن جميع العرب عامة، وتعول العشيرة في الوقت الحالي على حث أبنائها على العلم والتعليم لمختلف أبناء العشيرة من الجنسين وهي خطوة إيجابية يتعاون على تحقيقها كل الأهالي هنا، ولدينا والحمد لله مؤخراً نسبة لا بأس بها من أولاد العشيرة ممن يدرسون في الجامعات السورية وفي كل اختصاصاتها العلمية وتعرفت المنطقة على فتح صيدليات وأطباء وأساتذة تفتخر العشيرة أنهم من أبنائها
وتفتخر عشرة "البوليل" بجدها الأول "محمد البشر" وهو أحد الذين نزحوا من "اليمن" واستوطن في جبل "حائل" الذي كان مركزاً للدولة الرشيدية ونظراً لوجود المطاحنات بين القبائل العربية بعضها مع بعض لأسباب مختلفة يعرفها الجميع قرر "البشر" النزوح مع جماعته نحو الشمال ليستقر قسم منهم في "العراق" وقسم آخر اختار القسم الشرقي والشمالي من "سورية" وتحديداً في محافظتي "حلب" وإدلب".
ويعود أصل تسمية "البوليل" إلى اليوم الذي تعاقدت فيه عدة قبائل مع بعضها في حرب طاحنة لتنضم "البوليل" إلى قبيلة "العكيدات" المؤلفة من / 16/ فخذاً و"البوليل" كان واحداً منها، و"محمد البشر" الذي هو جدنا الأول والملقب بـ"محمد الليل" أوكلت إليه مهمة حفر الأرض ودفن الحجارة فيها ليلاً فسموه "محمد الليل" وسميت قبيلته بـ"البوليل".
يعرف عن "محمد البشر" أنه خلف أربعة أولاد "عقال" الذي هو جد البوليل" و"هلال" و"شكال" و"جلال"، ويقول التاريخ أن "شكال" لم تكن له ذرية، أما "عقال" فخلف أربعة أولاد هم "حسن، حسين، هرموش، ناصر" وطغى ابنه "هرموش" على العشيرة كلها من ناحية النسب حيث كان أولاده الأكثر عدداً في العشيرة حيث يتواجدون في شرق "سورية" وتحديداً في "الحسكة" و"دير الزور" وفي محافظتي "حلب" و"إدلب".
وفي "لبنان" يظهر أحفاد الابن "هرموش" والذي ظهر منهم الأخ "أسعد هرموش" والذي يعمل محامياً ويشغل عضواً في مجلس النواب اللباني، كما يوجد منهم أكثر من /250/، شخصاً مغترباً في الولايات المتحدة الأمريكية».
وجهاء وأنساب ..
يحق لعشيرة "البوليل" التفاخر بنسبها من جهة والتفاخر بشخصيات كان لها الدور الأبرز في حماية العشيرة وتوطيد وجودها والحفاظ على مكانتها، وعن هؤلاء يحدثنا السيد "نوري الشيوخ" أحد أبناء العشيرة فيقول": «بما أن أولاد عشيرة "البوليل" كانوا جميعهم أولاد عشائر معروفين فبرز منهم شخصيات يستحق التاريخ ذكرها بالخير ومنهم الشيخ "ربيع العكرش" الذي سكن في "تل السلطان" وظهر بعده الحاج "مصطفى الرمضان" كما تربى عز عشيرة "البوليل" على يد "محمد النوفل" الذي استطاع أن يجمع المجد من طرفيه مع أولاده الذين نذكر أبرزهم الشيخ "نور الشويطية" وهو رجل عظيم وكريم وذو سمعة طيبة.
كما برز "نور الدلبش" وهو رجل عارف وشجاع، والشيخ "حسين الحاج ذياب" ورجل صاحب نعمة، وابنه "عيادة" الذي يسكن بـ"تل العلوش" كما ظهر "عبد الأحمد" و"بندر ذيبان"، وفي عصرنا برز الشيخ "علي الشيوخ" وابنه "أحمد" والآن ابنهم "حميدي"، وفي "جزرايا" نجد "علي الإبراهيم" وإخوته إضافة إلى بيت الشيخ "خالد" و"خميس الدبوس"، أما في "دير الزور" فيعرف قسم من الهرامشة باسم "كتو العبيان" ومنهم "سلامة العبيان" و"شلال ذياب" و"علي ذياب" وفي "الحسكة" يتواجد "قوم كرو" وأتباعهم من الهرامشة».
العشيرة بمضافتها...
ينظر إلى المضافة في العشيرة نظرة احترام ووقار لكونها البيت الكبير الذي يتسع لكل قلوب أبنائها وضيوفها، ففي المضافة هناك الحلول المتكاملة لكل المشاكل والخلافات والنزاعات، وبالمقابل هي مأوى الضعفاء والفقراء ومسكن الرجالات، حول مفهوم المضافة يحدثنا الشيخ "حميدي " فيقول: «عرف "الرشيد" أخو "نورا" بأنه رجل صاحب ضيافة وكرم وشجاعة وحفاظ على وحدة العرب في الجزيرة العربية وكان لا يسمح لمستعمر أن يدخل بيتاً من بيوت العرب ويقول إن جاء رجلاً مفاوضاً أو مطالباً فليأت إلى المضافة.
وبهذا استطاع توحيد كلمة العرب في جزيرتهم من خلال جعلها المضافة الوحيدة فيها، فمضافته كانت تتسع لمئات من الرجال، وذات يوم سمع عن رجل يدعى "دغيم الظلماوي" أنه أقام مضافة له في أحد أطراف الجزيرة العربية وكان "الرشيد" قد حرم هذه الفعلة فطلبه فوراً وأجلسه وصب له القهوة ثلاثاً- وهي من عادات العرب- وقال إنه ليس بصاحب سيف على اعتبار أن فنجان القهوة عند العرب أسماء ثلاثة فالفنجان الأول يسمى "الهيل" ويشربه راعي البيت قبل ضيوفه حتى يتأكد من طعمها، و"فنجان الضيف" الذي يصب للضيف مع أول وصوله، وفنجان "الكيف" الذي يقدم للزوار بعد واجب الضيافة وهو نوع ممن استطعم القهوة وأحب شربها، اما "فنجان السيف" فهو يشرب أيام الحرب والكوارث ويصب على اسم فارس من فرسان الأعداء وعلى شاربه إلزام نفسه بمواجهة ذلك الفارس وقتله، وهنا امتنع "الظلماوي" عن شرب الفنجان الثالث لهذا السبب، إلا أن "الرشيد" كان قد أمره بشربه فشرب، ليسأله بعدها عما يقول في قهوته، فقال له إنه عندما شرب الفنجان الأول وجدها نيئة، وفي الفنجان الثاني وجدها متوسطة التحميص، وفي الفنجان الثالث وجدها مستوية، فقال "الرشيد" إن هذا الرجل يستحق أن يفتح عنده مضافة لأنه شخص يعرف طعم القهوة وقادر على القيام بخدمتها وضيافتها فسمح بفتح المضافة، فيطلق "الظلماوي" قصيدته المشهورة بالشعر النبطي مخاطباً فيها مرافقه "كليب" فيقول:
يا كليب شبّ النار يا كليب شبّه/ علــيك شبَّه والحطب لك يجابي
حنا علينا جيب ماها وحبَّه / وعليك تقلــــيط الدلال الــعذابي
وادغث لها يا كليب من سمر خبة / بالـيل لي منه غفا كل هابي
واحرص على جمرة وطرق حبه/ ليم العرق تشوف على الحبِّ ذابي
ودقه بنجر تالي اللـــيل نبـــــّـه / يشذي بذيب لي عوا براس نابي
ودق البهار وبهرّه تكون طبَّه / تصبح على الفنجان مثل الخضاب
ومن يوجعه راسه ترى الهيل طبّه/ وليا تقهوى كيفه الراس طابي».
تربط عشيرة "البوليل" علاقة وطيدة مع كل من حولها بحكم القرب المكاني والعرقي، وبما أنها معروفة بتسامحها فهذا يعني أنها لا تحمل أي حقد أو غل على أحد، ويبقى المستوى الثقافي للعشيرة مرتبط بتعلم أبنائها والظروف المعيشية المرتبطة بجو الاستقرار العشائري المتأخر، للحديث عن هذه المواضيع يحدثنا الشيخ "نور الشويطية" وهو من أحد أبناء العشيرة أيضاً فيقول: «تربط عشيرة "البوليل" علاقة صداقة أخوية وروابط متينة بالعشائر الأخرى التي تعيش معها، والمعروف عن "البوليل" أنها عشيرة متسامحة ومحبة لكل من استجارها وجاورها وهذه الصفة مشتركة عن جميع العرب عامة، وتعول العشيرة في الوقت الحالي على حث أبنائها على العلم والتعليم لمختلف أبناء العشيرة من الجنسين وهي خطوة إيجابية يتعاون على تحقيقها كل الأهالي هنا، ولدينا والحمد لله مؤخراً نسبة لا بأس بها من أولاد العشيرة ممن يدرسون في الجامعات السورية وفي كل اختصاصاتها العلمية وتعرفت المنطقة على فتح صيدليات وأطباء وأساتذة تفتخر العشيرة أنهم من أبنائها».