تمتد مسيرة المخرج الراحل "نبيل الحسيني"، إلى أكثر من خمسة وأربعين عاماً، يعدُّ من جيل المؤسسين في التلفزيون العربي السوري، أمضى ما يزيد على ثلاثين عاماً في الإخراج الرياضي حتى استحق لقب شيخ المخرجين الرياضيين.

البدايات

مدونة وطن تواصلت مع ابنته المذيعة ومقدمة البرامج "شيرين الحسيني" رئيسة شعبة المذيعات بالقناة المحلية، والتي تقول: «والدي واحد من مؤسسي التلفزيون السوري، بدأ مشواره فيه منذ افتتاحه عام 1960 وبدأ بأعمال درامية بالأبيض والأسود مع الكبار "دريد لحام" و"نهاد قلعي" في مسلسل "حمام الهنا" كمساعد مخرج، وعمل بعدها في عدة أعمال درامية وسهرات تلفزيونية وتمثيليات ومسلسلات آخرها كان "حمام القيشاني" بأجزائه الخمسة، كمخرج منفذ مع الراحل "هاني الروماني"، بالإضافة لعمله في المسرح حيث أخرج ثلاث مسرحيات من الأدب العالمي وهي "الأشجار تموت واقفة" للكاتب "اليخاندرو كاسونا" والمسرحية الكوميدية "زواج فيجارو" للكاتب "بومارشيه" ومسرحية "الملك لير" للعالمي "شيكسبير"».

درّب والدي العديد من المخرجين الشباب وساعدهم على إتقان قواعد النقل التلفزيوني، وكان واحداً من هؤلاء المخرجين ابنه المخرج "مهاب الحسيني" خريج كلية تربية رياضية حيث مهد له الطريق ودربه ليستلم إخراج النقل المباشر والبرامج الرياضية من بعده

من جيل المؤسسين

أمضى المخرج الراحل "نبيل الحسيني" أكثر من خمسة وأربعين عاماً في عمله بالتلفزيون، منها ثلاثون عاماً في مجال الإخراج الرياضي، تقول ابنته الإعلامية "شيرين": «عندما تعرف والدي إلى صديق عمره الراحل الأستاذ "عدنان بوظو" شيخ المعلقين الرياضيين، شكلا ثنائياً رائعاً وبدأ مسيرته في الإخراج الرياضي، فأسسا معاً أول دائرة للبرامج الرياضية في التلفزيون السوري منذ سبعينيات القرن الماضي، والتي ما زالت حتى الآن، وعمل بها حتى تاريخ تقاعده عام 2008، ربطته مع الأسرة الرياضية في "سورية" علاقات وطيدة وحتى خارج "سورية" مع الإعلاميين الرياضيين العرب».

شهادة تقدير

نشاطات واسعة

الإعلامي "إياد ناصر"

وحول الفعاليات المهمة التي واكبها الراحل تقول الإعلامية "الحسيني": «رافق والدي منتخباتنا في جميع الألعاب الرياضية، كرة القدم والسلة، الطائرة، الفروسية وجميع الألعاب الفردية والجماعية إلى العديد من الدول الأوروبية منها؛ "إيطاليا"، "رومانيا"، "التشيك"، "بلجيكا"، "اليونان"، "روسيا" والدول الآسيوية منها "إيران"، "تركيا"، "الهند"، "اندونيسيا"، "ماليزيا" وجميع الدول العربية عدة مرات، وخضع لدورة تدريبية في الإخراج في "روسيا" لمدة ستة أشهر وفي "تشكوسلوفاكيا" لمدة شهرين».

محطة مهمة

بحسب ابنته الإعلامية "شيرين الحسيني" جاءت دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي استضافتها محافظة "اللاذقية" عام 1987 لتشكل نقطة علام ومحطة فارقة في حياته الإخراجية، وقفزة نوعية للنقل الرياضي في "سورية"، حيث شارك في نقل حفل الافتتاح الذي وصف بالخيالي في ذلك الوقت، وفي حفل الختام ونقل جميع الأنشطة الرياضية خلال هذه الدورة التي وضعت فيها "سورية" بصمتها التي لا تنسى، إلى جانب مهرجانات دورة المحبة وبعدها الوفاء للباسل وكل نقولات القائد المؤسس "حافظ الأسد"، والسيد الرئيس "بشار الأسد" في مناسبات صلاة الأعياد ومجلس الشعب وغيرها، وكل ألعاب الفروسية مع الفارس الراحل "باسل الأسد".

الراحل "نبيل الحسيني" مع ابنه المخرج "مهاب" والإعلامي "إياد ناصر"

حصاد ثمين

حصل الراحل "نبيل الحسيني" على العديد من الجوائز والميداليات وشهادات التقدير، في العديد من المحافل العربية والدولية، أهمها بحسب ابنته "شيرين"، شهادة تقدير لمشاركته بنقل الزيارة التاريخية لبابا الفاتيكان "يوحنا بولس الثاني" عام 2001 إلى "سورية".

ولم يبخل الراحل بمد يد العون للجيل الشاب وحول ذلك تقول ابنته "شيرين": «درّب والدي العديد من المخرجين الشباب وساعدهم على إتقان قواعد النقل التلفزيوني، وكان واحداً من هؤلاء المخرجين ابنه المخرج "مهاب الحسيني" خريج كلية تربية رياضية حيث مهد له الطريق ودربه ليستلم إخراج النقل المباشر والبرامج الرياضية من بعده».

شغف حتى النهاية

ولدى سؤالنا لها حول ما ورثته منه تقول: «شغفه وحبه للعمل وإخلاصه له هو ما دفعني إلى عشق هذا العالم الساحر سواء خلف الكاميرا أو أمامها، كان يصحبني معه بشكل شبه دائم إلى مبنى الهيئة العام للإذاعة والتلفزيون منذ طفولتي، وإلى معظم النقولات الرياضية في الملاعب بأغلب المحافظات السورية، كبرت على حب هذا العمل والشغف المرتبط به وبهذا المكان، ومنذ طفولتي وضعت هدفاً في حياتي أن أكون مذيعة وسلكت أقرب الطرق وهي إجازة بالأدب الإنكليزي، والتحقت مباشرة بالتلفزيون في آخر مسابقة رسمية للمذيعات آنذاك، كان لوالدي الفضل بغرس حب هذا العمل في نفسي تعلمت منه الإخلاص والتفاني، كان يقضي ساعات طويلة غائباً عن المنزل للتحضير لأي برنامج أو مباراة، ظل محباً لعمله حتى بعد أن أحيل إلى التقاعد، فلم يبخل بتوجيه أي ملاحظة أو فكرة إبداعية لأي مخرج من جيل الشباب بعده، كان متابعاً شغوفاً صاحب فكر إبداعي حقيقي حتى لقب بشيخ المخرجيين الرياضيين».

شهادات

من جهته "ياسر علي ديب" إعلامي ومعلق رياضي يقول: «لم يكن الراحل "نبيل الحسيني" متميزاً مهنياً فقط، بل كان مبدعاً، موهوباً، يشكل جمال اللقطة التلفزيونية في مخيلته قبل تنفيذها في الاستديو، ولم يكن دقيقاً ومنظماً فقط في إخراجه للنقل المباشر، بل كان موهوباً في صنع أجمل وأفضل نقل مباشر عرفه التلفزيون السوري في تاريخه».

ويتابع: «كان من الرواد الذين تصدروا مشهد التحديث المتوالي للتقنيات التلفزيونية، وكان سريع الاستيعاب لها، مبدعاً في استخدامها وتطويعها لإظهار نقل مباشر رياضي أو سياسي بأعلى مستوى من جمالية للصورة، ونقلٍ لأصغر تفاصيل الحدث، كان المخرج "نبيل الحسيني" ـ رحمه الله ـ شخصاً ذا موهبة قيادية عالية لإنتاج صورة نهائية رائعة على الشاشة من نتاج جهود عدد كبير من الفنيين والمبدعين، وضغطته النهائية على لوحة الإخراج كانت تعني إما الفشل التام للنقل أو النجاح، و"أبو مهاب" لم يكتفِ بالنجاح، كان الهدف دائماً الإبداع، وهو هدف حققه في كل أعماله».

وحول الإرث الفني الذي تركه يتابع بقوله: «الراحل الغالي "نبيل الحسيني" لم يترك إرثاً فنياً فقط، ولم يخطَّ طريقاً مهنياً ناجحاً يكون منارة لأجيال المخرجين من بعده فقط، بل ترك إرثاً إنسانياً عظيماً وذكريات طيبة لا يمكن محوها من ذاكرة وقلوب كل من عمل معه، كان عصبياً نارياً فيما يخص العمل ودقته، والجميع يعرف بأن عمل مخرج النقل المباشر من أصعب وأدق الأعمال، ولكنه كان يملك قلباً طيباً دافئاً يوزع محبة ويغدق وداً على كل من يصادفه، فكيف بمن كان يعمل معه، كان كريماً، يحب اقتسام لقمته مع الجميع، فاتحاً قلبه وبيته لكل الأصدقاء والمحبين، وهو من القلائل الذين تصادفهم في الحياة ولا تمل صحبتهم طوال الحياة، جلساته سعيدة، يرمي فيها طرفات لطيفة ليسعد الجميع، ولم يكن ينجو من دعاباته الذكية حتى هو نفسه، كان مثالاً للأمانة المهنية والشخصية، يخاف الله ويحب الجميع، لذلك أحبه واحترمه الجميع".

لقاء خاص

الإعلامي "إياد ناصر" رئيس دائرة البرامج الرياضية يقول: «الراحل "نبيل الحسيني" من أوائل المخرجين الذين عملوا في التلفزيون والنقل الرياضي عرفته قبل دخولي إلى التلفزيون على الشاشة كمتابع للرياضة وكما ارتبط اسم "عدنان بوظو" بالتعليق الرياضي، ارتبط اسم "نبيل الحسيني" بالإخراج الرياضي، فيما بعد ظهرت مجموعة من الأسماء في دائرة البرامج الرياضة ومنهم "ياسر علي ديب"، "وجيه الشويكي"، "مصطفى الأغا"، ثم بدأت العمل في المجال الرياضي عام 1993 كمحرر، وبعدها شاركت في مسابقة المذيعين وفي هذه الفترة كانت دائرة البرامج الرياضية تتألف من مكتب واحد فيه أربع طاولات فيها للأساتذة "عدنان بوظو"، "نبيل الحسيني"، "وجيه الشويكي"، و"ياسر علي ديب"، وتم تكليفي للمرة الأولى للتعليق الرياضي على مباراة "حطين" و"جبلة" عام 1994، وكان "نبيل الحسيني" هو مخرج المباراة، كان حازماً في عملية النقل الرياضي ويتمتع بالحزم الخلاق بهدف تحمل المسؤولية، يفضل الالتزام بالتعليمات لتحقيق نجاح العمل، كان خفيف الظل وصاحب خبرة كبيرة واستمر بالعمل حتى تقاعده وكان يزور التلفزيون بين فترة وأخرى حتى بعد تقاعده».

ويتابع الإعلامي "إياد ناصر" حديثه عنه بقوله: «شكل "الحسيني" مدرسة في مجال الإخراج الرياضي تتلمذ على يده العديد من المخرجين وأولهم المخرج "مهاب الحسيني"، سواء بالخبرة أو بتدرج العمل، ينطبق عليه لقب شيخ كار الإخراج الرياضي وبدأ مسيرته بالدراما والمسرح حيث لم يكن هناك تخصص، وبعد لقائه بالمعلق الرياضي الراحل "عدنان بوظو" تخصص بالإخراج والنقل الرياضي، ارتبطت الرياضة بأسماء هؤلاء حتى أواخر السبعينيات، هم عاشوا بدايات التلفزيون في فترة زمنية مليئة بالحب والشغف والرغبة بالعمل والإصرار على تحقيق الهدف رغم الإمكانيات البسيطة، ونقلوا في هذه الفترة دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط عام 1987وبطولات كرة القدم، والسلة، والبطولات العربية التي كانت في "سورية"».

ويتابع "ناصر" بقوله: «"الحسيني" هو الذي وضع حجر الأساس منذ ستينيات القرن الماضي ولم يبخل على أحد بالمعلومة، كانت علاقتي به علاقة حميمية لأننا نقضي وقتاً طويلاً في العمل، لا أنسى سفري معه لمرتين؛ الأولى إلى مدينة "باري" بإيطاليا عام 1997، وكان هو رئيس البعثة واستقبلنا آنذاك الإعلامي والمعلق الرياضي "ياسر علي ديب"، والثانية سفرنا إلى "الأردن" في عام 1999 لتغطية الدورة العربية في "عمان"، وشاركنا بعربة النقل بكوادرها ونقلها الراحل "نبيل الحسيني" إلى العالم العربي».

نشير إلى أن المخرج الراحل "نبيل الحسيني" من مواليد "دمشق" عام 1943 ورحل عن عالمنا عام 2019 .