رغم عمره الذي تجاوز الـ110 سنوات، إلا أن من يجالس المعمر "أبو إسماعيل جاد الله شرف"، المولود في مدينة "صلخد" عام 1908، سيشعر كأنه يُجالس التاريخ، لكون ذاكرته ما زالت تختزن بداخلها، ذكريات وحكايات الماضي بحلوها ومرها، يقصها على من أتاه زائراً دون تَزين أو رتوش، لتبقى أحاديثه عن ماضي الآباء والأجداد، محفوظة عن ظهر قلب عند جيل القرن الواحد والعشرين، وبات بالنسبة لهم بمنزلة المَرجع التاريخي للاستفسار عن أحداث أيام زمان.

ورغم تقدمه بالعمر فالأرض ما زالت مقعده، والمضافة مفرشه، والقهوة العربية مشروب ضيوف الرحمن، فرائحتها ما زالت تعبق في كل زاوية من زوايا مضافته، التي لم تفارقها على الإطلاق.

ذاكرة شابة

لا تزال ذاكرة "ابو اسماعيل" الشابة تختزن في أرشيفها الكثير من حكايات الماضي، والذي مضى على بعضها نحو 100 عام، ليرويها على من أتى مضافته سائلاً عن ماضي أهله، حيث يقول العم "جاد الله شرف" لمدوّنة وطن eSyria": "ما زلت أذكر تلك الأيام والسنوات العجاف التي لازمت آباءنا وأجدادنا إبان الاستعمار الفرنسي، فمن شريط الذكريات اللا منسي، هو توجه أهالي "صلخد" وقرية "المشقوق" القريبة منها، وذلك في عشرينيات القرن الماضي إلى "تل بعاط" ذي الكهوف الكثيرة، والمكوث به وعائلاتهم تفادياً لخطر قصف الطائرات الفرنسية التي كانت تستهدف الأهالي المدنيين، وكيف كان الأهالي وحفاظاً على محصول القمح من السرقات، يقومون بخلطه مع التبن، كي يتوهم السارقون، أن هذا الموجود هو تبن وليس قمحاً، عدا عن ذلك فالتبن يحمي القمح من التسوس أيضاً، وعند الحاجة للقمح يلجأ أصحابه لغربلته، بهدف فصله عن التبن".

المعمر في المضافة

ويضيف: "مآسي الحياة تلك، ورغم قساوة ظروفها كانت مليئة بالكثير من الذكريات الجميلة، كذكريات الحقل والبيدر، ولا تخلو سهرات الأهل والأصدقاء من روايات الزير وعنتر".

ليستذكر أيضا كيف كانت أفراح الأعراس، وكذلك الأتراح، وكيف كانت الألفة والمحبة تسود المجتمع، رغم الواقع الصعب المحيق بهم في تلك الأيام، كما لا ينسَ كيف كانت أيام الفلاحة والزراعة والحصاد.

هوية المعمر جادالله شرف

حكايات التاريخ

‏المعمر وهو يصب قهوة المختار أحمد صبح

"صالح صبح" وهو من مواليد 1930 يروي بعضاً من ذكرياته مع العم "جاد الله" مبيناً أن سنوات العمر الطويلة لم تستطع إتلاف ذاكرته الشابة، ولم تنهك جسده الذي ما زال ينبض بالحياة، فأبو اسماعيل لم يتخلَ يوماً عن واجباته الاجتماعية إزاء أهل بلده، فكان ولا يزال مشاركاً لهم أفراحهم وأتراحهم، فاتحاً أبواب مضافته لاستقبال الضيوف، فرائحة القهوة المرة تلاقيك لمسافة بعيدة، مرحبةً بمن كان له قاصداً.

يقول "صبح": "من يجالس "أبو اسماعيل" ليستمع منه لقصص وحكايا الماضي، يبقى تواقاً لمعرفة المزيد، لكونه يعود بهم لبدايات القرن العشرين مسلسلاً لهم أهم أحداثه، ليصل بهم إلى يومنا هذا، لا يترك حكاية أو رواية شهدها القرن الماضي إلا ويرويها لزائريه بالتفصيل" .

العاشق للأرض

يقول الابن الأكبر للعم أبو اسماعيل "هندي شرف": "رغم سنوات العمر هذه، فوالدي لم يزل ذلك الفلاح، العاشق لأرضه، التي لا تزال مقصده لتاريخه، فعمله في الأرض لم يفارقه يوماً، ففي كثير من الأحيان نراه قاصداً أرضه، حاملاً معوله، لزراعة بعض الخضار الصيفية، إضافة لقيامه بتقليم الأشجار، فالأرض عنده أغلى ما في الوجود، فدائماً يقول "منها ولدنا وإليها سنعود"، مضيفاً إن والده ما زال يتمتع بصحة جيدة، وغذاؤه الدائم الخضار والفواكه، وأحياناً الخبز العربي لعدم توافره بالشكل الكافي هذه الأيام، وهو لم يشكُ من أي أمراض مزمنة لتاريخه، ولا يزال يقوم بواجباته الاجتماعية دون تردد، فلا يكاد يمر يوم دون أن يستقبل الضيوف أو أن يخرج لزيارة الأقارب والجيران».

ويشار إلى أن ابو اسماعيل لديه 11 بنتاً وولداً واحداً و 32 حفيداً وحفيدة.