«"محمود درويش" صوت فلسطين المدوي لن يفارق الحياة وإنما بدأها الآن»، بهذه الكلمات زف الشاعر "سليمان العيسى"، شاعر العرب "محمود درويش" بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيله، وبعنوان "الفلسطيني الطائر" ألقى "العيسى" قصيدة قال فيها: «شاء له البغي والعدوان ألا يستقر في مكان.. في الغرب يزرعونك.. في الشرق يزرعونك.. في العتمات السود في الضباب في رجفة الحراب تود لو تمحوك من ذاكرة التراب.. ومن رؤاهم تنطلق الأحداب.. يا سيد الشقاء والمحن».

"محمود درويش" شاعر القضية الفلسطينية الذي أثرى الوجدان العربي بشعره وحضوره ونضاله المستمر خلال ما يزيد على خمسين عاماً، توفي في الولايات المتحدة في التاسع من آب 2008 بعد إجرائه لعملية القلب المفتوح التي دخل على إثرها في غيبوبة أدت إلى وفاته بعد أن قرر الأطباء نزع أجهزة الإنعاش، له مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية الخالدة من أبرزها: "عصافير بلا أجنحة"، "شعر أوراق الزيتون"، "آخر الليل"، "مطر ناعم في خريف بعيد"، "العصافير تموت في الجليل".

إن "محمود درويش" غنى للحياة وملأها موسيقا وألحاناً، وهو حالة فريدة ظهر شعره تحت الحصار المرير والاحتلال الغاصب، شاعر العرب "درويش" لا يحمل معه إلا تلك الحروف وقصائد تعبر عن الأمة التي كان سفيراً لها في مختلف المحافل الدولية، كما امتلك الراحل الكبير رؤية مزجت بين الكلاسيكية والحداثة دون أن تفقد التصاقها بالتراب والشعب

وللحديث أكثر عن مسيرة من نضال الكلمات وعن صوت غنى للحياة، eSyria التقى مع د."محمد سليمان"، الذي أعد رسالة الماجستير عن حياة الراحل "محمود درويش"، والذي حدثنا عن مسيرة الشاعر العربي قائلاً: «ولد الشاعر "محمود درويش" في العام /1941/ في قرية "البدوة" الفلسطينية في منطقة الجليل، خرجت أسرته برفقة اللاجئين الفلسطينيين في عام /1947/ إلى "لبنان" ثم عادت بشكل سري في العام /1949/، أكمل تعليمه الابتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة "دير الأسد" متخفياً حيث كان يخشى أن يتعرض للنفي من جديد إذا كشف أمر تسلله، وعاش طوال تلك الفترة محروماً من الجنسية الفلسطينية، تابع دراسة الثانوية في قرية "كفر ياسين"، وبعد إنهائه تعليمه الثانوي تحولت حياته إلى رحلة في عالم الشعر والمقالات الصحفية، اعتقل من قبل السلطات الإسرائيلية عدة مرات ابتداء من العام /1961/ بتهم مختلفة تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي، توجه بعدها في العام /1972/ إلى الاتحاد السوفييتي لإكمال دراسته، وانتقل بعدها لاجئاً إلى "القاهرة" في ذات العام حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية».

من حفل التابين

المناصب التي شغلها، والجوائز التي حصل عليها تابع مضيفاً: «في مجال عمله الصحفي قام بتأسيس مجلة

"الكرمل" الثقافية التي نشر من خلالها مجموعة من أعماله الشعرية، كما شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، أما الجوائز التي حصل عليها فهي جائزة "لوتس" في العام /1969/، جائزة البحر المتوسط /1980/، درع الثورة الفلسطينية عام /1981/، لوحة أوروبا للشعر في نفس العام، جائزة "ابن سينا" في الاتحاد السوفييتي /1982/».

وبعد مرور أربعين يوماً على رحيل الشاعر العربي "محمود درويش"، أقامت وزارة الثقافة مساء يوم الثلاثاء 7/10/2008، حفل تأبين في مكتبة الأسد الوطنية "بدمشق" حضره د."رياض نعسان آغا" وزير الثقافة، ود."بثينة شعبان" المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية.

بدأ حفل التأبين بتلاوة عطرة من القرآن الكريم، تلاه عرض فيلم وثائقي بعنوان "سأصير يوماً ما أريد"، من إعداد وكتابة "علي سفر"، وإخراج "أحمد حيدر"، ومن إنتاج الفضائية السورية وثق لحياة الراحل "محمود درويش" والمراحل التي مرت فيها تجربته الشعرية والسياسية.

ثم ألقى وزير الثقافة كلمة قال فيها: «إنها لحظة من لحظات الأسى المحزنة كلما رحل عظيم من عظماء الأمة، هي لحظة يخرج الحزن فيها من الفرح ويخرج الفرح فيها من الحزن، فمن أعماق الحزن والفجيعة ومن جوف الأسى خرج "محمود درويش" للشعر، وفي حفل تأبينه استشعر بفرح أن يكون لنا عرس للشعر يستمر ويدوم، وما من أمة مجدت الشعر والشعراء كما الأمة العربية، سيبقى صوته ينسل من وراء الحصار وسيبقى شاعر المستقبل».

وأضاف: « إن "محمود درويش" غنى للحياة وملأها موسيقا وألحاناً، وهو حالة فريدة ظهر شعره تحت الحصار المرير والاحتلال الغاصب، شاعر العرب "درويش" لا يحمل معه إلا تلك الحروف وقصائد تعبر عن الأمة التي كان سفيراً لها في مختلف المحافل الدولية، كما امتلك الراحل الكبير رؤية مزجت بين الكلاسيكية والحداثة دون أن تفقد التصاقها بالتراب والشعب».

تجدر الإشارة إلى أن وزارة الثقافة أنجزت كتاباً توثيقياً عن حياة الشاعر "محمود درويش" بعنوان "سجل أنا عربي"، وتم إطلاق هذا الكتاب في مكتبة الأسد الوطنية خلال حفل التأبين، وهو من تقديم وزير الثقافة "رياض نعسان آغا" وإعداد وتوثيق د."علي القيم" معاون وزير الثقافة.