كان يحتضن عوده وفي عينيه بريق يلمع حباً وإبداعاً، إنه "شربل روحانا" الذي أتى إلى "دمشق" ليقدم حفلة خاصة على مسرح "دار الفنون" في ذلك البيت الدمشقي القديم، أداء "شربل" كان أبعد ما يكون عن الجمود، فعوده الذي يتحسسه بالدفء كان يتهادى تفاعلاً مع الساكسوفون والغيتار الكهربائي والبيانو والطبلة والدرامز، يبحر ويموج مع الآلات الغربية والمقطوعات الموسيقية المتنوعة، ويعود من جديد إلى مرسى الشرق الموسيقي.

بتاريخ 26/3/2009 حضرنا حفلته التي حضرها أشخاص تميزوا بتفاوت أعمارهم ولكن تلاقوا بأذواقهم وسماعهم لعزف وأداء "شربل" وفرقته، بدأ حفلته بإيماءة من عينيه للذين يقفون خلف تلك الآلات الشرقية والغربية، لم يكن يعزف بيديه فقط فعيناه كانتا تتحركان مع تحرك أنامله على آلته الخاصة والمميزة "العود".

عندما دخلت إلى هذا البيت –أي "دار الفنون"- أحسست أنني في بيتي تذكرت "عمشيت" قريتي، وتذكرت طفولتي وأمي وذكرياتي في ذاك البيت

وخلال حديثه مع الجمهور قال: «عندما دخلت إلى هذا البيت –أي "دار الفنون"- أحسست أنني في بيتي تذكرت "عمشيت" قريتي، وتذكرت طفولتي وأمي وذكرياتي في ذاك البيت».

جمهور "شربل"

بعدها مباشرة انتقل إلى أغنيته التي أهداها للجمهور السوري "عالروزانة"، تلك الأغنية التي شاركوه فيها بالغناء، وخلال جولتنا بين الجمهور الذي كان قد حلق في سماء ذلك البيت الدمشقي، التقينا بالسيدة "رانيا محمد" وهي تصفق مع الأغنية قالت: «إن الفن الذي يقدمه "شربل" هو نمط ملتزم وراقٍ، وعندما أستمع إليه أشعر أنه يعبر عن فن يربط المفاصل الدقيقة في حياتنا وتحلق بنا إلى عالم آخر هو حلٌ لكل همومنا ومشاكلنا».

كلمات "شربل" تنتمي إلى مدرسة شعبية في الغناء، ناقدة وساخرة وملتزمة بنفس الوقت، وهذا كان واضحاً في أغنيته "بنتنفس نفس الهوا، وبناخد نفس الدوا"، كان الجمهور قد حفظها عن ظهر قلب وهو يردد خلف "روحانا"، أما أغنية "الحمد لله أخدت الفيزا وختمتها ليزا" كانت تعبر عن فرح الحصول على التأشيرة الأمريكية، وتسرد تجربة الإذلال التي يتعرّض لها المواطن العربي بشكل عام في الخارج وتدعو إلى اللقاء في الوطن».

بأيماءة من يده

انتقل "شربل" من أغنية إلى أخرى وهو يتوجه بجمهوره السوري أن يشاركوه الغناء، لم تكن رغبة الجمهور الحضور فقط والاستماع، بل مشاركتهم معه بالغناء كان أكبر دليل على الاندماج مع موسيقاه الملتزمة، وعندما كان يغني "شربل" أغنية "ما تزعل لو حنيت وغنية لغيرك غنيت"، التقينا بالسيدة "يارا خليل" التي كانت تردد كلمات الأغنية مع "روحانا" فقالت: «أعتقد أن "شربل" هو من ضمن أولئك القلة الذين لا يتخلون أبداً عن رقيهم، ففنه مرتبط ارتباطاً كاملاً بتفاصل حياتنا، يحاول المزج بين الموسيقا الغربية والشرقية ليقدم لجمهوره نوعاً ونمطاً موسيقياً جديداً يجعلك تشرد معه».

"شربل" استطاع أن يسخر جميع الآلات المتواجدة على المسرح لخدمة آلة العود، فمن السلم الموسيقي صعوداً ونزولاًَ مـن "دو" الأخــفض إلى الـ"دو" الأعلى، كان يلتفت إلى الموسيقيين وبإشارة من عينيه ينتقل إلى أغنية أخرى أكثر تشجيعاً للجمهور، ومع أنغام هذه الموسيقا انتقلنا إلى الشاب "رامي يوسف" الذي حدثنا قائلاً: « "بنت الشلبية"، "كي لا ننسى"، "مدى"، "سلامات" كلمات يمتزج فيها القديم والحديث في قالب شرقي، ويمزج أنغام العود تلك الآلة الشرقية مع بعض الآلات الغربية للوصول إلى معادلة الأصالة والتحديث والرقي، إن "روحانا" هو مقاوم وبارع في موسيقاه، يسبح ويموج في فضاء المقام الشرقي الأصيل، ناسجاً من بحره وعلى عوده مقطوعات تلامس الواقع اليومي المعاش».

في الختام

نعم من هنا من ذلك البيت الشرقي بدأ "شربل" حفلته وهو يتذكر بيته في "عمشيت"، ومن هناك نهى حفلته ليقول: «كل الشكر لكم أنتم الجمهور، فحضوري هو لحضوركم وما أنتم إلا جزء كبير من هذه الكلمات والموسيقا، فدمتم وبقيتم جمهوراً ذواقاً يتنقل بين هذه الكلمات والألحان».