من قرية السلوقية في ريف القنيطرة، نشأ الفلاح ياسين العلي وسط أسرة زراعية ميسورة الحال، فارتبطت طفولته برائحة التراب ودفء الحقول. هذا الشغف المبكر جعله، مع مرور السنوات، نموذجًا يُحتذى به بين مزارعي المنطقة؛ فبات مصدر إلهام ومشورة للآخرين، يجمع بين الخبرة التقليدية والرؤية العلمية.

عضو فاعل في المجتمع

يقول العلي في حديثه لـمدونة وطن: إن جمال الحياة يكمن في بساطتها، "خاصة حين يعمل الإنسان في مهنة يحبها ويشعر بالمسؤولية تجاه أسرته ومجتمعه"، مضيفًا أن ارتباطه بالأرض هو ارتباط رزق وصبر وإصرار.

يمتلك العلي سجلًا طويلًا في العمل الفلاحي؛ فهو عضو في اتحاد الفلاحين منذ أكثر من 30 عامًا، ويشغل منصب نائب رئيس جمعية فلاحية، كما يمتلك سجلًا تجاريًا. ورغم انشغاله بالزراعة، لم يتخلَّ عن التعليم، فدرس الحقوق ثم إدارة الأعمال، مؤكدًا أن بيئته تشجع العلم وتعتبره ركيزة للتطور.

شهادة خبرة في انتاج العسل وتربية النحل

ومع خبرته الطويلة في تربية الأبقار، أصبح العلي بمثابة “طبيب بيطري” لمزرعته، يتولى علاج أبقاره وتوليدها دون الحاجة إلى خبراء خارجيين.

منتجات متميزة

في بداية كل صباح، يتوجه العلي إلى حظيرته لحلب الأبقار وتقديم وجبتها الأولى، ليتفرغ بعدها لتصنيع منتجات الحليب من ألبان وأجبان وزبدة وسمن. وبجودة عالية ووسائل تسويق بسيطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصلت منتجاته إلى محافظات أخرى، وأصبح الطلب عليها يتم مسبقًا، خصوصًا العسل والزيتون ومشتقات الحليب.

المزارع العلي أثناء عمله

ويمتلك العلي خبرة واسعة في تربية النحل، ويرى فيها “عالمًا آخر” مليئًا بالتناغم والسلوك الصحي، مشيرًا إلى قدرة النحل على علاج نفسه وتنظيف خلاياه دون اللجوء إلى المواد الكيماوية. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها النحل في القنيطرة خلال سنوات الحرب والجفاف وانخفاض الأمطار، يعتبر العلي أن الموسم الماضي كان جيدًا، وأن تحسين الإنتاج يتطلب التهجين واستجلاب ملكات أجنبية تتناسب مع بيئة المنطقة.

بدائل علفية رخيصة

مع ارتفاع أسعار الأعلاف التقليدية وتراجع كميات التبن بسبب الجفاف، اتجه العلي للبحث عن بدائل، فكانت تجربته مع "السيلاج" خطوة نوعية. والسيلاج –كما يوضح– هو علف أخضر يُخزّن بالتخمير اللاهوائي، ليكون متاحًا على مدار العام، ويُستخدم بشكل أساسي للأبقار الحلوب نظرًا لفوائده الغذائية العالية وسهولة هضمه.

الزميل محمد العمر مع المزارع العلي في مزرعته

ويؤكد العلي أن "سيلاج الذرة من أشهر الأنواع وأكثرها فائدة، وقد أثبت نجاحه في زيادة إنتاج الحليب لدى الفلاحين الذين جربوه". وبعد دراسة موسعة للمادة، تمكن من إدخالها إلى المحافظة عبر جهات تسويقية في الشمال وسهل الغاب، حيث لم تكن معروفة سابقًا بين فلاحي القنيطرة.

ويشير إلى أن التجربة لاقت نجاحًا كبيرًا بعد تعميمها، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف الأعلاف، وأصبح كثير من المزارعين يطالبون بهذه المادة بعد ملاحظة نتائجها.

ولم يتوقف العلي عند السيلاج، بل ابتكر نموذجًا بسيطًا وعمليًا لـ استنبات الشعير داخل غرفة مخصصة تضم رفوفًا وصواني زراعة صغيرة لإنتاج علف أخضر دون تربة وفي مساحة محدودة. ويؤكد أن هذه التقنية يمكن أن تتوسع لإنتاج كميات كبيرة تعود بالنفع الاقتصادي على الفلاح.

ويوضح أن استنبات الشعير يُعَد بديلًا مهمًا، لكنه يرى أن الكلفة المنخفضة للسيلاج تجعل الأخير الخيار الأفضل، خاصة في فترات الجفاف وشح الأمطار.

خبرة في خدمة الجميع

يقول أبو سعيد، فلاح من خان أرنبة، إنه جرّب مادة السيلاج بعد سماع نتائج تجربة العلي، واصفًا إياها بأنها “ممتازة ومفيدة للأبقار والأغنام، لما تحتويه من طاقة وبروتين يساعدان على تعزيز صحة الماشية وزيادة إنتاجيتها”.

أما المزارع محمد الأحمد من جبا، فيشير إلى أن السيلاج جاء كحبل نجاة للفلاحين بعد سنوات من الجفاف وارتفاع التكاليف، موضحًا أنه "مصدر علفي اقتصادي وفعّال للأغنام". ويصف الأحمد ياسين العلي بأنه "فلاح مجتهد وموثوق، تجمع نصائحه بين الخبرة العملية والمعرفة العلمية".