يتذكر كبار السن قصصاً عديدة تتعلق بعادات وتفاصيل عاشتها الجزيرة السورية في قديم الزمان، اندثرت وزالت من الوجود، لكنها ظلت باقية فقط في الذاكرة وألسنة من عاصرها، أبرز تلك القصص انتكاسة دلات القهوة العربية، وإنزال عمود بيت الشعر.

دلالات القهوة

تعد القهوة العربية ودلتها إرثاً توارثه الأجيال ، حتّى أصبحت لوناً جميلاً من ألوان الماضي والحاضر، ولأنها عراقة وأصالة، فقد كانت الدّلة في الماضي البعيد إشارة واضحة للتعبير عن الحزن والأسى، حسب ما قاله الباحث في تراث الجزيرة "علي سبّاح".

العمود الوسط الذي يسند بيت الشعر، هو ركن مهم وأساسي لحماية البيت، لذلك فإن إنزال العمود يعد حداداً على فقدان كبير القرية، وإشارة إلى أنه بمنزلة قيمة وأهمية العمود، ويستمر الإنزال عدّة أيام، حسب فترة العزاء والحداد في تلك المنطقة أو القبيلة

الباحث "علي سبّاح" نوّه إلى موضوع مهم يتعلق بدلّة القهوة العربية، قال عنه في حديثه مع مدوّنة وطن "eSyria": «من عادة البدو في القديم، أنهم إذا فقدوا شيخاً أو فارساً شجاعاً أو كريماً جواداً، سواء من قبيلتهم أو من غيرها، فإنهم في أول عيد بعد وفاته يقومون بتجميع دلال القهوة ووضعها مقلوبة في الموقد، وعدم تحضير القهوة أو تقديمها للضيوف طيلة أيام العيد، وفي هذا إشارة إلى حزنهم على من فقدوه، وهذا عرف لدى غالبية القبائل البدوية، لم يبقَ هذا العرف سائداً منذ زمن طويل، لكنه حصل في فترة زمنيّة، لذلك كانت الإشارة إليه، لتتعرف عليه الأجيال الحالية وحتّى اللاحقة».

ابراهيم الساير

قيمة ورمزية

الباحث عايش كليب

وبالرغم من عراقة هذا الإرث الاجتماعي المتمثل في قلب دلّات القهوة العربية، إلا أنه بات غريباً لدى الأجيال الحاليّة، فالشاب "أحمد علي" من ريف "القامشلي" عندما سمع بهذه القصّة، استغربها وأصر على التعرف على كلّ تفاصيلها، مؤكداً بأن الموضوع ذو أهمية، وسردها بشكل دائم ضروري جداً، حتّى تبقى هذه العناوين باقية في تاريخ المنطقة حسب حديثه.

وقد وثق الشعراء الكثير من ذكريات الماضي البعيد، خاصة شعراء البادية، ومنهم الشاعر "إبراهيم الساير" الذي تصدى لتوثيق تأريخ وتاريخ المنطقة شعراً ونثراً، ووضّح موضوع قلب دلّات القهوة العربية عبر مدوّنة وطن.

يقول "الساير": «هناك سبب آخر يتعلق بقلب الدلات، كان يحصل أيضا عندما يتعلق الأمر بالشرف والعرض، طبعاً كانت للدلات الكبيرة، ولا تعاد الدلة لوضعها المعهود إلا إذا انتهى الأمر بإحقاق الحق، اتجه الأهالي حينها إلى هذا القرار، لما للقهوة العربية من أهمية وقيمة ورمزية، وتلك الرمزية المتعلقة بالقهوة العربية حاضرة حتّى يومنا هذا، لكن قلب الدلة غير قائم، وزال ذلك منذ فترة بعيدة».

تنكيس العمود

في ذاكرة "الساير" أمر بذات الأهمية والقيمة لذاكرة الجزيرة السورية، يتعلق ببيت الشعر، والبيت أيضاً يعد ركيزة أساسيّة لحياة البدو حينها، وسند بيت الشعر هو العمود، وكان صاحب البيت يتصدى لإنزال العمود حداداً وحزناً في مناسبة معيّنة.

إذا فقدت العشيرة كبيرها وأحد رجالاتها، الذين لهم بصمة وصدى بين عشيرتهم وعلى مستوى القبائل عامة، فيتم إنزال عمود بيت الشعر، يقول عن ذلك "الساير": «العمود الوسط الذي يسند بيت الشعر، هو ركن مهم وأساسي لحماية البيت، لذلك فإن إنزال العمود يعد حداداً على فقدان كبير القرية، وإشارة إلى أنه بمنزلة قيمة وأهمية العمود، ويستمر الإنزال عدّة أيام، حسب فترة العزاء والحداد في تلك المنطقة أو القبيلة».

الباحث في التراث الشعبي "عايش كليب"، أكّد من جانبه موضوع قلب الدلات في قديم الزمان، ويقول: «شهدت المنطقة قبل عشرات السنين، تلك الظاهرة، حيث كانت ردّة فعل لحادثة معينة جسيمة على الأغلب، وتعود دلة القهوة العربية لوضعيتها الطبيعية، عندما تعود الأمور إلى نصابها بالنسبة للقرية، وينتهي وجعها، أو ينتهي الحزن والحداد، واستمرت الظاهرة عدّة سنوات، حتّى تراجعت واندثرت بشكل كامل، ولم يبق منها إلا الأثر».

أجريت اللقاءات مع مدونة وطن بتاريخ 29 أيار 2022.